تتصاعد المؤشرات على تعرض اقتصاد دولة الإمارات إلى حالة من التدهور غير المسبوق مع توقعات بانكماش قياسي على خلفية عدة أزمات تضرب الدولة أبرزها انخفاض أسعار النفط وأزمة فيروس كورونا المستجد.
وقالت وكالة “ستاندرد تشارترد” الدولية إنها من التوقع ان ينكمش الناتج المحلي الإجمالي للإمارات بواقع 4.5% في عام 2020، نتيجة خفض إنتاج النفط في تدهور كبير قياساً بتوقعات سابقة بنمو نسبته 1.4%.
يأتي ذلك فيما أجبر تراجع إيرادات النفط ونقص السيولة، الإمارات على اللجوء للاقتراض من الخارج وإصدار سندات سيادية بقيمة سبعة مليارات دولار.
وقالت دائرة المالية في أبو ظبي في بيان إن السندات السيادية توزعت على ثلاث شرائح هي “شريحة بقيمة 2 مليار دولار لمدة خمس سنوات، وشريحة بقيمة 2 مليار دولار لمدة عشر سنوات، وشريحة بقيمة 3 مليارات دولار لمدة ثلاثين عاما”.
وتذهب الإمارات نحو الاقتراض مجدداً، في مسعى للتخلص من انخفاض أسعار النفط، وتداعيات مواجهة وباء كورونا وسد العجز المستمر في الميزانية، على الرغم من أنها تنفق مليارات الدولارات في حروبها الخارجية.
ومستثمرو الديون العالميون ربما يكونون حذرين حيال أي سندات جديدة، نظرا لثقل عبء ديون دبي، التي تقدر بنحو 135 مليار دولار، أو ما يوازي 125% من الناتج المحلي الإجمالي، ويحل موعد سداد نصفها تقريبا قبل نهاية 2024.
وفي أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي أعلنت إمارة أبو ظبي طرح سندات سيادية متعددة الشرائح بقيمة إجمالية بلغت 10 مليارات دولار أمريكي بنسب عائد مختلفة، واعتبرت دائرة المالية في الإمارة أن هذا الإجراء “يعكس قوة السجل الائتماني” لأبو ظبي، من دون تقديم أي عذر يبرر اتخاذ تدابير الاقتراض الجذرية هذه.
ففي ذلك الحين لم تكن أسعار النفط قد هوت بمعدلات لا سابق لها منذ 18 عاماً، نتيجة حرب إغراق الأسواق التي انخرطت فيها السعودية، وكذلك لم تكن جائحة كورونا قد تدخلت لتعطيل اقتصادات العالم على هذا النحو العنيف.
اليوم تتكئ أبو ظبي على هذه التطورات لتبرير إجراء مماثل يتضمن اقتراض 7 مليارات دولار عبر سندات سيادية على ثلاث شرائح هذه المرة، بآجال تتراوح بين 5 و10 سنوات، إلى 30 سنة. لكن دائرة المالية في الإمارة لم تسارع إلى وضع هذا الإصدار الجديد تحت لافتة متانة السجل الائتماني، بل امتنعت تماماً عن التعليق على هذه الأنباء التي نشرتها المصارف المعنية ووكالات الأنباء العالمية.
ولقد بات واضحاً أن ذلك “السجل” يعاني من مشكلات بنيوية وعضوية مزمنة، وليست حكاية الاقتراض عن طريق السندات السيادية إلا ظاهرها الذي لا مفر من انكشافه لأنه يتصل بقطاع السيولة الأجنبية. مظاهر أخرى حديثة العهد تمثلت في اضطرار البنك المركزي الإماراتي إلى التعاقد مع جهة استشارية خارجية لإيجاد حلول لمآزق الديون والتشغيل في “الإمارات العربية المتحدة للصرافة”، وهي واحدة من كبرى شركات التحويلات المالية العاملة في الإمارات ويعمل لديها آلاف من الموظفين وتتولى تحويلات الغالبية الساحقة من مداخيل العمالة الأجنبية.
كذلك كانت شركة طيران الإمارات، التي تتبع “مجموعة الإمارات” القابضة الحكومية، قد أعلنت تخفيضاً لرواتب موظفيها يتراوح بين 25 و50٪، مع العلم أن أعداد العاملين لدى المجموعة تتجاوز 100 ألف موظف، بينهم نحو 21 ألفاً في الطواقم و4000 طيار. ورغم أن غالبية شركات الطيران في العالم تعرضت لانتكاسات كبرى من حيث تعليق الرحلات، إلا أن إجراءات التسريح وتخفيض الراتب في “طيران الإمارات” و”الاتحاد” كانت بين الأكثر قسوة على العاملين.
وبمعزل عن هذه وسواها افتُضحت في الأسابيع الأخيرة حكاية رجل الأعمال الهندي بي آر شيتي الذي احتال على سلسلة مصارف إماراتية واستحصل منها على مبلغ فلكي يتجاوز 6,6 مليار دولار، ثم غادر الإمارات من دون مساءلة أو إعاقة رغم أنه كان يواجه خمس قضايا قانونية أمام المحاكم.
هذا النجاح الصاعق لم يكن قابلاً للتحقق لولا أن الملياردير الهندي كان مقرباً من الفئة الأعلى لرجال الحكم في الإمارات، وكان يظهر معهم على الملأ في مناسبات احتفالية رسمية، كما أنه لعب دور رأس الحربة في عمليات تشديد الحصار ضد دولة قطر.
كل هذا وحاكم الإمارات محمد بن زايد يبذر مئات الملايين على دعم اللواء المنشق خليفة حفتر وصب الزيت على نيران الحرب الأهلية في ليبيا، أو إغواء بشار الأسد بحفنة ملايين أخرى لخرق الهدنة في محافظة إدلب، أو إنفاق الملايين على شركات العلاقات العامة والتجسس الإلكتروني. وعندما تصبح الخزائن خاوية بعض الشيء، لا يجد حكام الإمارات حياء في الاستدانة واللوذ بهباء سندات السيادة.