موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات على خط التقسيم في السودان: استنساخ للنموذج اليمني

1٬357

تدخل الحرب الأهلية في السودان مرحلة جديدة من التعقيد، مع إعلان الحكومة السودانية رسميًا قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الإمارات، واعتبارها “دولة عدوان”، الأمر الذي ردت عليه أبو ظبي بالدفع العلني لمؤامراتها في فرض التقسيم في السودان.

إذ أن القرار السوداني الذي تزامن مع رفض محكمة العدل الدولية دعوى الخرطوم ضد أبوظبي بتهمة التواطؤ في الإبادة الجماعية، يعيد تسليط الضوء على الدور الإماراتي المثير للجدل في تأجيج النزاعات الداخلية، والدفع بتقسيم البلدان المنهكة إلى كيانات متنازعة، كما حدث في اليمن، ويحدث الآن في السودان.

نموذج متكرر: دعم طرف وإضعاف الدولة

منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، برزت أبوظبي كداعم رئيسي للأخيرة. لم يكن هذا الدعم إنسانيًا أو سياسيًا فحسب، بل تضمن، حسب اتهامات الحكومة السودانية، تزويدًا مباشرًا بالأسلحة والمعدات، ما جعل الإمارات تُتهم بأنها تغذي الحرب الأهلية بدلًا من السعي لإنهائها.

ووفقًا لتصريحات الخارجية السودانية، فإن الأسلحة الإماراتية استخدمت مؤخرًا في هجمات دموية على بورتسودان، في تحدٍ واضح لشرعية السلطة القائمة في شرق البلاد.

وهذه ليست المرة الأولى التي تتبنى فيها أبوظبي نهجًا مشابهًا. في اليمن، دعمت الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي في مواجهة حكومة عبد ربه منصور هادي، وشرعت في بناء تشكيلات مسلحة موازية للجيش، ثم دفعت باتجاه تقسيم فعلي للبلاد، من خلال السيطرة على الموانئ وإضعاف المركز.

ويبدو أن النموذج ذاته يتم استنساخه في السودان، عبر تحالفها الواضح مع الدعم السريع ضد الدولة السودانية ومؤسساتها العسكرية والمدنية.

الإمارات تُنكر شرعية الخرطوم.. وتدّعي تمثيل الشعب السوداني

ما يثير الاستغراب في الموقف الإماراتي الأخير، هو رفضها قرار السودان السيادي بقطع العلاقات معها، بزعم أن “الخطوة لا تمثل إرادة الشعب السوداني ولا تعكس الشرعية السياسية في البلاد”، وكأن لأبوظبي الحق في تحديد من هو الشرعي ومن لا يمثل الشعب السوداني.

هذا الموقف يكشف بوضوح عن إصرار الإمارات على التعامل مع السودان كدولة ضعيفة يمكن إعادة تشكيلها وفقًا لمصالحها الجيوسياسية، وتبرير تدخلها السافر بحجة “التمثيل الشعبي”، متجاهلة تمامًا أن الشرعية السياسية تُمنح من الداخل لا من الخارج.

تصريحات الإمارات تُعبّر عن منطق استعلائي يتجاهل وجود حكومة، وإن كانت انتقالية أو محدودة السيطرة، لكنها لا تزال الجهة المعترف بها دوليًا وتمثل السودان في المنظمات الدولية.

هذا الطعن العلني بشرعية السلطة السودانية، بالتزامن مع الدعم العسكري لقوات متمردة، لا يمكن تفسيره إلا كمحاولة مقصودة لإضعاف المركز ودفع البلاد إلى نقطة الانقسام.

رفض المحكمة الدولية لا يُبرّئ أبوظبي

قد يرى البعض في رفض محكمة العدل الدولية للدعوى السودانية مخرجًا قانونيًا لأبوظبي من الاتهامات الموجهة إليها، غير أن هذا الرفض جاء لأسباب إجرائية تتعلق بالاختصاص القضائي، وليس لعدم وجود أدلة على تورط الإمارات في دعم جرائم محتملة ارتكبتها قوات الدعم السريع.

فالمحكمة أقرّت بأن الإمارات أبدت تحفظًا على اختصاص المحكمة عند توقيع اتفاقية منع الإبادة الجماعية، ما يمنع نظر الدعوى من الناحية القانونية، لكنه لا يُسقط الجانب الأخلاقي والسياسي من الاتهام.

الموقف الإماراتي الرافض لأي مسؤولية أخلاقية أو سياسية عن دعم طرف مسؤول عن انتهاكات واسعة، يُعمق عزلة أبوظبي في الساحة الإقليمية ويمنح خصومها مزيدًا من الذخيرة في اتهامها بالتلاعب بمصائر الشعوب.

مشروع التقسيم: الموانئ أولاً

النمط الإماراتي في الدول المتعثرة يبدأ عادة من السيطرة على الموانئ. بورتسودان، التي باتت مقرًا للحكومة السودانية الشرعية، هي أبرز موانئ السودان على البحر الأحمر.

ومن المعروف أن السيطرة على هذه البوابة البحرية تعني تحكمًا استراتيجيًا في تدفقات التجارة والمساعدات والسلطة السياسية. الدعم السريع حاول مرارًا الاقتراب من المدينة، ويُعتقد أن الهجمات الأخيرة التي نُسبت له جرت بأسلحة إماراتية.

يتكرر هنا سيناريو عدن، حيث مهدت السيطرة الإماراتية على الميناء لتأسيس كيان سياسي وعسكري موازٍ للدولة اليمنية. وفي السودان، قد يكون الهدف المعلن هو “السلام”، لكنه على الأرض يبدو وكأنه تقسيم فعلي عبر الضغط العسكري والاقتصادي والسياسي.

السودان في مفترق خطير

في ظل هذا الوضع، يبدو السودان مقبلًا على مرحلة أكثر خطورة، ليس فقط بسبب الحرب الطاحنة بين الجيش والدعم السريع، بل لأن التدخلات الخارجية، وعلى رأسها الإماراتية، باتت تشكل تهديدًا مباشرًا لوحدة الدولة.

فالإمارات لم تعد فقط طرفًا يُتهم بدعم جماعة مسلحة، بل تحولت إلى فاعل يحاول فرض رؤيته للشرعية والسيادة في بلد ليس بلده.

إن مشروع التقسيم في السودان، إذا نجح، فلن يكون نهاية الأزمة، بل بداية لانفجارات أمنية واجتماعية جديدة، على غرار ما حدث في اليمن وليبيا.

وعلى القوى الإقليمية والدولية التي تدّعي الحرص على استقرار السودان أن تعترف بأن دعمها غير المشروط للإمارات، أو صمتها عن أدوارها التخريبية، يجعلها شريكة في دفع السودان نحو الهاوية.