موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

دلالات إطلاق أكبر حملة لمقاطعة السياحة في الإمارات من قلب لندن

363

تشكل الحملة الإعلانية التي أطلقتها منظمة آفاز الحقوقية في شوارع لندن، والداعية إلى مقاطعة السياحة في الإمارات بسبب دور أبوظبي في حرب السودان، محطة لافتة في مسار تصاعد الضغوط الدولية غير الرسمية على الإمارات.

فاختيار قلب العاصمة البريطانية، أحد أهم المراكز الإعلامية والسياسية في العالم، يعكس انتقال الانتقادات من تقارير صحفية وتحقيقات استقصائية إلى فضاء الرأي العام الغربي الواسع، مستهدفًا صورة الإمارات كوجهة سياحية فاخرة ومحايدة سياسيًا.

وتعرض الحملة كل 80 ثانية على مدار الساعة عبر لوحات ثابتة وشاحنات إعلانية متنقلة، تعتمد على لغة بصرية صادمة. صورة فتاة تلتقط “سيلفي” أمام أفق دبي، بينما يظهر على شاشة هاتفها دمار الحرب في السودان.

ويختصر المشهد الرسالة الأساسية: ما يبدو رفاهية وسلامًا يخفي، بحسب الحملة، تورطًا في واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم. هذا الأسلوب يعكس تحولًا في أدوات الضغط الحقوقي، من مخاطبة صناع القرار مباشرة إلى التأثير على خيارات المستهلكين والسياح.

استهداف السمعة لا السياسات فقط

الدلالة الأولى للحملة تكمن في أنها لا تركز على الحكومات بقدر ما تستهدف السمعة العالمية. الإمارات بنت خلال العقدين الماضيين نموذجًا قائمًا على القوة الناعمة: السياحة، الطيران، الفعاليات العالمية، والصورة الذهنية لدولة مستقرة وحديثة.

ضرب هذا النموذج من خلال ربطه بالحرب في السودان يعني محاولة تحويل الكلفة الأخلاقية إلى كلفة اقتصادية ومعنوية، خاصة أن قطاع السياحة ساهم بنحو 70 مليار دولار في الناتج المحلي الإماراتي خلال عام واحد فقط، واستقبل أكثر من مليون زائر من المملكة المتحدة وحدها.

من هنا، فإن دعوة آفاز لا تبدو رمزية فحسب، بل موجهة إلى جمهور محدد: السياح الغربيون، الذين باتوا أكثر حساسية لقضايا حقوق الإنسان.

وتكشف شهادات المارة في لندن، الذين عبّر بعضهم عن صدمتهم وربطوا لأول مرة بين دبي والحروب، نجاح الحملة في كسر الصورة النمطية التي لطالما أحاطت بالإمارات.

السودان في قلب الخطاب الحقوقي

الدلالة الثانية تتعلق بإعادة وضع حرب السودان في صدارة الاهتمام الدولي. فبعد أكثر من عامين على اندلاع الصراع، وتحوّله إلى أكبر أزمة نزوح في العالم، تراجع حضوره في الإعلام الغربي مقارنة بحروب أخرى.

وربط الحرب بدولة ذات حضور عالمي مثل الإمارات يعيد تسليط الضوء عليها، ويحوّلها من “صراع منسي” إلى قضية ذات أبعاد دولية واضحة.

وتعزز هذه الدلالة التقارير الاستقصائية المتراكمة، من ميدل إيست آي والغارديان ونيويورك تايمز وصولًا إلى تحقيقات وكالة فرانس برس، التي تحدثت عن شبكات إمداد وتسليح، ومسارات تجنيد مرتزقة، ودور لوجستي إقليمي تُتهم أبوظبي بالوقوف في قلبه، رغم نفيها المتكرر.

من الاتهام السياسي إلى الإدانة الأخلاقية

اللافت أن الحملة لا تستخدم لغة قانونية أو سياسية معقدة، بل خطابًا أخلاقيًا مباشرًا: “لن تبدو صورتك الذاتية جيدة عندما تعرف ما يفعلونه في السودان”.

ويعكس هذا التحول إدراك المنظمات الحقوقية أن الرأي العام قد يكون أداة ضغط أكثر فاعلية من الحكومات، خاصة في ظل ما وصفه دبلوماسيون بأنه “حصانة غير معلنة” تتمتع بها أبوظبي بفضل نفوذها المالي وعلاقاتها السياسية.

وفي هذا السياق، تكتسب نتائج استطلاعات الرأي في بريطانيا أهمية خاصة، إذ أظهرت أن 55% من البريطانيين يؤيدون إعطاء الأولوية لمنع استخدام الأسلحة البريطانية في السودان حتى لو أضر ذلك بالعلاقة مع الإمارات. هذه النسبة تشير إلى بيئة مجتمعية مهيأة لتقبل خطاب المقاطعة، وربما الضغط على صناع القرار لاحقًا.

وتعتمد الحملة بشكل أساسي على إبراز ما تسميه “تناقض أبوظبي”: دولة تقدم نفسها كواحة استقرار ورفاهية، بينما تُتهم بدعم قوات الدعم السريع المتهمة بارتكاب إبادة جماعية. هذا التناقض ليس جديدًا في الخطاب الحقوقي، لكنه للمرة الأولى يُطرح بهذا الزخم في فضاء بصري جماهيري في مدينة مثل لندن.

وتزداد حدة هذا التناقض مع التحقيقات التي كشفت عن تجنيد ونقل جنود كولومبيين سابقين عبر الإمارات إلى ساحات القتال في دارفور، واستخدام مسارات تمر عبر ليبيا والصومال. هذه السردية، المدعومة بوثائق وصور وتتبع رحلات جوية، تُضعف قدرة النفي الإماراتي على إقناع جمهور غير متخصص، لكنها مؤثرة أخلاقيًا.

ما الذي تعنيه الحملة سياسيًا؟

على المدى القصير، قد لا تترجم الحملة إلى قرارات حكومية مباشرة أو عقوبات رسمية. لكن دلالتها الأعمق تكمن في تراكم الضغط. فسمعة الدول لا تتآكل بضربة واحدة، بل بسلسلة حملات وتشكيك متواصل.

وإذا استمرت منظمات حقوقية أخرى في تبني خطاب المقاطعة، فقد تجد الإمارات نفسها أمام تحدٍ حقيقي في الحفاظ على صورتها كوجهة “منفصلة عن السياسة”.

في المحصلة، إطلاق أكبر حملة لمقاطعة الإمارات من قلب لندن لا يعكس فقط غضبًا حقوقيًا من دور مزعوم في حرب السودان، بل يشير إلى تحول نوعي في أدوات المواجهة: من غرف السياسة المغلقة إلى الشارع الغربي، ومن البيانات الدبلوماسية إلى خيارات السياح اليومية.

وهو تحول قد تكون له ارتدادات تتجاوز السياحة، ليطال مكانة الإمارات في معركة السمعة العالمية التي باتت لا تقل أهمية عن أي صراع عسكري.