موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

بين الخطوط الحمراء والشحنات السرية: كذبة الإمارات حول الموقف من إسرائيل

1٬361

منذ اندلاع الإبادة الجماعية في غزة والضفة الغربية، تصاعدت الأصوات الشعبية في العالم العربي ضد الاحتلال الإسرائيلي وكل من يدعمه أو يطبع معه في ظل تجاوز تل بيب كافة الخطوط الحمراء في جرائمها.

وسط هذا الغضب العارم، حاول رئيس الإمارات محمد بن زايد أن يقدّم موقفًا يبدو لأول وهلة صلبًا، عبر تصريح بثته مندوبته في الأمم المتحدة لانا نسيبة، التي قالت إن ضم الضفة الغربية يشكل “خطًا أحمر” يهدد اتفاقية أبراهام.

غير أن هذا التصريح الذي بدا جريئًا في العنوان، لا يعدو كونه مناورة لفظية، هدفها احتواء الغضب الشعبي والإيحاء بأن الإمارات قادرة على ضبط علاقاتها مع إسرائيل بشروط.

لكن هل نحن أمام موقف حقيقي يعكس تغييرًا في السياسة الإماراتية، أم أمام مسرحية سياسية رخيصة تخفي تحتها تعاونًا عميقًا مع إسرائيل يتجاوز كل ما هو معلن؟

الخطاب العلني: مغازلة للشعوب لا أكثر

حين يتحدث بن زايد عن “خطوط حمراء” في مواجهة إسرائيل، فإنه يعلم جيدًا أن مصداقيته مفقودة. فمنذ توقيع اتفاق أبراهام عام 2020، التزمت الإمارات بخطاب مزدوج: تهديدات علنية عند اللزوم، يقابلها على الأرض تعزيز للتطبيع في أوسع صوره.

الخطاب الأخير لمندوبة الإمارات في الأمم المتحدة لم يكن سوى محاولة لامتصاص نقمة الشارع العربي، خصوصًا بعد أن باتت صور المجازر في غزة والضفة تثير موجات غضب حتى داخل بعض الأوساط الرسمية في المنطقة.

هذا التباين بين القول والفعل ليس جديدًا، لكنه بلغ ذروته مع الانكشاف المتزايد للتعاون الأمني والعسكري بين أبوظبي وتل أبيب.

الواقع من داخل القصر: عبء التحالف العلني

يعلم بن زايد أن التحالف مع إسرائيل لم يعد مجرد مكسب دبلوماسي كما روّج له عام 2020، بل أصبح عبئًا ثقيلًا يكشف الإمارات أمام شعوبها كغطاء لجرائم الاحتلال.

ومع ذلك، فإن انسحابه لم يعد خيارًا مطروحًا، لأنه – كما يقول مراقبون – “دفع كثيرًا ليشتري عبوديته”، ولأنه سلّم أمن بلاده وموانئها للنفوذ الإسرائيلي قبل حتى أن يلتقط معه الصور العلنية.

وبالتالي، فإن “الخطوط الحمراء” التي يلوّح بها ليست سوى ورقة ضغط تكتيكية أمام الولايات المتحدة وإسرائيل، بينما في الواقع يستمر التعاون بأبعاد غير مسبوقة.

شواهد على التطبيع الخفي

رغم الخطاب الإعلامي، ثمة سلسلة من الوقائع التي تكشف التحالف العسكري والأمني العميق بين أبوظبي وتل أبيب:

بيغاسوس: برنامج التجسس الإسرائيلي الشهير، الذي اشترته الإمارات لتعقب المعارضين والإسلاميين وحتى بعض المسؤولين الإقليميين.

صفقة 5,000 قذيفة: شحنة ذخائر إماراتية وصلت إلى إسرائيل أواخر عام 2024 عبر طرق برية سرية، في وقت كانت فيه غزة تحت القصف المكثف.

طائرة Il-76: رحلة شحن عسكرية أقلعت من أبوظبي يوم 23 أغسطس 2025 متجهة إلى مطار رامون جنوب فلسطين المحتلة، حاملة نحو 40 طنًا من العتاد العسكري.

الموانئ المستباحة: من اليمن إلى القرن الأفريقي، شراكات مشتركة بين الإمارات وإسرائيل للسيطرة على الممرات البحرية الاستراتيجية، بما يعكس بعدًا استراتيجيًا يتجاوز مجرد التطبيع الاقتصادي أو السياحي.

هذه الأمثلة ليست سوى جزء من شبكة أوسع تربط أبوظبي بتل أبيب، وتحول اتفاق أبراهام من مجرد “معاهدة سلام” إلى تحالف أمني ضد الشعوب العربية نفسها.

بين التحذيرات العلنية والحقيقة الميدانية

حين يقول بن زايد إن الضم خط أحمر، فإنه يحاول تقديم نفسه كحامٍ لمعادلة “السلام مقابل الأرض”. لكن ما يجري عمليًا هو نقيض ذلك تمامًا.

فالإمارات، بدلًا من استخدام نفوذها للضغط على إسرائيل من أجل وقف المجازر أو حماية حل الدولتين، توفر لها في الخفاء الدعم العسكري واللوجستي والاستخباري.

هذا التناقض الصارخ يجعل تصريحات أبوظبي مجرد مسرح للاستهلاك الإعلامي، بينما الحقيقة أن التحالف مستمر بل ويزداد عمقًا.

وحتى لو قررت الإمارات يومًا ما إلغاء التطبيع في العلن – وهو احتمال ضعيف – فلن يغيّر ذلك من واقع ارتباطها الوثيق بإسرائيل. فهي لم تعد مجرد دولة طبّعت العلاقات بدافع المصلحة الاقتصادية، بل تحولت إلى شريك أمني وعسكري يدفع أثمانًا باهظة ليبقى ضمن دائرة النفوذ الإسرائيلي-الأميركي.

والأدهى أن هذه العلاقة لم تعد سرًا يمكن إنكاره، بل صارت وثيقة الارتباط تظهر في كل ملف إقليمي: من دعم مشاريع السيطرة على الموانئ، إلى التعاون في برامج التجسس، إلى صفقات الأسلحة التي تمر عبر أبوظبي نحو تل أبيب.

وعليه فإن تصريحات بن زايد حول “الخطوط الحمراء” لا تحمل أي وزن سياسي حقيقي. فهي أقرب إلى مسرحية سياسية هدفها امتصاص الغضب الشعبي والتظاهر بالندية أمام إسرائيل.

لكن الوقائع الميدانية – من الشحنات العسكرية إلى برامج التجسس – تقول العكس تمامًا: اتفاق أبراهام لم يعد معاهدة سلام، بل صار تحالفًا أمنيًا وعسكريًا ضد العرب أنفسهم.

وبينما يواجه الفلسطينيون حرب إبادة، يتضح أن أبوظبي لا تتردد في تقديم الدعم لمن يرتكب تلك الجرائم، حتى وهي تدّعي أنها تدافع عن “الخطوط الحمراء”.