تمثل دولة الإمارات إحدى أكبر بؤر تجارة الذهب المنهوب من الشعوب حتى أن المعدن الأصفر يمثل أكبر صادرات الدولة بعد النفط علما أنها لا تمتلك أي مناجم للذهب.
وأبرز تحقيق صحفي أنه لأكثر من قرن سافر التجار إلى أسواق الإمارات بحثًا عن التوابل واللؤلؤ والذهب، لتزدهر تجارة المعدن الأصفر تارة وتهريبه تارة أخرى، حتى اصبحت الإمارة الخليجية وخاصة مدينة دبي، تعرف باسم “مدينة الذهب”.
وتشهد دبي بحسب التحقيق الذي نشره موقع “الخليج الجديد” عمليات تهريب للذهب بمليارات الدولارات من أفريقيا كل عام، لتمثل الإمارات بوابة للأسواق في أوروبا والولايات المتحدة وغيرها، وباتت مركزا لإنشاء خزائن الذهب، ومرفقا لصنع المجوهرات والمصافي.
وأصبحت دبي تستحوذ حاليًا على 11% من إجمالي صادرات الذهب العالمية، ولديها نحو 4 آلاف شركة مجوهرات تعمل بالإمارة، و1200 متجر لبيع الذهب بالتجزئة، ليبلغ إجمالي من يعملون في المعدن النفيس ومشمولاته 60 ألف شخص بالدولة.
وحتى عام 1996، لم تظهر الإمارات بأي مركز بين أكبر 100 دولة مستوردة للذهب بالعالم.
إلا أنها خلال عقدين فقط احتلت مرتبة بين المراكز الأربعة الأولى، متجاوزة هونج كونج والولايات المتحدة، كما تمتلك حاليًا 11 مصفاة للمعدن النفيس، دون مصادر واضحة، لكيفية حصولها على الخام أساسًا.
ووفق تقرير سابق لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني فإنه مع عدم وجود ذهب محلي للاستفادة منه، سعت الإمارات لاستيراد الذهب من أي مكان، سواء كان ذلك بشكل مشروع، أو عبر تهريبه دون طرح أي أسئلة، أو مصدره من مناطق النزاع، أو مرتبطًا بالجريمة المنظمة.
وأصبح الذهب مهمًا جدًا لاقتصاد دبي، لدرجة أنه عنصر التجارة الخارجية الأعلى قيمة في الإمارة، متقدمًا على الهواتف المحمولة والمجوهرات والمنتجات البترولية والماس، وفقًا لجمارك دبي.
حتى أن وزير الاقتصاد الإماراتي عبدالله بن طوق المري، قال في وقت سابق إن الإمارات استطاعت، أن تتبوأ مكانة عالمية رائدة كمركز حيوي لتجارة الذهب والمعادن الثمينة، حيث تستحوذ على 11% من إجمالي صادرات الذهب العالمية.
وأشار إلى أن حكومة الإمارات تتخذ خطوات واسعة لتطوير قطاع تجارة الذهب وفق أفضل الممارسات الدولية، وبما يضمن مزيداً من الريادة والتنافسية لدولة الإمارات في هذا القطاع الحيوي.
وتشير تقديرات إلى أن ما بين 20 و40% من مخزونات الذهب في العالم تمر عبر دبي كل عام، ومعظم ذلك يأتي إلى سوق الذهب، حيث يوجد في المنطقة 300 متجر في مساحة لا تتجاوز نصف كيلومتر مربع فقط.
يشار إلى أن الذهب في دبي معفى من الضرائب للسياح، لذلك، يتدفق الكثيرون على سوق الذهب أو محلات المدينة الخاصة بالماس والذهب.
وأمام ذلك تتجه أصابع الاتهام إلى الإمارات، كإحدى أكبر بؤر تجارة الذهب المنهوب من الشعوب، ولكن الإمارات تنفي ذلك بشكل متواصل.
ويُطلق على الذهب الذي يتم تهريبه من مناطق الصراع في العالم اسم “ذهب الدم”، وتشير تقارير إلى أن الإمارات أصبحت مركزاً لهذا النوع من الذهب.
وخلص تحقيق سابق أجرته منظمة “ذا سينتري”، إلى أن 95% من الذهب المُصدَّر رسمياً من وسط وشرق أفريقيا، الذي يستخرج معظمه من السودان وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونجو الديمقراطية، يذهب في نهاية المطاف إلى إمارة دبي.
ويبدو من المستحيل تحديد الحجم الحقيقي للذهب الذي يتم تهريبه سنوياً خاصة من الدول الأفريقية، بسبب الأساليب التي يستخدمها المهربون.
إلا أن بيانات التجارة التي نشرتها الأمم المتحدة حول تجارة الذهب بدبي لعام 2020، أظهرت أنّ هنالك تفاوتاً لا يقل عن 4 مليارات دولار بين واردات الإمارات من الذهب المُعلَنة من أفريقيا، وما تقول الدول الأفريقية إنّها صدَّرَته إلى الإمارات.
وتشكو حكومات أفريقية مثل غانا وتنزانيا وزامبيا من إنتاج الذهب وتهريبه بالمخالفة للقوانين وعلى نطاق واسع، بل إن ذلك يحدث في بعض الأحيان من خلال عمليات إجرامية، وكثيرا ما يكون الثمن البشري والبيئي باهظا.
ويقول محققون وأفراد يعملون بصناعة الذهب، في تقرير سابق لـ”رويترز”، إن السهولة التي يمكن للمهربين بها نقل الذهب في حقائب اليد على الطائرات المسافرة من أفريقيا تسهم في خروج الذهب دون تسجيله.
ويضيف التقرير: “كما أن محدودية القواعد التنظيمية في الإمارات، تعني أن الذهب المستخرج بشكل غير مشروع، يمكن أن يستورد بصفة قانونية معفى من الضرائب”.
فيما قال تجار أفارقة إن من الممكن تصدير الذهب إلى دبي دون وثائق تذكر.
وأظهرت بيانات “كومتريد” التابعة للأمم المتحدة، أن الإمارات استوردت ذهبا قيمته 15.1 مليار دولار من إفريقيا مثلا عام 2016 أي أكثر من أي بلد آخر، ارتفاعا من 1.3 مليار فقط عام 2006.
وكان الحجم الإجمالي 446 طنا بدرجات نقاء متفاوتة ارتفاعا من 67 طنا فقط عام 2006.
ولم يكن جانب كبير من هذا الذهب مسجلا ضمن صادرات الدول الإفريقية.
وقال خبراء اقتصاديون حاورتهم “رويترز”، إن ذلك يشير إلى نقل كميات كبيرة من الذهب دون تسديد الرسوم الضريبية الواجبة عليها للدول المنتجة.
ورغم النفي المتكرر للسلطات في الإمارات لاستقبال المعادن المنهوبة خاصة من القارة السمراء، إلا أن وزير الصناعة والتجارة الأسبق في عهد الرئيس المعزول عمر البشير موسى كرامة، قدر في وقت سابق، صادرات الذهب عبر مطار الخرطوم فقط إلى مطار دبي عبر الخطوط الإماراتية في 2021 بنحو 102 طن.
بدورهم، قدَّر خبراء الأمم المتحدة في تقرير صدر في سبتمبر/أيلول 2016، أن الذهب المُهرَّب من السودان إلى الإمارات في الفترة ما بين 2010-2014 يصل إلى ما قيمته 4.6 مليارات دولار.
ويقول خبراء في السودان، إن عمليات تهريب الذهب إلى دبي لا تزال تتم عبر مطار الخرطوم إلى مطار دبي وتحت حماية رسمية من مسؤولين سودانيين، لكنّ السلطات تنفي.
وأمام هذه الاتهامات، عقدت الإمارات اتفاقا مع جمهورية الكونغو الديمقراطية، هذا الأسبوع، يمنح شركة إماراتية غير معروفة حقوقا حصرية لتصدير الذهب الذي يستخرجه حرفيون من البلاد بمعدلات ضريبية تفضيلية لمدة 25 عاما، مما أثار انتقادات بأن الاتفاق لن يحل أيا من المشكلات التي كان من المفترض معالجتها.
ولم يقف الأمر عند أفريقيا فحسب، حيث تتهم المعارضة الفنزويلية، مالي والإمارات بتسهيل تهريب الذهب الفنزويلي منذ العام 2020.
وتقول المعارضة، إنه يتم إرسال الذهب الفنزويلي إلى مالي، ثم إعادة بيعه بالإمارات للحصول على الدولار، وسط اتهامات لحكومة الرئيس نيكولاس مادورو، باستخدام هذه الأموال لـ”تبقى واقفة على قدميها”، رغم العقوبات الأمريكية.
وفي يونيو/حزيران 2020، اكتشفت الجمارك الهندية ما يزيد عن 30 كيلوجراما من الذهب، تساوي بسعر السوق الرسمي أكثر من 2.1 مليون دولار.
وتم العثور على هذا الذهب في حقائب دبلوماسية كانت متوجهة إلى القنصلية العامة للإمارات في “ثيروفانانثابورام”، عاصمة ولاية كيرالا جنوب الهند.
وكانت الحقائب قد تم إدراجها ضمن تجهيزات للحمامات والنودلز والبسكويت والتمور.
والعام الماضي، طالبت سويسرا مصافي الذهب على أرضها بتشديد رقابتها على الواردات القادمة من الإمارات، خشية الإضرار بسمعتها من التجارة في السبائك غير المشروعة.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل تواجه السلطات الإماراتية دعوات مضنية بشكل متزايد لتنظيف تجارة السبائك.
وفي عام 2019، دعاهم تقرير لمجموعة الأزمات الدولية إلى ضمان عدم استخدام الدخل من تجارة الذهب في تمويل الإرهاب.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، قال تقييم المخاطر الوطنية لوزارة الداخلية البريطانية، إن “أوجه القصور هذه تعرض الإمارات ودول أخرى لسوء استخدام شبكات المراقبة الدولية بما يعني تواصل غسيل عائدات الجريمة من وإلى الدول بما في ذلك المملكة المتحدة”.
وتستغل هذه الشبكات الإجرامية ميزات قوانين وأنظمة الإمارات، من أجل نقل النقود والذهب بسهولة إلى الدولة وخارجها، وكذلك الانخراط في غسيل الأموال عبر سوق العقارات في الإمارات، والتجارة الدولية، وأحدث المجالات مثل الأصول المشفرة، وفق التقييم.
وفي 2020، هددت جمعية سوق السبائك في لندن، وهي سلطة سوق الذهب الأكثر نفوذا في العالم، بمنع السبائك الإماراتية من دخول السوق الرئيسية إذا فشلت في تلبية المعايير التنظيمية.
كما هددت الرابطة بوضع قائمة سوداء بالدول التي لا تفي بمعاييرها في التوريد المسؤول، وهي خطوة تستهدف دبي، وفقاً لما ذكره مصدر مطلع لوكالة “بلومبرج”.
ونظرا لأن الذهب كان أكبر صادرات الإمارات بعد النفط في عام 2019، وهو اتجاه يبدو أنه سينمو فقط في عصر ما بعد النفط، فقد استجابت السلطات بالتعهد سريعا بتقديم الدعم لمبادرة الجمعية في ديسمبر/كانون الأول 2020، للقضاء على تجارة الذهب غير المشروعة وتحسين النظام المتعلق بقضايا مثل غسيل الأموال والمصادر غير الأخلاقية.