رصد تحقيق تلفزيوني عرضته قناة “الجزيرة” الفضائية حقائق حول دور الإمارات العربية المتحدة كمركز لإدارة تهريب السلاح المحظور في العالم والدفع لازدهار تهريب السلاح بشكل غير قانوني.
وتناول التحقيق دور الإمارات في عمليات غسل السلاح غير الشرعي وتدوير استعماله من منطقة صراع إلى أخرى، والأهداف السياسية والاقتصادية التي تدفع بعض الدول العربية والغربية لانتهاك القوانين الدولية بإمداد الأطراف المتصارعة في ساحات الحروب.
وتتبع التحقيق الذي حمل عنوان (غسيل أسلحة الموت)، عمليات تهريب السلاح غير الشرعي وما يكتنفها من تمويه وغموض، كاشفا ما يتخلل ذلك من انتهاكات للقانون الدولي الذي يمنع توريد الأسلحة إلى مناطق الصراع الأهلي.
واتخذ التحقيق من دولة جنوب السودان حالة لدراسة هذه الظاهرة التي يكمن الجانب الأخطر منها في غياب الشفافية بشأن المستهلك النهائي للأسلحة الموردة بشكل غير قانوني، وما يؤدي إليه ذلك من تلاعب في عقود صفقات هذه الأسلحة عبر تمريرها -بطريقة تبدو طبيعية وشرعية- بعدد من الدول والجهات لإخفاء هوية مستخدمها النهائي في ساحات الصراع والحروب الأهلية.
فقد شهد جنوب السودان صراعات متواصلة على مدى عقود، بدءا من حرب الجنوبيين مع الحكومة المركزية في الشمال بمرحلتيها 1955-1972 ثم 1984-2005 والتي اعتبرت أطول حرب إفريقية، وحظي الجنوب فيها بدعم دولي وإمداد سري بالسلاح من مصادر مختلفة في مقدمتها إسرائيل، وكذلك السعودية التي اتهمها نظام الرئيس المعزول عمر البشير عام 1992 بتصدير السلاح للجنوبيين تحت واجهة الإغاثة الإنسانية.
وبعد فترة هدوء ما بين 2005-20013 تم في أثنائها انفصال الجنوب عن الشمال عام 2011؛ عاد الطلب الكبير على السلاح غير الشرعي بسبب تفجر الصراع نهاية 2013 بين أطراف النظام الجنوبي ممثلا في الرئيس سلفاكير ميارديت ونائبه آنذاك رياك مشار، مما أشعل نار حرب أهلية ما زالت متواصلة حتى الآن.
تدفق السلاح مجددا على أطراف الصراع في الجنوب وخاصة الحكومة، وكان يأتي من مصادر متعددة من بينها إسرائيل ومصر اللتان اتهمتهما تقارير دولية -وبعضها من الأمم المتحدة- بتصدير الأسلحة للجنوب عبر شركات متعددة الجنسيات، وبعض هذه التقارير –التي استعرض التحقيق مضامينها- تضمن صورا لأسلحة مصرية وصلت إلى جنوب السودان، رغم أن القانون الدولي يمنع توريد السلاح إلى أي دولة تشهد حربا أهلية.
كما اتهمت هذه التقارير دول الجوار -ممثلة في أوغندا وكينيا وإثيوبيا- بالمساهمة في توريد السلاح لجنوب السودان، وقد رصد بعض خبراء تعقب الأسلحة غير المشروعة استخدام هذه الأسلحة في الصراع الأهلي بالصومال، ثم عودتها إلى جنوب السودان إثر اندلاع الحرب الأهلية فيه.
ومن المقلق لهؤلاء الخبراء أنهم وثقوا وجود أسلحة لا تحمل أرقاما تسلسلية ولا تحديدا لاسم دولة المنشأ.
وقد حصل معدو التحقيق على وثائق لصفقات بعض هذه الأسلحة أجراها تجار سلاح وسماسرة في سوق السلاح الدولية، وتظهر هذه الوثائق كيف يتم تبييض هذه الأسلحة عبر نقلها من دولة إلى أخرى، وكيف تصل في النهاية إلى مناطق الصراعات لتفتك بالمدنيين، وما الذي يحصل لها بعد انتهاء هذه الصراعات عبر إعادة تدويرها إلى منطقة صراع أخرى.
وتمر صفقات الأسلحة المتعددة الأطراف هذه بمراحل مختلفة لتصل في النهاية لمحطة النزاع بحيث يتم إخفاء هوية المستخدم النهائي.
وقد شكلت دولة الإمارات قاسما مشتركا بين الكثير من هذه الصفقات التي عقدتها شركات أوكرانية وبريطانية وكندية؛ إضافة لكونها محطة لتبييض السلاح في طريقه إلى جنوب السودان، حيث صارت ملاذا آمنا لشركات كانت ستنتهك القانون في بلدانها لو مارست فيها مثل هذه الصفقات مما يعرضها للمعاقبة.
وذكر التحقيق أمثلة عديدة على دور الإمارات في هذه الصفقات عبر الشركة الإماراتية “إنترناشيونال غولدن غروب” التي تأسست عام 2002 ولها علاقة وطيدة بالمؤسسة العسكرية الرسمية بالبلاد، وكيف سمحت أبو ظبي لشركة “ستريت غروب” الكندية بتأسيس فرع لها بالإمارات للتهرب من تبعات انتهاك القانون الكندي عند توريد السلاح إلى جنوب السودان.
وعرض التحقيق شهادة السفير الكندي السابق لدى جنوب السودان بأن هذه الشركة وردت إلى حكومة جوبا 170 مركبة مدرعة من نوع “كوغر” خلال 2012-2014، وقال إن هذه العربات صُنعت في الإمارات وبالتالي فإنها لا تخضع لقانون التصدير الكندي. وقد أثارت هذه القضية جدلا في البرلمان والإعلام الكندييْن وتعرضت الحكومة لانتقادات حادة بسببها.