أعلنت الإمارات عام 2019 عاماً للتسامح، وهي خطوة صغيرة في الطريق السليم إذا ما عالجت مشكلة التسامح مع حرية الرأي والتعبير وأنهت قائمة طويلة من الانتهاكات المتعلقة برفض التعايش والحوار والسلام وتجريف الهوية الوطنية.
الإعلان الذي تزامن مع تعديلات على قانون العقوبات، الذي شدد العقوبة ووسع دائرة الاتهام فضفاض على المنتقدين والباحثين، وعلى الصحافيين والساعين نحو المعلومات والتوثق منها، تحت قاعدة “كل مواطن ومقيم متهم حتى يُثبت “قربه وتنفيذه لسياسات جهاز أمن الدولة ومع ذلك قد تبقى تحت المراقبة”.
إن أول خطوات التعايش يجب تتمثل في إيمان السلطة بالتعايش مع الأفكار ومع الانتقاد كمصدر قوة وتصويت للسياسات والعمل وليس محاربة أي انتقاد وتفعيل القوانين سيئة السمعة للانتقام من المعبرين عن آرائهم والمنتقدين لسياسات جهاز أمن الدولة.
تبدأ الخطوات نحو التسامح بوقف كل التعديلات على قانون العقوبات المتعلقة بحرية الرأي والتعبير، وإلغاء القوانين سيئة السمعة التي تستهدف الحريات الأساسية، وإلغاء ما ترتب على تلك القوانين، وإعادة الاعتبار لكل مواطن إماراتي وغير إماراتي تعرض للامتهان والتعذيب والمحاكمات السياسية والتشكيك في نزاهته وإعادة الاعتبار لعائلاتهم وقبائلهم. ومحاكمة علنية ونزيهة للمتهمين في ارتكاب الانتهاكات وجلسات التعذيب بحق الناشطين.
تتبع هذه الخطوة الضرورية، التي يفترض أن تكون ضمن برنامج التسامح 2019 للدولة، إطلاق حوار مع المثقفين والنخبة الإماراتية والشيوخ والمسؤولين المحليين في الإمارات السبع، لمناقشة سُبل الانتقال إلى مستقبل إماراتي يحمي حرية المواطن وكرامته بإعادة الاعتبار للدستور والقانون وصلاحيات الأجهزة الأمنية والسلطات السياسية، ومناقشة أوسع لتفعيل المجلس الوطني (البرلمان) بصلاحيات كاملة بانتخابات كاملة لكل الشعب تكون مهمته في البداية تنفيذ مخرجات الحوار بين نخبة الدولة وشيوخها، وفق قاعدة حماية الثوابت الأساسية للدولة الاتحادية والولاء لشيوخها حكام الإمارات، والتعايش مع مختلف الأفكار وفق تعديلات دستورية يجريها البرلمان المنتخب.
التسامح لا يعني إقامة مؤتمرات واستدعاء المثقفين من كل دول العالم للتحاور معهم، فيما المثقفين الإماراتيين يتم الزج بهم في السجون بسبب مطالبتهم بالإصلاح وممارسة حقهم في التعبير عن آرائهم، بل بإنشاء حوارات وطنية في المقدمة قبل الحوارات الأخرى المتعلقة بتلاقح الأفكار والمنطلقات الفكرية والسياسية.
هذه خطوات صغيرة من أجل عام التسامح، وبدون المرور بهذه الخطوات فإن هذا التسامح هو غطاء لانتهاكات جديدة لن تستثني أحداً، وستتجاوز الاعتبارات المجتمعية والقبلية، فدائماً ما كان هذا النوع من البريق غطاء لممارسة أبشع في ملف حقوق الإنسان للدولة.
إذ تستمر في الإمارات “حفلات التعذيب” والاعتقال للناشطين والمعبرين عن آرائهم وعدم التسامح مع الانتقاد. والشهر الماضي نُشر تسجيل صوتي للمعتقلة في سجون جهاز أمن الدولة “مريم البلوشي” تتحدث عن تعرضها وغيرها للامتهان والتعذيب والضرب، وهي رواية متزايدة ومتماثلة مع ما ذكره عشرات المعتقلين والمعتقلات في سجون جهاز أمن الدولة.
تمتلك الإمارات وزارة ومعهد للتسامح، إلا أن هذه الهيئات الشكلية لا تعني التسامح بمعناه التعايش وفهم واقع الإمارات ومشاكله المجتمعية والسياسية والثقافية، وعملها لا يتجاوز الديكور الحكومي لتحسين الصورة السيئة فعلاً بفعل تعاظم انتهاكات حقوق الإنسان داخل الدولة، والتدخلات الكارثية في السياسة الخارجية التي تجعل الشعوب تتشرب كرهاً للإمارات.
والواقع يظهر أن جهاز أمن الدولة في الإمارات لم يكن يوما متسامحاً مع المعبرين عن آرائهم أو المنتقدين السلميين والمدونين على شبكات التواصل الاجتماعي.
ويواصل جهاز أمن الدولة الانتقام للعام التاسع على التوالي من المطالبين بالإصلاح والمنتقدين المعبرين عن آرائهم، مستهدفة بالدرجة الأولى مواطني الإمارات ثمَّ الوافدين من الدول العربية، ثمَّ الوافدين من الدول الأجنبية.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية، إن وصف حكومة الإمارات كحكومة متسامحة مُثير للضحك، إذ لا يشير موقع القمة مطلقا إلى اعتداء الإمارات المستمر على حرية التعبير منذ عام 2011، حيث تحتجز السلطات منتقدي الحكومة وتخفيهم بالقوة، فضلا عن سجنها لفترات طويلة من يُدانون بأفعال غامضة مثل “تقويض الوحدة الوطنية” و “إهانة رموز الدولة”.
إن عشرات الإماراتيين من النخبة ورجال الدولة السابقين والقضاة والمحامين والمعلمين والناشطين والصحافيين والطلبة في سجون جهاز أمن الدولة تعرضوا للتعذيب والمحاكمة السياسية ويخضعون للسجن الآن وانتهاكات فجة ومستمرة.
والتسامح يعني التعايش مع الأفكار والانتقاد، مع وسائل الإعلام المستقلة وحرية الوصول للمعلومة، لكن الذي يحدث في الإمارات أن السلطات أغلقت باب الحوار والتعايش وعزلت عائلات المعتقلين السياسيين والناشطين، ومنعت أولادهم من المدارس والجامعات، كما حرمتهم من الوظيفة العامة بعد أن حرمتهم من آبائهم وإخوانهم في تفرقة وتمييز ومنح صكوك الوطنية والتسامح لمن يتبعون جهاز الأمن وتحرمها من المواطنين حتى أنها تسحب جنسياتهم.
في المقابل هناك تسامح مختلف يقوم به جهاز أمن الدولة، ضمن خطط حثيثه للتسامح مع إسرائيل والكيانات المتطرفة التابعة له.
وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي كشف السياسي الأمريكي رئيس المنظمات اليهودية الأمريكية “مالكوم هوين” أن الإماراتيين أخبروا وفداً زار أبوظبي ودبي أنهم يعملون على تغيير المناهج الدراسية ويقومون بخطوات أخرى لتحرير نسائهم، أيضا هناك تدابير تراكمية يأملون تحقيقها لتغيير مجتمعهم من الداخل.