موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

إمارات التطبيع والوكالة غير المباشرة: أبوظبي تسوق الرواية الإسرائيلية إقليميا

608

أكدت دراسة تحليلية أن دولة الإمارات تتولى دور الوكالة غير المباشرة لنشر التطبيع وسخرت أدوات إعلامية وثقافية وسياسية لتسويق الرواية الإسرائيلية خلال حرب الإبادة على قطاع غزة التي استمرت لعامين.

وقالت الدراسة الصادرة عن “الرابطة الإماراتية لمقاومة التطبيع”، إن دور الإمارات يبرز في بنية نفوذٍ ناعم تتقاطع فيها “الوكالة غير المباشرة” مع “الحرب الإدراكية”، حيث يُعاد تشكيل وعي الجمهور العربي بحيث تُصبح السردية الإسرائيلية “مقبولة بل ومعقولة”.

وبعد موجات التطبيع الرسمي التي فتحت بوابات الاقتصاد والاستثمار والتعاون الأمني، تتقدّم اليوم مرحلة أخطر: “التطبيع السردي”.

وهنا لا يُشترط توقيع اتفاقات جديدة؛ المطلوب فقط أن يتسرّب المنظور الإسرائيلي إلى الوعي العربي عبر قنوات محلية: شاشات لها تمويل خليجي، منصات رقمية، نُخب فكرية، ومؤثّرين يقدّمون خطابًا “عقلانيًا” ظاهريًا يحمّل الضحية مسؤولية الجريمة. بهذا المعنى، يصبح التحالف الإماراتي-الإسرائيلي ليس مجرد اصطفاف دبلوماسي، بل مشروعًا منهجيًا لإعادة تعريف الحقيقة.

“وكلاء الاحتلال”: صناعة رواية بلسانٍ محلي

تسمّي الورقة هؤلاء الفاعلين “وكلاء الاحتلال الإسرائيلي”؛ ليسوا جواسيس بالضرورة، بل نُخبًا ومؤسسات تُعيد إنتاج السرد الإسرائيلي بأدوات عربية.

وبحسب الدراسة يتبدّى ذلك في الشيفرات الخطابية المتكررة: “غزة دمّرت نفسها”، “المقاومة سبب مآسي الناس”، “لا يمكن الانتصار على إسرائيل”.

وهذه الصيغ لا تُجادل في الوقائع العسكرية فقط، بل تقلب علاقة الجلاد بالضحية: تُنزّه الاحتلال عن قرار القتل المنهجي وتُلصقه بـ“تعنّت المقاومة”.

وحين يغرّد أكاديمي خليجي بارز مثل عبد الخالق عبد الله مُحمّلًا المقاومة المسؤولية عن دماء أطفال غزة، فإن ما يحدث ليس رأيًا فرديًا معزولًا، بل نموذج دالّ على بيئةٍ تُكافئ هذا الخطاب وتمنحه منصّات الصدارة.

ملامح الخطاب الوكيلي بعد الحرب

ترصد الدراسة تحوّلًا نوعيًا في الإعلام الخليجي بعد وقف النار: focus على “كلفة” المقاومة بدل جرائم الاحتلال، وإعادة تدوير مفهوم “الهزيمة الحتمية” بوصفها قدرًا يجب التسليم به. هنا تتجسّد “الوكالة غير المباشرة” في ثلاث وظائف:

“تجريم الفعل المقاوم”: يُجرَّد من بعده التحرري ويُصوَّر عبئًا إنسانيًا وأخلاقيًا.

“تبييض العدوان”: يُعاد توصيف القصف والحصار والتجويع كـ“نتائج طبيعية” لخيارات المقاومة.

“تثبيت الهزيمة الإدراكية”: تحويل الخسائر المادية إلى قناعة فكرية طويلة الأمد بأن المقاومة عبث.

بهذا، تنتقل “المعركة” إلى الرقعة التي تشتهيها إسرائيل: ميدان الوعي. فلا تعود بحاجة لتسويق نفسها مباشرة؛ يكفي أن ينطق وكلاؤها المحليون بلغتنا ولهجتنا، وأن يظهروا في هيئة “العقلانية” و“البراغماتية”.

أدوات التنفيذ: إعلام، اقتصاد، ومخيلة عامة

تعمل المنظومة عبر ثلاثة مسارات متشابكة:

“إعلام ممول وشبكات تأثير رقمية”: عناوين عاجلة ومحتوى بصري صادم يُفكَّك من سياقه، مع ضيوف “خبراء” يُعيدون إنتاج الفكرة ذاتها: المشكلة ليست في الاحتلال البنيوي، بل في “مغامرة” المقاومة.

“لغة الأرقام منزوعة السياسة”: إحصاءات الخسائر تُقدَّم كحتمية تقنية، من دون أن تُسند إلى قرار القصف والتجويع ومنع الإغاثة. هكذا تُفرّغ المأساة من فاعلها السياسي.

“تسليع المستقبل”: وعود “الازدهار” و“الممرات الاقتصادية” تُقدَّم بديلاً عن الحقوق، فتتحوّل العدالة إلى كلفة، والكرامة إلى رفاهية مؤجلة.

لماذا تُلام أبوظبي؟

لأنّ الإمارات، وفق مضمون الورقة، وفّرت بنية تمويل ومنصات ونُخبًا تُجيد لغة التسويق والدبلوماسية العامة، وتُبرع في توظيف “القوة الناعمة” لشرعنة الأمر الواقع.

والتحالف مع إسرائيل لم يعد فقط تبادل مصالح؛ بل صار مشروع سرديات: إعادة تعريف المقاومة كتهوّر، والاحتلال كشريك “محتمل”، والتطبيع كـ“حل وحيد متاح”. هذه الهندسة الإدراكية، حين تُغلف بخطاب “الاستقرار” و“الاعتدال”، تُعيد رسم الخريطة الأخلاقية للصراع في المخيلة العربية.

وبحسب الدراسة إذا تُرك هذا المسار من دون مقاومة مضادة، سنشهد:

“تآكل شرعية القضية” في الوعي اليومي: تتحوّل فلسطين من قضية تحرر إلى “ملف نزاع” إداري.

“تطبيع عدم المحاسبة”: حين تُمحى علاقة الجريمة بمرتكبها، تنتفي الحاجة إلى العدالة.

“انحسار أفق الفعل”: جيلٌ عربي يُلقَّن أنّ المقاومة غير مجدية وأنّ أقصى الممكن هو تحسين شروط التعايش مع الاحتلال.

في المقابل فإن مواجهة هذا التحالف السردي تتطلب استراتيجية ثلاثية:

“إعلام تحقيقات ومساءلة”: إعادة بناء غرف أخبار تُسند الوقائع بالأدلة وتلاحق التمويل وخطوط التأثير بدل الاكتفاء بردود الفعل.

“استعادة اللغة”: تفكيك المصطلحات المضللة (“كلفة المقاومة”، “واقعية الهزيمة”) وإحياء مفردات الحق والقانون الدولي والعدالة الانتقالية.

“تحالف مجتمعي عابر للحدود”: أكاديميون، نقابيون، فنانون، ومنصات حقوقية تُنتج معرفة مضادة تُعرّي “الوكالة غير المباشرة” وتغرس حصانة وعي لدى الجمهور.