يتجاوز تداعيات استثمار الإمارات في حقل تمار للغاز الطبيعي الإسرائيلي الجانب الاقتصادي وتمتد إلى إشهار تحالف استراتيجي بين أبوظبي وتل أبيب.
ويعتزم صندوق الثروة السيادي الإماراتي شراء حصة في حقل تمار في شرق البحر المتوسط بمبلغ يصل إلى 1.1 مليار دولار.
وستصبح الصفقة التجارية الأكبر بين الإمارات وإسرائيل منذ تطبيع العلاقات بينهما منتصف أيلول/سبتمبر الماضي.
تفاصيل الصفقة المشبوهة
أعلنت مجموعة “ديلك” أن شركة “مبادلة بتروليوم”، وهي فرع الطاقة لحكومة أبو ظبي، اتفقت مبدئياً على شراء 22 في المئة من الحقوق في حقل الغاز “تمار” الواقع على بعد 90 كيلومتراً غرب حيفا المحتلة.
ويعني ذلك امتلاك الإمارات خُمس أسهم مصدر التزويد الرئيسي لقطاع الطاقة في إسرائيل وسط تداعيات جيوسياسية مزدوجة.
فالحديث عن صفقة ترتبط فيها المصالح الجيوسياسية والأمنية بالمصالح التجارية، من غير أن يكون واضحاً من الذي يسبق من: خدمة المصلحة الوطنية أم تحقيق المصلحة الشخصية.
وحقل تمار للغاز يقع قبالة السواحل الفلسطينية المحتلة وأحد مصادر الطاقة الرئيسية للاحتلال الإسرائيلي، وهو قادر على إنتاج 11 مليار قدم مكعبة من الغاز كل عام. ويكفي ذلك لتغطية الكثير من السوق الإسرائيلية وكذلك الصادرات إلى مصر والأردن.
وتحوز “ديليك” حصة 22% في الحقل الذي تديره شركة شيفرون الأميركية. وقال يوسي أبو، المدير التنفيذي لشركة ديليك دريلينج، إن من شأن الصفقة أن تمثل “تحالفا استراتيجيا في الشرق الأوسط بحيث يصبح الغاز الطبيعي مصدرا للتعاون في المنطقة”.
ويتم الحفاظ على تفاصيل الصفقة وظروفها تحت غطاء من السرية. إضافة إلى ذلك، يصمم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على منع إجراء لقاء استراتيجي حول كشف الأصول القومية للاستثمارات الأجنبية، ويفضل أن يدير المخاطر التي تكتنف ذلك بنفسه.
ولا يجب أن تفاجئنا مذكرة التفاهمات لبيع ممتلكات “ديلك” في حقل “تمار” لأبو ظبي.
أولاً، حسب مشروع الغاز، مطلوب من “ديلك” بيع كل ممتلكاتها في الحقل حتى نهاية 2021.
ثانياً، منذ بداية هذه السنة، حذرت وزارة الشؤون الاستراتيجية والشاباك من أنه “يتوقع زيادة في الاستثمار من جانب دول الخليج في الأشهر القريبة القادمة”.
ثالثاً، “مبادلة” صاحبة المصلحة في تطوير سوق الغاز الإقليمية، بقوة امتلاكها 10 في المئة في رخصة “شوروك” الموجود في مصر، ومن بين أمور أخرى تم العثور فيه على حقل الغاز الأكبر “زوهر”.
رابعاً، الوضع المالي الصعب لشركة “تشوفا” والتعليق المرفق بالبيانات المالية لشركة “ديلك”، تلزمها بأن تضخ أموالاً نقدية بسرعة.
والصفقة لا تعطي الإمارات حق امتلاك أغلبية في الحقل، ولا يتضمن حق الفيتو، ولا يشمل التدخل في تشغيل الحقل، الذي سيبقى في أيدي الأمريكيين (شفرون).
وذكرت صحيفة هآرتس العبرية أنه من الجيد لإسرائيل أن المشتري لاعب استراتيجي له مصلحة في تطوير سوق الغاز الإقليمية، بما في ذلك السوق المصرية المجاورة.
وأوردت الصحيفة أن استمرار تطوير خزانات الغاز على شواطئ إسرائيل يرتبط بالتصدير ومشروط بمبيعات مباشرة أيضاً للسوقين المصرية والأردنية.
وبحسب الصحيفة فإن طبيعة أن المشتري لاعب عربي فهذا يخفف المخاوف السياسية من جانب لاعبين دوليين آخرين من الاستثمار في إسرائيل.
وأبرزت أن استثمار الإمارات في أصول استراتيجية هو تعبير عن رغبة متبادلة في التطبيع ويمكن أن تعزز التحالف السياسي ضد إيران.
في الوقت ذاته اعتبرت الصحيفة أن الأمر السلبي لإسرائيل هو كون المشتري القادم هو شركة حكومة وليس شركة تجارية خاصة “وهو أمر يثير خوفاً من أن اعتبارات الاستثمار ليست تنافسية بالضرورة. أي أن الحديث يدور عن أداة سياسية لا ترى أمامها مصالح المستهلك والخدمة المقدمة له”.
علامات استفهام عديدة
تثير الخطوة الإماراتية العديد من علامات الاستفهام حول توجه أبوظبي نحو الحصول على موطئ قدم في سوق الغاز بالمنطقة.
لاسيما أن هذا الحقل يصدر كميات كبيرة إلى مصر بمقتضى صفقة جرى التوصل إليها قبل نحو ثلاثة أعوام بين شركة “ديليك” الإسرائيلية وشركة خاصة في مصر، مقابل تسوية قضية تحكيم جرى بمقتضاها تغريم القاهرة نحو 1.7 مليار دولار بسبب توقف تصدير الغاز لشركة الكهرباء الإسرائيلية في أعقاب تفجيرات متكررة طاولت خط تصدير الغاز المصري منذ 2011.
بدورها، قالت مبادلة للبترول، وهي وحدة تابعة لشركة مبادلة للاستثمار المملوكة لحكومة أبوظبي، وهي صندوق سيادي يبلغ حجم أصوله 232 مليار دولار، إن “الصفقة المقترحة تتماشى مع استراتيجيتها في البحث عن استثمارات عالية الجودة تعزز محفظتها التي تعتمد على الغاز بما يتوافق مع أهدافها للتحول في مجال الطاقة”.
وشركاء حقل تمار حاليا، يتألف من ديليك بنسبة 22%، ونوبل إنرجي الأميركية 25%، و”إسرامكو” 28.75%، وشركة تمار 16.75%، و”دور غاز” 4% و”إيفرست للإنشاءات” 3.5%.
وبجانب حصتها في تمار، تحوز ديليك الإسرائيلية، حصة كبيرة أيضا في حقل الغاز الأكبر لوثيان والقريب من تمار قبالة السواحل الفلسطينية المحتلة.
وكانت ديليك وشريكتها نوبل إنرجي، قد وقعتا اتفاقا في أوائل 2018 لتصدير غاز طبيعي بقيمة 15 مليار دولار من حقلي تمار ولوثيان إلى شركة خاصة في مصر.
الأمر الذي وصفه مسؤولون إسرائيليون حينذاك بأنه “الأكثر أهمية منذ إبرام اتفاقية السلام مع مصر في 1979”.
بينما رأى محللون أنه نتاج ضغط مقابل تسوية قضية تحكيم ضد مصر بقيمة 1.7 مليار دولار، لتوقف تصدير غازها إلى شركة الكهرباء الإسرائيلية قبل عشر سنوات.
ووفق صحيفة “كلكلست” الاقتصادية الإسرائيلية، فإن رغبة الإمارات في شراء 22% من حقل تمار، يدل على “اتساع دائرة التعاون الاقتصادي والاستراتيجي بين الإمارات وإسرائيل، ويفسر توجه الإمارات إلى المشاركة بفاعلية في المحور الإقليمي الذي يضم إسرائيل واليونان وقبرص”.
ويثير التوجه الإماراتي للاستحواذ على حصة في غاز شرق المتوسط، علامات استفهام حول الهدف من هذه الاستثمارات.
لا سيما أن التحركات الإماراتية الأخيرة بشأن عقد صفقات مع إسرائيل، أضحت مصدر قلق كبير لمصر التي تتخوف من تضرر مصالحها الاقتصادية في العديد من القطاعات بفعل هذه الصفقات.
وبجانب صفقة الغاز، تسعى الإمارات إلى صفقات مع إسرائيل من شأنها تقليص دور قناة السويس المصرية وهي من أهم الممرات الملاحية في العالم، فضلا عن قطاعات حيوية أخرى.