موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: سحب الإمارات قواتها من اليمن لتقليل خسائرها والتهرب من المساءلة الدولية

209

يجمع مراقبون على أن إعلان دولة الإمارات سحب قواتها من اليمن بهذا التوقيت، وبعد تدريب وتسليح نحو 200 ألف مقاتل، يصب في اتجاه سعي الإمارات لتجنب الخسائر العسكرية المباشرة والمساءلة الدولية حول دورها في الأزمة الإنسانية، في ذات الوقت الذي ستؤمن مصالحها من خلال تلك القوات الحليفة لها.

وأعلنت الإمارات سحب المزيد من جنودها العاملين في اليمن في 8 فبراير/ شباط الجاري، بعد انتهاء مهمتها، أو تغيير إستراتيجياتها من هزيمة قوات جماعة الحوثي، عند مشاركتها في تشكيل التحالف العربي لعودة الشرعية، إلى الاكتفاء بالاعتماد على قوات محلية حليفة لها، لتنفيذ سياساتها والحفاظ على مصالحها التي أسست لها منذ تدخلها إلى جانب السعودية عام 2015.

وأنفقت الإمارات أموالا طائلة على تسليح وتدريب قوات “موازية” لقوات الحكومة الشرعية، بلغت نحو 200 ألف مقاتل، موزعين على العديد من التشكيلات القتالية التي تتخذ قراراتها باستقلالية شبه كاملة، عن قرار مؤسسات الحكومة الشرعية العسكرية والأمنية التي تتخذ من مدينة عدن، جنوب اليمن، عاصمة “مؤقتة” لها.

والإعلان الإماراتي الأخير عن انسحاب قواتها من اليمن، هو الثاني بعد أن أعلنت أول مرة نهاية يوليو/ تموز 2019، سحب جنودها بشكل جزئي.

وتحدث مسؤولون يمنيون عن أن دور القوات الإماراتية في اليمن طوال خمس سنوات، اقتصر على لعب أدوار غير قتالية، من خلال تمويل تشكيلات قتالية “موازية”، حاولت أن تجعل منها بديلا عن مؤسسات الحكومة الشرعية، الأمنية والعسكرية.

ففي سلسلة تغريدات نشرها محافظ شبوة، محمد صالح بن عديو، على حسابه الشخصي في موقع تويتر، اتهم الإمارات “بتمويل الفوضى عوضا عن إنفاقها في تقديم خدمات أو عون للناس”.

كما اتهم محافظ سقطرى رمزي محروس، في بيان، الإمارات بـ “دعم واضح وصريح لتمرد عسكري على شرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي”.

ومنذ عام 2019، أدركت السعودية التي تقود التحالف العربي بشراكة الإمارات، أن إمكانية الخروج من الصراع الداخلي في اليمن، لم تعد ممكنة في ظل تزايد قدرات جماعة الحوثي، بدعم إيراني، على استهداف المصالح الحيوية والبنية التحتية في العمق السعودي.

كما أدركت أن هزيمة تلك الجماعة عسكريا باتت أكثر تعقيدا، خاصة بعد تصاعد حدة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، واتخاذ الأخيرة اليمن ساحة لتصفية حساباتها مع الأولى والدول الحليفة لها، السعودية والإمارات، التي على ما يبدو أخذت تهديدات جماعة الحوثي باستهداف أراضيها على محمل الجد.

وقد ساهم التدخل الإماراتي ودعم التشكيلات العسكرية الحليفة لها، في شق وحدة صف الجبهة المناهضة لجماعة الحوثي، بعد أحداث عدن (جنوب)، وفرض المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا، السيطرة شبه المطلقة على العاصمة المؤقتة أوائل عام 2018، وإضعاف القوات النظامية التابعة للحكومة الشرعية.

وحاولت السعودية استعادة سيطرة القوات النظامية على عدن والمحافظات الجنوبية، بممارسة الضغط على شريكها في التحالف، الإمارات، لحث المجلس الانتقالي الجنوبي على وقف الأعمال التصعيدية، والجلوس إلى طاولة الحوار التي نتج عنها اتفاق نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، المعروف باسم اتفاق الرياض، بين الحكومة الشرعية و”الانتقالي الجنوبي”، لوقف إطلاق النار بينهما، وإعادة فرض الحكومة سلطتها على المؤسسات العسكرية والأمنية والاقتصادية.

وبعد الانسحاب الذي يفترض أن يكون كليا، ستترك الإمارات خلفها قوات عسكرية موزعة على عدد من التشكيلات تدين لها بالولاء، وتعمل على تنفيذ إستراتيجياتها المتمثلة بالحفاظ على مصالحها الاقتصادية في الموانئ والثروات النفطية، ومواصلة الحرب التي تشنها على الجماعات المسلحة المرتبطة بحركات الإسلام السياسي، مثل حركة التجمع اليمني للإصلاح.

وتنتشر القوات الحليفة للإمارات في محافظات عدن ولحج وأبين والضالع (جنوب)، والحديدة (غرب)، وغيرها من محافظات جنوب اليمن، ضمن إطار “قوات الدعم والإسناد” التي تضم قوات “الحزام الأمني”، التشكيل الأكبر والأكثر فاعلية من التشكيلات الأخرى الممولة والمدعومة من الإمارات.

ومن بين التشكيلات المنضوية تحت “قوات الدعم والإسناد”، قوات “النخبة” مثل النخبة الحضرمية في محافظة حضرموت (جنوب شرق)، والنخبة الشبوانية في محافظة شبوة (جنوب شرق)، والقوات المشتركة التي تضم ألوية العمالقة، والمقاومة التهامية، وألوية حراس الجمهورية، التي يقودها طارق صالح، ابن شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وقوات أخرى مثل “كتائب أبو العباس” في محافظة تعز (جنوب غرب)، وغيرها من القوات والتشكيلات التي تمارس دور الدولة بعيدا عن المؤسسات التي تمثلها حكومة هادي.

بعد توقيع اتفاقية ستوكهولم أواخر عام 2018، وتوقف القتال في محافظة الحديدة، عزز طارق صالح، سلطاته بدعم عسكري ومالي إماراتي، على طول الساحل الغربي على البحر الأحمر، في المنطقة الممتدة من مضيق باب المندب إلى مطار الحديدة.

وفي 13 ديسمبر/ كانون الأول 2018، توصلت الحكومة اليمنية والحوثيون، إثر مشاورات جرت في السويد، إلى اتفاق يتعلق بحل الوضع بمحافظة الحديدة الساحلية، إضافة إلى تبادل الأسرى والمعتقلين لدى الجانبين، الذين يزيد عددهم على 15 ألفا، إلا أنه تعثر تطبيقه، وسط تبادل الاتهامات بالمسؤولية عن عرقلته.

وإضافة إلى القوات المحلية، اعتمدت الإمارات استقدام “مرتزقة” للقتال في اليمن إلى جانب قواتها وحلفائها، مثل المرتزقة التشاديين والنيجيريين المنحدرين من أصول عربية، ومرتزقة آخرين من كولومبيا، ومن شركات الحماية العسكرية والأمنية الخاصة، مثل شركة “بلاك ووتر”، وفق تقارير لصحف غربية.

كما استقدمت الإمارات بشكل خاص قوات سودانية، شاركت في معارك الساحل الغربي ومعارك الحديدة، منذ بداية تشكيل التحالف الدولي، قبل بدء انسحابها التدريجي من اليمن.

ويرى محللون، أن الإمارات حاولت طوال سنوات مشاركتها في التحالف العربي، من خلال دعم التشكيلات المحلية، فرض انفصال جنوب اليمن عن شماله، لكنها لم تصل إلى هدفها، وهو من بين أسباب أخرى أدت إلى قرار الانسحاب الكامل.

وبعد فترة وجيزة من قرارها الانسحاب الجزئي وإعادة نشر قواتها باليمن في يوليو 2019، وقعت الإمارات مع إيران وثيقة حول أمن الحدود البحرية بين البلدين، في سياق سياسة إعادة تقييم العلاقات مع طهران، والاتجاه أكثر نحو التهدئة وعدم التصعيد، خاصة بعد الهجمات على منشآت نفط أرامكو السعودية منتصف سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، وتهديدات جماعة الحوثي باستهداف الأراضي الإماراتية.

واحتفلت الإمارات رسميا في 8 فبراير، بعودة قواتها المشاركة في حرب اليمن، وفق سياسة جديدة تحدث عنها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، في تغريدة على حسابه الشخصي في تويتر، قال فيها إنهم “باقون سندا وعونا للشقيق في صيانة أمن منطقتنا واستقرارها”.

وخلال الاحتفال، كشف نائب رئيس أركان القوات الإماراتية، عيسى بن عبلان المزروعي، أن بلاده “شاركت بأكثر من 15 ألف جندي في 15 قوة واجب، في مختلف مدن ومحافظات اليمن”، فيما بلغ عدد طلعات سلاحها الجوي أكثر من 130 ألفا.

وجندت أبوظبي ودربت وجهزت أكثر من 200 ألف جندي يمني في المناطق المحررة، وفق ما ذكره المزروعي، لتتولى بنفسها المهام القتالية بعد انسحاب القوات الإماراتية.

ومن المؤكد أن انسحاب الإمارات على صلة بفشل تطبيق اتفاق ستوكهولم لإنهاء الصراع في اليمن، بالتزامن مع تصاعد الضغط الدولي لوقف الحرب التي أدت إلى “أسوأ” أزمة إنسانية في التاريخ المعاصر، وتصاعد الرفض الشعبي والرسمي اليمني لدور أبوظبي، ودور القوات الحليفة لها في فرض الواقع الانفصالي، وتقويض سلطة الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا.

في هذه الأثناء طالبت شركة “ستوك وايت” الدولية للمحاماة (مقرها بريطانيا)، الأربعاء، بمنح ولاية قضائية دولية للولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا، لتوقيف مسؤولين إماراتيين متهمين بارتكاب جرائم حرب في اليمن.

وقال هاكان جاموس، مستشار القانون الدولي، في مؤتمر صحفي للشركة أقيم بوسط العاصمة البريطانية لندن، إنّ “ستوك وايت” تمتلك “أدلة على ارتكاب الإمارات جرائم حرب في اليمن، بينها ممارسة التعذيب والقتل خارج نطاق القانون، واستخدام مرتزقة”.

وأضاف: “نطالب الولايات المتحدة، وبريطانيا، وتركيا باعتقال المسؤولين الإماراتيين المتهمين بارتكاب تلك الجرائم في اليمن”.

كما نوهت الشركة في بيان صحفي، أنها قدمت أدلة ارتكاب الإمارات جرائم حرب وتعذيب في اليمن “إلى دائرة شرطة العاصمة البريطانية ووزارتي العدل الأمريكية والتركية”.

وقال الصحفي عبد الله سليمان عبد الله دبله، أحد الضحايا الذين تمثلهم شركة المحاماة، إنه “نجا من هجوم بالقنابل استهدف مبنى حزب الإصلاح في عدن (العاصمة اليمنية) عام 2015”.

وأضاف أنّ “محمد دحلان هو من أمر بالهجوم”.

أما عادل سالم ناصر مفتاح، وهو ضحية أخرى في القضية ذاتها، فأشار إلى تعرضه للتعذيب “في مركز تسيطر عليه الإمارات”. لافتا أن أشخاص أخرين تعرضوا أيضا للتعذيب في ذلك المركز.

من جهتها، قالت جولدن سونميز، محامية تركية، خلال المؤتمر الصحفي إنها “مثلت ضحيتين يمنيتين، وهما لاجئين في تركيا في الوقت الحالي”.

وأضافت: “ولي عهد الإمارات (محمد بن زايد) وغيره من المسؤولين والجنود الإماراتيين كانوا من بين الجناة”.

كما أكدت سونميز أن لديها “أدلة كافية” تثبت تورط دحلان في عمليات القتل في اليمن من قبل فرقة المرتزقة.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2018، كشف موقع “بازفيد” الأمريكي منح الإمارات دور الوساطة للقيادي المفصول من حركة فتح الفلسطينية، محمد دحلان للتعاقد مع شركة الأمن الأمريكية الخاصة “سباير أوبريشن”، مكونة من عسكريين سابقين بالقوات الخاصة الأمريكية بهدف تشكيل فرقة مرتزقة مهمتها اغتيال شخصيات سياسية ودينية مقربة من حزب الإصلاح اليمني.

ونقل الموقع عن أبراهام غولان، القائد السابق لبرنامج الاغتيالات في فرقة المرتزقة التي استأجرتها الإمارات في اليمن، وهو متعاقد أمني مجري ـ إسرائيلي إن برنامج الاغتيالات المستهدفة في اليمن، جاء بتكليف من دولة الإمارات”.

وأوضح أنّ الصفقة التي جلبت المرتزقة الأمريكيين إلى عدن “تم الاتفاق عليها خلال وجبة غداء في مطعم إيطالي بنادي الضباط في قاعدة عسكرية إماراتية بأبوظبي، كان مضيفهم فيها محمد دحلان”.

وحسب الموقع الأمريكي، كان لدى فرقة المرتزقة مهمة في ليلة 29 ديسمبر / كانون الأول 2015، وهي اغتيال “إنصاف علي مايو”، زعيم بحزب الإصلاح الإسلامي.

ورغم فشل خطة اغتيال “مايو”، إلا ان الموقع الأمريكي اعتبرها “أول حلقة في سلسلة اغتيالات لم يتم حل ألغازها، وأدت إلى مقتل أكثر من 20 من قادة حزب الإصلاح”.

وأفاد “باز فيد” بأن ضابط إماراتي قدم للمرتزقة قائمة اغتيالات بها 23 بطاقة لأعضاء في حزب الإصلاح ورجال دين، كما أنهم حصلوا على 1.5 مليون دولار شهريا مع مكافآت خاصة عن كل عملية اغتيال ناجحة.

وشهدت اليمن اغتيال القيادي السلفي البارز عبد المجيد العدني ومحافظ عدن السابق اللواء جعفر أسعد، من قبل عناصر لم يتم الكشف عنها حتى الآن.

وتعتبر الإمارات حزب الإصلاح، الفرع اليمني لجماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها أبو ظبي “منظمة إرهابية”.

وهرب دحلان إلى الإمارات، ويقال إنه أعاد بناء نفسه مستشارا رئيسيا لولي عهد الإمارات محمد بن زايد، المعروف باسم الحاكم الحقيقي لأبو ظبي.

يشار أن مكتب المحاماة الفرنسي”أنسيل” رفع دعوى في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 لدى المحكمة الجنائية الدولية ضد الإمارات لاستئجار مرتزقة ارتكبوا جرائم حرب في اليمن.