فرضت السطوة الأمنية التي يحكم بها عيال زايد في الإمارات نفسها مجددا ولاحقت طلبة الدولة حتى في الولايات المتحدة الأمريكية من خلال السيطرة على مجلسهم الشبابي المزعوم.
وأعلن مكتب وزيرة الدولة لشؤون الشباب عن اختيار الملازم أول مهندس أحمد جاسم المرزوقي، أحد مبتعثي القيادة العامة لشرطة أبوظبي والتي تشمل كوادر جهاز أمن الدولة، رئيساً للمجلس العالمي لشباب الإمارات في الولايات المتحدة والذي تم تشكيله من قبل مجلس الإمارات للشباب بالتعاون مع سفارة الدولة في واشنطن.
ويضم “المجلس العالمي” في عضويته 10 من الطلبة الإماراتيين المبتعثين للدراسة في جامعات الولايات المتحدة، منهم (6) أعضاء من الطلاب المبتعثين، و (4) من الطالبات المبتعثات.
والمثير أن أعضاء المجلس الشبابي المزعوم تم تعيينهم بالاختيار من الأجهزة الأمنية وليس بالانتخاب كما هو دارج في هكذا أجسام نقابية.
واستهجن ناشطون هذا المنحى الذي يصر فيه جهاز الأمن على “اختراق” المؤسسات المدنية ولا سيما الطلابية والأكاديمية بمثل هذا التعيين الذي يشكل حلقة في سلسلة من إجراءات السيطرة الأمنية على الشأن الطلابي والتعليمي في الدولة، بدءا بفرض مناهج مؤدلجة على الطلبة وإقصاء مئات المعلمين المواطنين الوطنيين، وإدخال ضباط الأمن والشرطة في كل مدرسة إماراتية بذرائع التوعية من حوادث الطرق والمخدرات، غير أن الواقع كشف حقيقة تدخلات أمنية وتسليط الطلبة للتجسس على بعضهم البعض، بحسب ناشطين أكاديميين في الدولة.
إذ من بين أكثر من ألف طالب وطالبة تم ابتعاثهم للدراسة في الولايات المتحدة (حسب ما تشير إحصائيات رسمية) تم اختيار -وليس انتخاب- 14 اسماً 10 من الطلبة و4 من الطالبات.
وكان لافتاً أن موقع الرسمي لهذه المجالس لم يقدم السير الذاتية لكل طالب وطالبة في أعضاء المجلس ومعرفة تخصصاتهم وإن كانت مناسبة لهذا المكان أو لا، كما لم تُقدّم السلطة التي اختارتهم وهي وزارة الدولة لشؤون الشباب الأساس الذي اعتمد عليه للاختيار.
وتم ذلك بناء على مشاركة -ليس مع الشباب أو أعضاء المجلس الذين تم اختيارهم- بل سفارة الدولة في واشنطن الذي أدخل الدولة -رغم النفوذ المؤقت الحاصل- في مشاكل لا حصر لها مع المنظَّمات والمؤسسات الأمريكية.
ومن الغريب أن الإعلان من قِبل مكتب الوزارة أعلن افتخاره بهذا الاختيار! تتناسى الوزارة أن عملها مدني ولا علاقة له بالشرطة أو التصاريح الأمنية، لكن حسب وثائق نشرت في السابق فإن كل تعيين واقتراح لمنصب ما داخل الدولة يجب أن يخضع للموافقة الأمنية من جهاز أمن الدولة سيء السمعة.
ويعرف الطلاب المبتعثين في الخارج- خصوصاً في البلدان الديمقراطية مثل أمريكا- أهمية الانتخاب، وعدم مصادرة أصواتهم، وتقييد حركتهم وحرياتهم، فهم يمارسون ذلك بشكل دوري واعتيادي في جامعاتهم ومراكز دراساتهم مهما كان نوع التخصص، فلماذا يتم تجاهل هذه الشريحة الواسعة من مستقبل الإمارات ويتم مصادرتها؟.
يعيّ الطلبة الإماراتيون كذلك الوضع الشاذ الذي تمر به بلادهم بدون حرية رأي وتعبير وحملة اعتقالات بغض النظر عن كمية التعاطف مع المعتقلين المطالبين بالإصلاح، إلا أنهم يشعرون كذلك بانتقال هذا القمع المُنظم من الداخل إلى الخارج، ويستهدفهم بشكل شخصي ويشعرون به!
ولا يمكن تبرير ما يحدث على كونه اهتمام بالشباب وإشراكهم في إدارة شؤونهم -قبل إدارة شؤون بلادهم- بل اهتمام أكبر بنوعية الخطاب الذي سيقدمه المجلس للطلبة المبتعثين بصفتهم قادة المجلس، وللتكوينات الشبابية الأخرى من البلدان الأخرى في لقاءاتهم وتنسيق أعمالهم، وهي الصورة الواحدة للسياسة الخارجية، وتبييض “صورة الحروب السوداوية” التي تتوسع مناطقها كل يوم في المنطقة.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2016 أعلنت الوزيرة شما المزروعي إنشاء المجالس العالمية لشباب الإمارات في الولايات المتحدة الأمريكية خلال ملتقى طلبة الإمارات السابع، وعلى الفور نظم مجلس الإمارات للشباب حلقة للدارسين في نفس يوم الإعلان، وهدفت الحلقة-حسب الإعلام الرسمي إلى التواصل مع الشباب الإماراتيين الدارسين في الخارج، وإشراكهم في خدمة مجتمعهم؛ بعد قرابة العامين ظهر المجلس كبوابة جديدة لتقديم صورة جيدة للإمارات بأنها تشرك شبابها في خدمة “المجتمع” والمقصود هنا هي “سياسة الدولة الخارجية” وليس المواطنين الإماراتيين أو حتى الطلبة المبتعثين.
لكن الصورة التي سيتلقاها العالم من “مجلس شبابي” تم تعيينه من السلطة ولم يتم انتخابه، ويرأسه مبتعث برتبة ملازم أول، وأعضاء مجلس دون معرفة تخصصاتهم، لن تكون صورة جيدة على الإطلاق، بل إنها تأكيد على المسار “الاستبدادي” الذي تخطو إليه الدولة وتذهب إليه محملة نفسها على صهوة جواد الدولة البوليسية القمعية التي تمنع الإماراتي حتى من اختيار من يمثله ويقدم صورته للعالم.