تطمع دولة الإمارات إلى المزيد من التوسع في نفوذها عبر السيطرة على الموانئ وتركز في ذلك على موانئ السودان مستقلة ما تعانيه البلاد من اضطرابات وأزمة اقتصادية شديدة.
وشملت زيارة رئيس أركان الجيش الإماراتي الفريق الركن حمد محمد ثاني الرميثي، إلى العاصمة السودانية الخرطوم قبل نحو 10 أيام تقديم عروضا سرية للسلطات في السودان من أجل تمكين أبوظبي من السيطرة على موانئ البلاد.
وأعربت الإمارات عن دعمها للسلطات السودانية الجديدة بعد عزل الرئيس السابق عمر البشير عن الحكم في نيسان/ أبريل الماضي، وعلمت على دعم العسكر واستخدامهم لنهذب ثروات ومقدرات البلاد.
ومن دون أن يسميها، حذر حزب “المؤتمر الشعبي” المعارض في السودان من رهن واحتكار موانئ البلاد لدولة الإمارات عبر مفاوضات سرية لحل الأزمة الاقتصادية.
وقال إدريس سليمان الأمين السياسي للحزب الذي أسسه الراحل حسن الترابي إن “على الحكومة الانتقالية أن تدير الملف الاقتصادي بكل شفافية، هناك مفاوضات سرية مع دولة خليجية (لم يسمها) لديها أطماع في موانئ البحر الأحمر لاحتكار ورهن موانئ سودانية مقابل حل الأزمة الاقتصادية”.
وأضاف: “سنقف ضد هذه الصفقة التي يريدون (عبرها) بيع موانئ السودان بدراهم معدودة، لاستغلال حاجة السودان الاقتصادية، الهدف هو ألا تعمل سوى موانئ هذه الدولة الخليجية في الملاحة البحرية التي تمر عبر البحر الأحمر”.
وأشار سليمان، إلى أن الحكومة الانتقالية لم تطرح الموازنة العامة للعام المقبل حتى الآن، وقال إن “الموازنة غير معروفة لأصحاب المصلحة من الشعب السوداني ولم تظهر بنودها، وتم احتكار الذهب لشركة (لم يسمها) ونحن طرحنا ضرورة أن تكون هنالك بورصة للذهب يتنافس الجميع فيها”.
ولفت إلى “وجود بعض المقترحات التي قدمتها دول -بينها قطر- تريد مصلحة السودان دون أجندة أخرى”.
وأشار إلى أن المؤتمر الشعبي، يتوقع أن تصل عائدات الموانئ السودانية بعد تطويرها إلى 10 مليارات دولار سنويا، ما يساهم في حل الضائقة المعيشية.
يشار إلى أن الإمارات تتواجد عبر قواعد أو وكلاء لها أو من خلال عقود إيجار في عدّة دول مطلّة على البحر الأحمر، من بينها اليمن وإثيوبيا والصومال وإريتريا.
وقبل ستة أشهر قالت دراسة دولية إن دولة الإمارات العربية المتحدة تصدر أبرز مصادر تهديد استقرار وأمن منطقة القرن الإفريقي ضمن مؤامراتها التخريبية للسيطرة على الموانئ الاستراتيجية وخدمة خططها للنفوذ والتوسع.
وناقش تقرير للمركز العربي في واشنطن مستقبل صراع النفوذ بين دول المنطقة على القرن الإفريقي وسواحل البحر الاحمر، مشيراً إلى أن البحر الأحمر كان وسيظل أحد أهم الممرات البحرية التي تربط بين الشرق والغرب، ونتيجة لذلك فإن العديد من القوى الدولية والإقليمية تتنافس من أجل فرض نفوذها عليه.
وتعد الولايات المتحدة هي الأكثر قدرة وفعالية في التأثير على البيئات الأمنية والاستراتيجية للنظام الفرعي للبحر الأحمر، تليها فرنسا من خلال وجودها في جيبوتي، وبدرجة أقل الصين وروسيا.
لكن وجود الصين له تأثير يتجاوز الأمن بسبب وجودها الاقتصادي في قلب أفريقيا، وتحديدا في جيبوتي. ومن المحتمل أن يشعل هذا الزحام الدولي منافسة شرسة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، وهما قوتان تعتبرهما إدارة “ترامب” منافسين عالميين. بالإضافة إلى ذلك، شاركت الهند وإسبانيا واليابان وغيرها في عمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن وبحر العرب.
ولا تزال التهديدات التي تكتنف المنطقة تتمثل في الإرهاب والقرصنة وانتهاك حقوق الإنسان وحقوق الطفل ومخزونات الأسلحة والاحتكاكات بين الدول ومساعدة إيران السرية للحوثيين في اليمن والحرب السعودية والإماراتية المستمرة منذ ذلك الحين.
علاوة على ذلك، قد لا تعتبر التطورات في الوضع الأمني الإقليمي تهديدات في حد ذاتها، ولكنها يمكن أن تصبح تهديدات حقيقية وواسعة النطاق إذا أصبحت عواقبها ضارة بالمصالح الوطنية لبلدان المنطقة، أو لحلفائها، أو على النقل البحري وأمن الدول الأخرى خارج المنطقة.
وتعد أحد هذه التطورات هي الانتفاضة الشعبية في السودان – التي أجبرت الجيش على الإطاحة بالرئيس “عمر البشير” ووزير دفاعه عوض بن عوف- وإصرار الجماهير على تحقيق أهدافهم الكاملة المتمثلة في تشكيل حكومة مدنية منتخبة. ويمكن فهم هذا الإنجاز الشعبي على أنه انتصار لتطلعات الجماهير السودانية؛ لكن لسوء الحظ، أدى ذلك إلى تدخل سعودي إماراتي واضح في الأحداث حيث اصطف البلدان إلى جانب الجيش.
وفي هذا السياق، قد تندلع مواجهة بين أولئك الذين يرفضون حكم الجيش وبين الجنرالات المدعومين من البلدين في حين لا يمكن إنكار أن رغبة البلدان في وجود حكومة سودانية موالية لهما ينبع نت الحاجة إلى ضمان استمرار توفير الآلاف من الجنود السودانيين الذين يقاتلون نيابة عن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في اليمن.
وتتجلى بعض المخاوف المتوقعة من تدخل الإمارات في الشؤون السودانية بعد الإطاحة بـ”البشير” في مستقبل التسهيلات الممنوحة لتركيا في جزيرة سواكن السودانية في البحر الأحمر. وتعتبر تركيا أن وجودها هناك مهم للغاية لأنه يتوافق مع وجهة نظر حزب العدالة والتنمية الحاكم فيما يسمى التراث العثماني الممتد، ولكن ليس هناك شك في أن كل جهد تركي في المنطقة سوف يقلق مصر ويزيد من حساسيتها تجاه تركيا.
وبخلاف ذلك، قد يكون أحد أهداف التحالف السعودي الإماراتي في السودان هو تقليص استقلال خصومهما ونفوذهما في الدولة الأفريقية.
وتتجلى المنافسة الإقليمية والدولية المكثفة حول البحر الأحمر بشكل أوضح في جيبوتي. ومن الجدير بالذكر أن القيادة الأمريكية الأفريقية (أفريكوم) يقع مقرها الرئيسي في جيبوتي، كما تمتلك كل من فرنسا وإيطاليا -ومؤخرا الصين- وجودا عسكريا كبيرا في البلاد. وليس هناك شك في أن هذا قد يقوض ويكون له تأثير سلبي طويل الأجل على المصالح الأمريكية، سواء في أفريقيا أو شبه الجزيرة العربية.
ويوضح الوجود الصيني الكامل في قلب مضيق باب المندب أهداف الصين بعيدة المدى في مثل هذه البيئة الاستراتيجية البعيدة جغرافيا ويظهر رغبة بكين في إظهار ألوانها العسكرية. وهذا الوضع الاستراتيجي المعقد في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي هو الذي يزيد من احتمال الاحتكاك وعدم الاستقرار.
وقد أجرت السعودية مفاوضات مع حكومة جيبوتي من أجل تأسيس وجودها العسكري في البلاد. لكن المفاوضات توقفت بسبب الأزمة الخليجية المستمرة؛ وربما يتم استئنافها في وقت أكثر ملاءمة.
كما سعت دولة الإمارات إلى احتكار ميناء جيبوتي من خلال هيئة موانئ دبي التي أرادت أن تصبح لاعبا في أنشطة الموانئ في البلاد، لكن رئيس جيبوتي “إسماعيل عمر غيله” توقف لوقف وإلغاء الصفقة.
وربما كون المصالح الوطنية والمخاوف المتعلقة بالأمن والبقاء وراء قرار جيبوتي للدخول في مثل هذه التحالفات المتضاربة.
وكانت فرنسا الضامن الأساسي والتاريخي لسيادة جيبوتي، لكن الحماية الفرنسية لم تعد كافية في ظل وجود العديد من القوى العالمية المتنازعة، مما يجبر هذه الدول في كثير من الأحيان على البحث عن ضامنين متعددين، وهو وضع يمكن تطبيقه اليوم على جيبوتي.
بالمثل، لدى إريتريا مبرراتها الخاصة في تأجير جزرها وموانئها لقوى متضاربة. ويعتقد أن كل من إيران و(إسرائيل) والإمارات العربية المتحدة استأجرت منشآت بحرية وموانئ في إريتريا.
واستأجرت دولة الإمارات العربية المتحدة ميناء عصب واستخدمته كمنصة انطلاق في حربها ضد الحوثيين في اليمن. وبدعم من إيران، تم تزويد الحوثيين في ميناء الحديدة على الساحل اليمني من المنشآت الإيرانية المؤجرة في أرخبيل دهلك الإريتري، رغم إنكار الحكومة الإريترية لهذا الوجود الإيراني.
كما تشكل الصومال وسواحلها أيضا أحد البؤر المحتملة للتهديدات الأمنية. وغالبا ما كانت السواحل الصومالية مرتعا للقراصنة على الرغم من التحسن النسبي في الظروف الأمنية للحركة البحرية نتيجة لعمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن وبحر العرب المتاخم للسواحل الصومالية.
ومنحت الصومال تركيا قاعدة عسكرية على الأراضي الصومالية استخدمتها تركيا لتدريب وتسليح الجيش الصومالي.
ودفع وجود القاعدة العسكرية التركية في الصومال الإمارات العربية المتحدة إلى الضغط من أجل وجود عسكري مماثل. ومن أجل ممارست ضغوط على الحكومة الصومالية، اعترفت الإمارات بشكل أحادي بجمهورية أرض الصومال الانفصالية، وأقامت وجودا عسكريا دائما في بربرة عند طرف القرن الأفريقي، على الشاطئ الغربي لخليج عدن وبحر العرب.