موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات والسعي نحو “إمبراطورية بحرية”

272

سلطت مجلة نيوزويك الأمريكية الضوء على مساعي الإمارات لامتلاك “إمبراطورية بحرية” في ظل التطورات الأخيرة المتسارعة للسياسات الخارجية للإمارات في الأسابيع الأخيرة.

وتناولت الكاتبة “كاميلا لونس” في مقال لها تحول البحر الأحمر والطرق البحرية الإقليمية إلى ساحة معركة تتصارع فيها القوى الإقليمية المختلفة على النفوذ وسعي الإمارات لخدمة أطماعها.

في اليمن، تحتل الإمارات موقع الصدارة في الصراع الحالي من أجل الاستيلاء على ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون، الذي يعد نقطة حاسمة الأهمية للأسلحة والإمدادات الإنسانية للحوثيين، كما إنه مدخل مهم إلى البحر الأحمر ومضيق باب المندب، حيث يعبر 4.8 ملايين برميل من النفط و 8% من التجارة العالمية كل يوم.

على الشاطئ الآخر للبحر الأحمر، أفادت التقارير بأن الإماراتيين لعبوا دوراً رئيسياً في تسهيل التقارب بين إريتريا وإثيوبيا بعد قطيعة تصل لعشرين عاماً، وفي 24 يوليو/تموز، بعد أسابيع قليلة من توقيع الدولتين على اتفاقية سلام، استضافت أبوظبي قمة ثلاثية مع الزعيمين، حيث أكدت من جديد دعمها لجهود السلام بينهما.

بالنسبة إلى الإمارات، يمكن أن يكون لاستقرار هؤلاء الشركاء المهمين مزايا استراتيجية، بما في ذلك تعزيز تأثيرها القوي بالفعل على موانئ القرن الأفريقي.

وفي الواقع، تستضيف إريتريا أول قاعدة عسكرية أجنبية للإمارات في ميناء عصب منذ عام 2015، وتشير التقارير إلى أن إثيوبيا غير الساحلية تخطط لاستخدام هذا الميناء، والذي ربما تكون شركة دبي للموانئ العالمية قد طورته، لتقليل اعتمادها على ميناء جيبوتي.

ومؤخرا استقبلت دولة الإمارات زيارة من الرئيس الصيني “تشي جين بينغ”، حيث وقعت اتفاقيات في مجالات متعددة، بما في ذلك التعاون في مشروع طريق الحرير البحري، نظراً للنمو المتزايد لبصمة البلدين على موانئ المنطقة.

تبرز هذه التطورات المتتالية خطوات إضافية في التوسع البحري السريع لدولة الإمارات في غرب المحيط الهندي، وتشير إلى تشكل دبلوماسية إماراتية متطورة موجهة نحو تحقيق طموحاتها الإقليمية.

يظهر هذا على خلفية المنافسة الإقليمية بين دول الخليج عبر الخليج نفسه وكذا في القرن الأفريقي، وهي منافسة تستقطب أيضاً دولا أخرى مثل تركيا والصين، وتمثل هذه المنافسة للتحكم في الموانئ الاستراتيجية والطرق البحرية ساحة جديدة قد تكون مزعزعة للاستقرار ومكثفة للمنافسات الإقليمية.

بناءً على وجودها الطويل الأمد في البحر الأحمر، استخدمت الإمارات “موانئ دبي العالمية” المملوكة للدولة كأداة تجارية ودبلوماسية رئيسية، ما سمح لها بمضاعفة امتيازاتها التجارية واتفاقياتها الاقتصادية مع موانئ القرن الأفريقي، وقد أدى ذلك إلى وجود سلسلة من الموانئ التي تسيطر عليها دولة الإمارات، تمتد من عصب في إريتريا إلى جيبوتي وبربرة في أرض الصومال وبوساسو في بونتلاند وبارواي في الصومال وكيسمايو في جنوب الصومال.

على الجانب الآخر من البحر الأحمر، في جنوب وغرب اليمن، أدى التدخل الإماراتي ضد الحوثيين والقاعدة إلى فتح المجال أمام الإمارات لتطوير نفوذها في الموانئ المحلية مثل المكلا، وبئر علي، والبلهف، وعدن، والآن الحديدة.

منذ بضع سنوات، تستغل الإمارات أيضًا وجودها في الموانئ الأجنبية كمنصة انطلاق يمكنها من خلالها إبراز قوتها العسكرية في المنطقة، وبعد تدهور علاقاتها مع جيبوتي، أنشأت الإمارات أول قاعدة عسكرية أجنبية في ميناء عصب في إريتريا في عام 2015، والتي لعبت دوراً رئيسياً في فرض حصار التحالف على اليمن، وفي تنسيق الضربات الجوية ضد الحوثيين في اليمن، كما تقوم الإمارات بتطوير قاعدة بحرية وجوية في بربرة (في أرض الصومال)، وتعزيز تعاونها العسكري مع سيشيل.

تركزت الجهود الإماراتية بشكل رئيسي على موانئ البحر الأحمر وغرب المحيط الهندي، والتي تحتل موقعًا استراتيجيًا على مفترق الطرق التجارية التي تربط بين أوروبا وإفريقيا وآسيا.

ومع تهديد إيران بوضع قيود على الوصول إلى مضيق هرمز، فإن الحفاظ على الأمن وحرية الملاحة في باب المندب يعد أمرا حاسما بالنسبة للإمارات، ولكن ربما الأهم من ذلك، أن الإمارات حريصة على جعل نفسها عنصراً رئيسياً في مبادرة الحزام والطريق الصينية، والتي يُعتبر الخليج والمحيط الهندي بالنسبة لها أماكن استراتيجية، وفي الوقت الذي تحاول فيه دول الخليج تنويع اقتصاداتها، تمثل الاستثمارات الآسيوية ومكانتها في طرق التجارة العالمية فرصاً مهمة لاقتصاد دولة الإمارات فيما بعد النفط.

يوفر ميناء جبل علي الإماراتي ربع الناتج المحلي الإجمالي لدبي ويقف اليوم كأحد أكبر مواني الحاويات في المنطقة، مع سعة زادت بمقدار الثلث منذ عام 2015، لتصل إلى حوالي 20 مليون حاوية.

ولكن إذا كانت الإمارات حالياً هي القوة البحرية الأكثر استباقية وتوسعيةً في المنطقة، فهي ليست الوحيدة، حيث استثمرت دول الخليج الأخرى بكثافة في تطوير الموانئ والبنى التحتية اللوجستية الخاصة بها.

تخطط موانئ السعودية مثل ميناء الملك عبدالله، وميناء وجدة، لمضاعفة قدرتها تقريباً خلال السنوات القادمة، وهناك خطة لربط هذه الموانئ على البحر الأحمر بمدينة الدمام على الخليج من خلال خطوط الأنابيب الجديدة وشبكات السكك الحديدية التي من شأنها أن تقصّر طرق التجارة بشكل كبير، مانحة إياها ميزة تنافسية.

كما تحاول عمان الاستفادة من موقعها الاستراتيجي على المحيط الهندي، ما يسمح لها بتجاوز مضيق هرمز، من خلال تطوير موانئها في صحار وصلالة والدقم.

أما على الشاطئ المقابل للخليج، فتسعى إيران لجذب الاستثمارات الصينية والهندية لتطوير مينائها في تشابهار، والذي سيكون مرتبطاً بآسيا الوسطى عبر السكك الحديدية، ومع ذلك، فإن عودة العقوبات الأمريكية قد تحد من طموحاتها.

لكن السيطرة على الموانئ هي أيضا قضية سياسية بطبيعتها، وقد أظهر الحصار المفروض على قطر كيف يمكن الاعتماد على الترابط المتبادل والاتصال كأداة للضغط السياسي.

وتبدو دول الخليج على دراية تامة بهذا الخطر وتحاول تنويع وإعادة توازن مسارات التجارة عبر الحدود والتجارة البحرية، وكما ذكر أعلاه، أعادت قطر توجيه مساراتها من جبل علي نحو موانئ إقليمية أخرى مثل صحار في عمان، وشواكين في الكويت، كما وقعت شراكة في مجال النقل مع إيران وتركيا لمساعدتها على تجاوز الحصار.

وبالمثل، وضعت عُمان إطاراً لتطوير موانئها في صحار والدقم، من أجل تعاون أكبر مع قطر، وكوسيلة لتقليل قابليتها للضغط السياسي المتزايد من السعودية والإمارات بسبب علاقة مسقط المستمرة مع إيران.

حتى الحلفاء المقربون مثل السعودية والإمارات يتسمون بالاحتراس والنظر للمستقبل، ويمكن اعتبار الاستثمارات السعودية في ميناء الدقم العماني ومشاريع البنية التحتية التي تعزز الروابط البرية بين المنطقتين – وتتجاوز الإمارات – محاولة من الرياض لتقليل اعتمادها على الموانئ الإماراتية، وتخفيف احتكارها للطرق التجارية الخليجية.

ولا يقتصر التنافس بين دول الخليج حول طرق التجارة البحرية على الموانئ المحلية فقط، فعلى نحو مماثل لما تقوم به الإمارات، تعمل قوى إقليمية أخرى على تطوير وجودها في الموانئ ونقاط الاختناق البحرية المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة، واستخدامها كطرق لبناء نفوذ أوسع، ولكن مع توسع هذه القوى نحو الخارج فإن المحرك الرئيسي يصبح العوامل الجيوسياسية بدلاً من الاقتصاد.

كان القرن الأفريقي والبحر الأحمر خاضعين بشكل خاص للعسكرة المتزايدة بسبب لعبة معقدة من الخصومات الإقليمية التي تشمل السعودية والإمارات وتركيا وقطر وإيران ومصر.

فبالإضافة إلى كونها دول مانحة مهمة للمساعدة في القرن الأفريقي، سعت هذه الدول إلى زيادة وجودها العسكري في البحر الأحمر، وإلى جانب القاعدة السعودية في جيبوتي والقواعد الإماراتية في إريتريا والصومال، فإن تركيا في طور فتح قواعد في مقديشو وسواكن (السودان)، وتقوم إيران بعمليات لمكافحة القرصنة في البحر الأحمر، وهناك شائعات بأن مصر تجري محادثات حول قاعدة عسكرية في إريتريا.

كما لعبت القوى الإقليمية دوراً في التوترات الداخلية في شرق أفريقيا لكي توازن كل واحدة نفوذ الأخرى، ففي الصومال على سبيل المثال، تلعب أنقرة وأبوظبي دوراً في التنافس الداخلي بين الحكومة المركزية في مقديشو والعشائر الصومالية والولايات الفيدرالية لزيادة نفوذها على حساب الطرف الآخر.

ويخشى المجتمع الدولي من أن تؤدي الخصومات بين الخليج وتركيا إلى تأثيرات غير مستقرة على منطقة هشة بالفعل، ويشعر الأوروبيون، الذين يملكون حصصاً استراتيجية عالية في القرن الأفريقي ويعتمدون بشكل كبير على طرق التجارة البحرية التي تمر عبر مضيق هرمز وقناة السويس، بالقلق بشكل خاص حيث يرون في هذه المنافسة الإقليمية على السلطة الكثير من المخاوف.

ومع ذلك، يشير التقارب بين إريتريا وإثيوبيا إلى أن الإمارات مستعدة لفرض نفسها كوسيط سلام واستقرار السلطة في المنطقة، وسوف تخبرنا التطورات المستقبلية ما إذا كانت الارتباطات والتبعية الاقتصادية ستلعبان أكثر كعامل للصراع أو كعامل من عوامل السلام في المنطقة.

لكن الحقيقة المؤكدة أن البحر الأحمر والطرق البحرية الإقليمية تحولت إلى حلبة للمنافسات الإقليمية بشكل واضح.

وقبل أسبوعين تلقت الإمارات ضربة اقتصادية قوية من الدولة الإفريقية السمراء “جيبوتي”؛ حيث افتتحت جيبوتي الأسبوع الماضي منطقة للتجارة الحرة شيَّدتها الصين في مشروع بقيمة 3.5 مليار دولار، قالت: إنها لتعميق الروابط مع العملاق الآسيوي ومساعدة البلد الواقع في القرن الإفريقي على توليد المزيد من الوظائف.

وبدا المشروع بمثابة رد على تحركات الإمارات في البحر الأحمر ومحاولاتها محاصرة موانئ جيبوتي وعزلها، حيث يعتقد خبراء أنه بافتتاح المنطقة الحرة سيتحول ميناء جبل علي في مدينة دبي إلى شبه ميناء داخلي، وهو ما يعني الإضرار بشريان رئيسي لتجارة الإمارات الساعية لمد نفوذها التجاري والسياسي في القرن الأفريقي واليمن من بوابة السيطرة على الموانئ.