حافظت الإمارات على مركزها الأول عربيا في “مؤشر السعادة” لعام 2018، فيما احتلت المركز 20 عالميا، وفقاً للتقرير العالمي للسعادة، متقدمة مركزا جديدا عن تصنيف العام الماضي. إلا أن هذه السعادة تخفي جانبا مظلما في الدولة الخليجية، تجعلها أحد أكثر الدول تعاسة للمعارضين والمختلفين مع حكومتها في الرأي.
وتزعم حكومة الإمارات أنها تنظر للسعادة كهدف إنساني، وحق مكتسب لجميع مواطنيها والمقيمين على أرضها وحتى الزوار، وتسعى إلى تصدير هذا الهدف على سلم أولويات عملها، من خلال استحداث أول وزارة للسعادة في العالم، وإطلاق ميثاق وطني يكرس ريادتها العالمية في هذا المجال.
تناقض
وعبر معايير مادية مجردة، تصدرت الإمارات الدول العربية للعام الثالث على التوالي في تصنيف السعادة.
وتشمل تلك المعايير “دخل الفرد، والدعم الاجتماعي، وتوقعات الحياة الصحية، وحرية اتخاذ القرارات الحياتية، والكرم والسخاء، والثقة” لتحصل على (6.774) من أصل (10) درجات.
وأمام ذلك، وصل وضع حقوق الإنسان في الإمارات إلى “حد من التردي لم يكن مسبوقًا”، حسب منظمات حقوقية دولية؛ لتكون أحد أكثر الدول في التعاسة لمعارضيها ومنتقديها.
في العام الماضي، شهدت الإمارات انتهاكات عدة لحقوق الناشطين السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمدونين، التي نالت من كرامتهم، ومن أمانهم الشخصي، كما نالت من كافة حقوقهم وحرياتهم التي كفلتها المواثيق الدولية، حسب “المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان” (منظمة حقوقية مقرها سويسرا).
وشهدت الأعوام السبع الأخيرة، خاصة مع انطلاق الربيع العربي، ارتفاعا ملحوظا في حالات انتهاك حقوق الإنسان في الإمارات، دفع عدد كبير من المنظمات الدولية، إلى تخصيص جزء كبير من جهودها لتسليط الضوء على ما يجري داخل البلاد.
وفي هذا الصدد، اتهم فريق حقوقي أممي، الإمارات، بالتورط في جرائم تعذيب وعقوبات قاسية ولا إنسانية أو المهينة بحق أصحاب الرأي والمعارضين، مع غياب المحاكمات العادلة.
انتهاكات بالجملة
الانتهاكات في الإمارات عديدة؛ حيث تعتقل السلطات أي صوت معارض تعسفيا، وتخفيه قسريا، قبل أن تحيله إلى محاكمات دون ضمانات عادلة.
ويقبع داخل سجن الرزين سيء السمعة، وغيره من سجون دولة الإمارات، سجناء سياسيون وحقوقيون ومدونون، يشكون من انتهاك حقهم في معاملة كريمة، ويتعرضون للتفتيش المهين، وللحبس الانفرادي لأتفه الأسباب، كما تتعرض العائلات للمنع من الزيارة.
ويعتبر سجن “الرزين” الأسوأ عربيا، حسب تصنيف المركز الدولي لدراسات السجون بحيث يواجه المئات من المعتقلين السياسيين الإماراتيين فيه أحكاما مشددة عقابا على مطالبتهم بالإصلاح إذ يعتاد هؤلاء على اقتحام الحراس لزنازينهم وضربهم ومصادرة مقتنياتهم، وإغلاق نوافذ كافة الزنازين بالطوب لمنع دخول أشعة الشمس، ويحرمون من النوم، ويجوعون، ويمنعون من الزيارة.
ويتعرض المعتقلون في سجون الإمارات خاصة سجن الرزين لانتهاكات متعددة من بينها نزع كافة ملابسهم الداخلية والتعرية التامة أمام الشرطيين من أجل الخضوع للتفتيش، فضلا عن حفلات التعذيب التي تشمل الضرب بالكرابيج، ووضع العصا في الدبر، ونزع الأظافر، والكي بالكهرباء، والضرب المبرح.
وتصر سلطات الإمارات على الاحتفاظ بعدد من الناشطين السياسيين والحقوقيين والمدونين بعد انقضاء أمد عقوبتهم بمراكز للمناصحة دون سقف زمني محدد، ودون تخويلهم الحق في التظلم إداريا وقضائيا.
كما تحرص على تحصين قراراتها التعسفية بسحب جنسيات الناشطين السياسيين والحقوقيين والمدونين، من خلال تعديل قانون الجنسية الذي رسم بعدم قابلية هذه القرارات للمراجعة القضائية.
وتنتهك السلطات حقوق المرأة، من خلال سجن ناشطات إماراتيات دون وجه حق، ومن خلال إجراءات تمييزية ضد المرأة.
وحسب موقع (جلوبال فويسز) العالمي فإن الاعتقالات وحالات الاختفاء القسري والتعذيب والمحاكمات الجائرة والإبعاد، وإلغاء جنسيات، كلها تكتيكات منظمة تنتهجها السلطات في الإمارات لإسكات الناشطين والحقوقيين، بهدف التأكد من منع اندلاع ربيع عربي داخل حدودها.
ومن بين الانتهاكات أيضا، انتهاك الحق في حرية الرأي والتعبير والإنترنت من خلال قوانين عقابية؛ كالقانون الاتحادي بشأن جرائم تقنية المعلومات، ومن خلال التنصت واعتراض الاتصالات والحجب للعديد من المواقع.
ارتفاع أسعار وبطالة
ولا تنفصل سعادة الشخص عن حياته وممارساته اليومية، في ظل صدور قرارات برفع أسعار الكثير من المنتجات، خلال العامين الماضيين، لا سيما أسعار المشتقات النفطية، وأسعار الكهرباء والمياه، التي صار لزاماً على المواطنين دفع فواتيرها نهاية كل شهر بعد عقود من إعفاءهم من رسوم الكهرباء والماء التي تتزايد تعريفاتها بشكل مضطرد.
ويضاف إلى ذلك القرارات المستمرة بشأن زيادة في الرسوم أو فرض الضرائب، ومن ذلك ضريبة القيمة المضافة التي دخلت حيز التنفيذ مطلع 2018، ناهيك عن سلسلة قرارات تتعلق بفرض ضرائب جديدة على الوافدين، والخدمات المتعلقة بقطاعات الطيران والإنشاءات والخدمات.
كما شهدت الإمارات، خلال العامين الماضيين، موجة واسعة من تسريح الموظفين، لا سيما في قطاعات الطاقة والاتصالات، فيما بلغت نسبة البطالة بين المواطنين 14%، حسب إحصائيات رسمية.
جزر محتلة
بعد آخر يناقض السعادة الشكلية للإمارات، هي الجزر الثلاثة الإماراتية المحتلة (طنب الكبرى، طنب الصغرى، أبو موسى). ويتساءل مراقبون “كيف يمكن أن تكون الإمارات السبع سعيدة، وجزرها الثلاث غير سعيدة؟”.
وفي الجزر المحتلة، يتم إجبار أهلها على تنفيذ ما يريده غيرهم، ولهذا نجدهم يبحثون عــــن السعادة ولا يجدونها، ويلاحقونها فتهرب منهم، وينتظرونها فلا تأتي إليهم.
ولا جدال في أن السعادة الحقيقية لا تتحقق من خلال توزيع الهدايا والعطايا، وركوب المطايا، ولكنها تترسخ من خلال ترسيخ السيادة الوطنية على الجزر المحتلة، التي مضى على احتلالها أكثر من 46 عاماً، مما يستدعي حشد كل الجهود لتحريرها، حتى لا تلقى مصير إقليم الأحواز العربي، الذي تم اغتصابه وطمست هويته العربية.
لا تسامح
وإن كان التسامح، أحد أبرز عوامل السعادة، فإن الإمارات وإن كانت خصصت وزارة للتسامح، فهي تتناقض مع نفسها في تحقيق أهداف وزارتها، في الوقت الذي تقاطع فيه الشقيقة قطر، وتفرض عليها وعلى شعبها حصاراً جائراً.
هي أيضا، تناقض السعادة والتسامح، عندما حرمت القطريين من التواصل مع أهلهم في الإمارات.
وعلى وقع التسامح، للإمارات دور في إنشاء وإدارة معتقلات وسجون سرية في اليمن، يرتكب فيها تعذيبًا ممنهجًا ضد المعارضين السياسيين.
كما شاركت في دعم انقلاب 3 يوليو/تموز 2013 في مصر، وتؤيد اللواء المتقاعد خليفة حفتر فيما يرتكبه من جرائم حرب في ليبيا، وسط محاولات مستمرة، لتقويض الجهود الحثيثة والبناءة للمسار الديمقراطي في تونس، وتآمرها لإرباك الاستقرار وعرقلة النهضة في تركيا.
كما أنها لا تدّخر جهدًا في التدخل السياسي في شؤون الدول العربية، وخاصةً دول الربيع العربي بشكلٍ يدعم الحكومات الديكتاتورية، ويساهم في الأنشطة القمعية التي ترتكبها تلك الدول بحق معارضيها السياسيين، حسب ما ذكرته منظمات حقوقية.