موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

قمعٌ بلا حدود: تقرير البرلمان البريطاني يضع الإمارات في دائرة الاتهام

2٬005

في تطوّر لافت بملف حماية الحقوق والحريات داخل المملكة المتحدة، كشفت لجنة حقوق الإنسان المشتركة في البرلمان البريطاني عن اتساع ظاهرة “القمع العابر للحدود” على الأراضي البريطانية، محذّرةً من أن جهاتٍ أجنبية باتت تلاحق معارضين ونشطاء داخل بريطانيا عبر التهديد، والمراقبة، وحملات التشهير.

ويورد التقرير أن اللجنة تلقّت أدلة متعددة تتهم الإمارات ـ إلى جانب دول أخرى ـ بممارسة هذا النمط من الانتهاكات في المملكة المتحدة، في تقويضٍ لسيادة الدولة وحماية القانون لحرية التعبير والأمان الشخصي.

ويوثّق تقرير اللجنة (30 يوليو/تموز 2025) اتساع القمع العابر للحدود، ويعرض طيفًا واسعًا من الأساليب: من التهديدات المباشرة والضغط على العائلات، إلى الاعتداءات الرقمية مثل القرصنة، والتصيّد، وانتحال الهوية، وحملات التشهير المنظمة عبر الإنترنت.

وبحسب خلاصة التقرير، وصل للجنة 181 مذكرة خطية وأدلة شخصية كثيرة، من بينها ما يتهم الإمارات بممارسات قمعية تستهدف نشطاء ومقيمين داخل بريطانيا.

ورغم تركيز التقرير تفصيلاً على دول كالـصين وروسيا وإيران، فإنه يثبت من حيث المبدأ وجود اتهامات موثّقة بحق دول أُخَر ـ وبينها الإمارات ـ بممارسة هذا القمع، ويدعو الحكومة لإطارٍ أشمل للحماية والردع.

وبلغة صريحة، تعتبر اللجنة أن بريطانيا تفتقر إلى تعريف رسمي للقمع العابر للحدود وآليات منهجية لجمع البيانات عنه، ما يعيق فهم حجمه وطرائقه، وبالتالي يحدّ من فعالية الاستجابة الشرطية والقانونية. وتوصي باعتماد تعريف واضح، وإنشاء نظام وطني لرصد وتوثيق الحوادث، وتخصيص تدريب متخصص للشرطة وقنوات تبليغ آمنة للضحايا.

لماذا الآن؟ مؤشرات خطر متصاعدة

لا يأتي التحذير في فراغ. فوفق ما عُرض على البرلمان وحكومة لندن، قفز عدد تحقيقات MI5 في التهديدات المرتبطة بدول أجنبية بنسبة 48% منذ عام 2022، وهو مؤشر صريح على تسارع التهديدات العابرة للحدود وتنوّع مُرتكبيها وأساليبهم.

كما أكد مسؤولون تعامل الأجهزة الأمنية مع أكثر من 20 تهديدًا مُميتًا مرتبطًا بإيران منذ 2022، في سياق مشهد متشابك تتداخل فيه نشاطات دول وجهاتٍ بالوكالة وأذرع رقمية وإعلامية.

هذه القفزة في التحقيقات تعكس ـ كما تقول اللجنة ـ أن “الخوف” الناجم عن ممارسات القمع يتسرب إلى الجاليات المستهدفة ويخلق أثرًا مُجمِدًا (Chilling effect) على حرية التعبير والمشاركة العامة، حتى عندما لا يبلغ عدد القضايا المسجّلة مستوياتٍ مرتفعة. ولذلك لا يقاس الخطر بعدد الملفات الجنائية فقط، بل بتأثيره الأوسع على الفضاء المدني وسلامة الأفراد.

كيف تُستَخدم الساحة البريطانية؟

يبيّن التقرير أن أدوات القمع تمتد من المراقبة المباشرة والتهديد إلى التشهير القانوني عبر دعاوى كيدية (SLAPPs) وإساءة استخدام نشرات الإنتربول الحمراء لترويع المعارضين وإسكاتهم.

كما يتّسع “الإرهاب الرقمي” في صورة اختراق حسابات ونشر بيانات شخصية وانتحال هويات، وهو ما توثّقه اللجنة ضمن أمثلة متعددة على هجماتٍ رقمية ممنهجة. هذه التكتيكات ـ حين تمارسها أجهزةٌ أجنبية أو وكلاؤها ـ تُشكّل انتهاكًا واضحًا للقانون البريطاني والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وتستدعي استجابة جنائية وسياسية منسّقة.

موضع الإمارات في الصورة

يُسجّل التقرير أنّ عدّة مذكرات وأدلة قدّمت للجنة تتهم الإمارات بتنفيذ أشكال من القمع العابر للحدود داخل المملكة المتحدة. صحيحٌ أن التقرير لا يُفرد فصلًا تفصيليًا لكل دولة من الاتهامات المدرجة، لكنه يثبت وجود نمطٍ شائع من الأساليب يتكرر عبر دولٍ عدة: تهديدٌ للنشطاء، وضغوطٌ على أسرهم في الخارج، ومراقبة لصيقة، وتشويهٌ منظم للسمعة عبر المنصّات الرقمية.

والأهم أن اللجنة تُذكّر بأن قرارات الحكومة في تصنيف التهديدات يجب أن تستند إلى تقييم موضوعي لا تحكمه الحسابات الاقتصادية أو الدبلوماسية، في رسالةٍ ضمنية مفادها أن أي دولة تتوافر بشأنها أدلة ذات مصداقية ـ بما فيها الإمارات ـ ينبغي أن تُقيّم تحت الأدوات القانونية المتاحة بالصرامة نفسها.

ماذا تريد اللجنة من الحكومة؟

يضع التقرير “ورقة طريق” تشريعية وتنفيذية، من أبرز بنودها:

اعتماد تعريف رسمي للقمع العابر للحدود، وإنشاء آليات جمع بيانات وطنية ومؤشرات أداء لرصد الاتجاهات.

تدريبٌ متخصص للشرطة وخط إبلاغٍ مخصص للضحايا، لضمان استجابة متسقة عابرة للقوات والدوائر.

تشديد الرقابة على إساءة استخدام الإنتربول، وإخطار المتضرّرين عند الاشتباه في دوافع سياسية لنشرات حمراء.

توسيع تفعيل “نظام تسجيل التأثير الأجنبي” (FIRS) ضمن قانون الأمن القومي، مع التأكيد أن إدراج الدول ضمن فئته المُعزّزة يجب أن يقوم على تقدير المخاطر الموضوعية لا على “اعتبارات السياسة الخارجية”.

كما توصي اللجنة بزيادة الشفافية والتطبيق الصارم للأحكام التي تجرّم تدخّل القوى الأجنبية في الحقوق والحياة العامة (مثل المادة 13 من قانون 2023).

تنسيق حكومي مركزي عبر “وحدة مشتركة لتهديدات الدولة” لتوحيد جهود الاستخبارات والشرطة والسياسات، وتعيين مسؤول رفيع يقود ملف القمع العابر للحدود.

إلى جانب ذلك، تدعو اللجنة إلى قيادة بريطانية دولية لتصعيد الملف على أجندة مجموعة السبع والأمم المتحدة، وتبادل أفضل الممارسات وتعزيز قدرات الكشف عن الاستهداف الرقمي عبر آليات متعددة الأطراف.

وعليه يضع تقرير لجنة حقوق الإنسان الحكومة البريطانية أمام اختبارٍ واضح: إما استجابةٌ تشريعية وتنفيذية تُظهر أن لا أحد فوق القانون ـ بما في ذلك الشركاء الأثرياء ـ وإما تكريسٌ لثغراتٍ تُغري مزيدًا من الاعتداءات الأجنبية على حرّيات المقيمين فوق التراب البريطاني.

والإمارات، وقد ورد اسمها بين الدول المتهمة في الأدلة المقدّمة للجنة، تحتاج إلى تقييمٍ شفافٍ وحازم تحت منظومة الأدوات القانونية البريطانية، من تسجيل النفوذ الأجنبي إلى الملاحقات الجنائية عند الاقتضاء.