مراكز المناصحة… تكريس لنهج الانتهاكات والقمع في الإمارات
ويواصل النظام الإماراتي الترويج لصورة زائفة عن التسامح في الدولة وتنظيم عدد من الفعاليات الدولية والمحلية حول ” التسامح”، في وقت يكرس فيه جهاز أمن الدولة نهج الانتهاكات لحقوق الإنسان.
ويرفض جهاز أمن الدولة سيء الصيت في الإمارات الإفراج عن العديد من النشطاء السياسيين والحقوقيين والمدونين رغم انتهاء فترة محكوميتهم و التي جاءت نتيجة محاكمات صورية تفتقر لأبسط مقومات العدالة، على خلفية قضايا تتعلق بحرية الرأي والتعبير.
ولجأت الأجهزة الامنية لاستحداث ما يسمى بمراكز المناصحة لتبرير اسمرار عمليات الاعتقال للنشطاء والموقوفين رغم انتهاء محكوميتهم، حيث تمارس هذه المراكز انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان وسط غياب الشفافية والمساءلة حول إجراءاتها غير القانونية.
وأصدر مركز الإمارات لحقوق الإنسان تقريراً كشف فيه جملة من هذه الانتهاكات والخروقات الحقوقية والقانونية بحق النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين لم تكتف باعتقالهم وإخفائهم قسريا لأشهر ثم تقديمهم لمحاكمات جائرة وإصدار أحاكم قاسية ضدهم بل عمدت الى تمديد احتجاز عدد منهم رغم انقضاء فترة أحكامهم كاملة وهو ما يعد ودون شك اعتقالا تعسفيا” وفق ما خلص إليه خبراء حقوقيون وقانونيون.
وطالب المركز بأن يفترض ألا تكون مراكز المناصحة تابعة للمؤسسة العقابية، وأن تكون تحت إشراف هيكل مدني ذو صبغة اجتماعية تكفل للمتهم كافة حقوقه المدنية بما في ذلك الزيارات العائلية، وتوفر له متابعة نفسية مختصة، وأن لا تكون هذه المراكز بأي شكل من الأشكال ذات نزعة عقابية انتقامية ولا ينبغي أن تقام أصلا في مبنى تابع للمؤسسة العقابية.
كما طالب القضاء بتوضيح المدة المحددة التي يقضيها المتهم المنتهية محكوميته داخل مركز المناصحة، مشيرا إلى أن السلطات لم تقدم سندا قانونيا واضحا لهذا الإجراء التعسفي (تمديد حبس المعتقلين المنتهية محكوميتهم) وقامت بإيداع المعتقلين بمراكز للمناصحة للتغطية على الاستمرار التعسفي في حبسهم وعدم ترك سبيلهم بعد انتهاء محكوميتهم ويحتفظ بهم في سجن الرزين دون تحديد لسقف زمني واضح ودون أي برنامج واضح للحوار أو للمناصحة”.
وقال المركز الحقوقي “تزعم السلطات أنّ المقصود بإيداع المحكوم عليهم في جرائم إرهابية أو من توافرت فيهم الخطورة الإرهابية بمراكز للمناصحة هو هدايتهم وإصلاحهم وتكفلها بعقد جلسات نفسية واجتماعية ودينية للغرض تضمّ أطباء نفسيين وأخصائيين اجتماعيين ووعاظا وتخضع لرقابة لجان مشكلة من النيابة العامة ومن جهات أمنية”.
وأضاف “لكن السلطات تتناسى أن معتقلي الرأي في سجونها هم محتجزون على خلفية نشاطهم الحقوقي وممارستهم لحرية التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي”، على حد المفارقة المؤلمة التي يكشفها هذا الانتهاك.
وتنكل دولة الإمارات بالناشطين المدنيين السلميين والمدونين على شبكات التواصل الاجتماعي، تحت يافطة محاربة الإرهاب حتى تضمن غطاء دوليا لممارساتها القمعية.
ولكنه غطاء سرعان ما عرته أصوات المحبوسين بأحكام جائرة الذين لم تكتف السلطات بسجنهم من أجل جرائم الكترونية بل إنها واصلت احتجازهم في مراكز مناصحة دون وجه حق بدعوى تأهيلهم دينيا واجتماعيا.
ومنذ إعلان قانون مكافحة الإرهاب، صدرت عدة تقارير دولية في شأن انتهاك حقوق الإنسان في دولة الإمارات تتعلق بالأحكام الجائرة على عدد من الناشطين والمدنيين أحكام تراوحت بين ثلاث سنوات وخمس سنوات سجنا مع تغريمهم بمبالغ مالية كبيرة تصل إلى مليون درهم، ثم احتجازهم في مراكز مناصحة إثر انتهاء فترة حكمهم دون سند قانوني واضح.
وواصلت السلطات الإماراتية سجن محكومين انتهت فترة محكوميتهم في سجن الرزين وذلك بمواصلة احتجازهم في مراكز مناصحة بغير وجه حق.
وفي 20 أغسطس من سنة 2014 كشف القانون الاتحادي رقم 7 لمكافحة الإرهاب، عن تكوين مراكز للمناصحة تهدف حسب ما أعلنت عنه الدولة إلى الاهتمام بالمساجين المتهمين في قضايا إرهاب إثر انتهاء فترة محكوميتهم، وذلك عبر تقديم الرعاية النفسية والاجتماعية لإعادة إدماجهم لاحقا في المجتمع.
لكن القانون المتعلق بهذه المراكز لا يبين الآليات التي سيتم اعتمادها لإعادة تأهيل هؤلاء المساجين، ولا يقدم فكرة عن ظروف الإقامة هناك والتي اتضح أنها لا تختلف عن الاقامة في السجون، ولا يحدد المدة التي يتعين على من أنهى فترة محكوميته بقاؤه داخل المراكز، كما أنه لا يجعل الأمر اختياريا بالنسبة للسجين أو عائلته إنما هو حكم إجباري يفرض إلزاما دون وجه قانوني، ودون أن ينص على ذلك حكم قضائي واضح سواء في المحاكمة الأولى أو إثر انقضاء فترة المحكومية.
وتجمع القوانين الإماراتية على تعريف مركز المناصحة والإرشاد على أنه وحدات إدارية تهدف إلى إصلاح الأشخاص الذين يشكلون تهديدا إرهابيا أو أولئك المتهمين بارتكاب جرائم ارهابية، وهو ما يلاحظ في هذا السباق أن مصطلح تهديد إرهابي غير محدد بوضوح ودقة وهو ما قد يؤدي إلى استخدام القانون بشكل تعسفي قد يطال ناشطين مدنيين سلميين أو معارضين سياسيين عبروا عن آرائهم بطريقة سلمية.
وهو ما حدث فعلا، فوفق قانون مكافحة الإرهاب وما نص عليه من مواد تتعلق بمراكز المناصحة وقع احتجاز عدد من السجناء باستمرار حبسهم رغم انتهاء مدة الحكم، وهم في أغلبهم على صلة بحركة الإصلاح ذات التوجه الإسلامي، و المتحصلة على ترخيص للنشاط السياسي منذ أواسط السبعينات.
وسبق أن أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية، أن السلطات الإماراتية تحتجز خمسة من المواطنين على الأقل بدون وجه حق رغم انتهاء فترة محكوميتهم، مؤكدة أن حرمان المعتقلين من الحرية لسنوات طويلة بعد انتهاء أحكامهم يظهر ازدراء صارخا لسيادة القانون.
وتنص المادة 60 من قانون مكافحة الإرهاب على أنه بمقتضى قرار صادر عن مجلس الوزراء، ينشأ واحد أو أكثر من مراكز إرشاد وتوجيه الأفراد المحكوم عليهم في جرائم ارهابية أو الذين يعتبرون ارهابيين خطيرين.
لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا: من هي الجهة المسؤولة عن هذه المراكز؟ هل يفترض أن تكون تابعة لوزارة الداخلية كما هو الحال أم أنه يتعين عليها أن تكون تابعة لهيكل مدني ذو صبغة اجتماعية حتى نضمن الحياد والشفافية والنأي بأهداف المركز عن الغايات الانتقامية، وحتى نكفل للمحكومين المنتهية فترة سجنهم إعادة تأهيل نفسية واجتماعية ودينية كما تزعم السلطات.
وينص الدستور الإماراتي في المادة 28 على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته وهو ما يتعارض تماما مع القانون الاتحادي لسنة 2014 الذي يكتفي بالشبهة لاعتقال أشخاص والزج بهم في السجون لمحاكمات جائرة ثم في مراكز مناصحة.
واعتبر المركز الحقوقي، أن عدم تعيين مدة زمنية محددة للإيداع بمراكز المناصحة أو على الأقل تحديد مدة زمنية قصوى لا يمكن تجاوزها.
وأكد أن المادة 40 من القانون الاتحادي لسنة 2014 تمنع المحكومين بقضايا إرهاب والمحتجزين في مراكز إرشاد التوجه للقضاء قصد التظلم أو الطعن أو الاستئناف ضد قرار الاعتقال.
وما يمكن أن نخلص إليه، بحسب مركز الإمارات لحقوق الإنسان، من خلال كل ما سبق ذكره من تجاوزات ومعاينات، أن السلطات الإماراتية تسيء استعمال مراكز المناصحة لتطال الناشطين الحقوقيين والمدونين ووضعهم في سلة واحدة مع الإرهابيين.
وهو ما يؤكد أن الهدف من هذه المراكز تمديد عقوبة السجن واستمرار حبس المحكومين بشكل تعسّفي دون أساس قانوني مثلما هو الحال في قضية محمد الملا وبدر البحري وعبد الله الحلو والنجار، قصد زجرهم عن التعبير بحرية وعرض مواقفهم من بعض القضايا الداخلية ببلادهم.
هذه الانتهاكات وغيرها كثير تجعل الدولة بصورة سيئة للغاية، حيث واصلت تراجعها على مؤشر الحريات رغم السعي الرسمي للترويج لصورة مثالية عن واقع الحريات بصفة عامة والحريات السياسية بصفة خاصة. وهو ما أكده تقرير منظمة فريدوم هاوس الحقوقية الدولية حول حال الحريات لعام 2019 والذي صنف الإمارات ضمن الدول ” غير الحرة” ، لتحل في المرتبة 138 عالميا في مجال الحريات من أصل 210 دولة شملها التقرير.
ويستمر جهاز أمن الدولة في الإمارات في محاولة التغطية على انتهاكات حقوق الإنسان، وسط حديث محلي ودولي لبيان الجانب المظلم من الإمارات؛ الجانب الذي يوضح التعذيب والاعتقال وإساءة معاملة المواطنين والوافدين.