موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

بوريس جونسون والإمارات: فساد عابر للحدود يفضح شبكات النفوذ

1٬164

كشفت صحيفة الغارديان البريطانية عن فضيحة جديدة تهز أوساط السياسة الدولية، إذ أظهرت وثائق مسربة أن رئيس الوزراء البريطاني السابق، بوريس جونسون، مارس ضغوطاً سرية على مسؤول إماراتي رفيع المستوى، ساعياً وراء صفقة تجارية بقيمة مليار دولار، وذلك بعد أقل من عامين على خروجه من منصبه.

وتفتح القضية، التي تبدو في ظاهرها مسعى شخصياً، الباب على مصراعيه لمناقشة حجم الفساد في علاقات الإمارات الخارجية، وكيفية استغلالها لشبكات النفوذ السياسي في الغرب لتثبيت موقعها المالي والسياسي.

وتشير الوثائق المسربة إلى أن جونسون، الذي خسر منصبه إثر سلسلة فضائح داخلية في بريطانيا، وجد في أبوظبي منفذاً لإعادة بناء نفوذه عبر شركة ناشئة تحمل اسم “بيا أدفايزري”.

وقد اختارت هذه الشركة، التي تكاد تكون غير معروفة في مجال التمويل المناخي، توظيف جونسون تحديداً بسبب قدرته على الوصول إلى الشيوخ والمسؤولين في الإمارات.

كان من المخطط أن يعمل جونسون “كمستشار رئيسي” وأن يحصل على 24% من أسهم الشركة التي سُجلت في منطقة “غيرنسي” القضائية المعروفة بسرية حساباتها، فيما كان من المقرر أن تحصل مساعدته السابقة شيلي ويليامز-ووكر على 20% إضافية.

وبحسب الغارديان فإن هذا النموذج يوضح كيف يُستغل النفوذ السياسي السابق لتحويله إلى أرباح مالية شخصية، في خرق مباشر لقواعد الأخلاقيات البريطانية.

الدور الإماراتي: الاستثمار كأداة للنفوذ

لا يتوقف الخطر عند تورط شخصية بريطانية رفيعة؛ بل يتعداه إلى الدور الذي تلعبه الإمارات. فقد أظهرت الملفات أن جونسون اتصل مباشرة بـ خلدون المبارك، الرئيس التنفيذي لصندوق “مبادلة” السيادي، والذي يشرف على أصول تتجاوز 300 مليار دولار.

المبارك ليس مجرد رجل أعمال؛ بل شخصية سياسية نافذة تجمع بين المال والرياضة والدبلوماسية، من رئاسة نادي مانشستر سيتي إلى كونه واجهة أساسية في مشاريع أبوظبي الدولية.

هذا التقاطع بين المال والسياسة يوضح كيف تستخدم الإمارات صناديقها الاستثمارية كأدوات للتأثير، ليس فقط في الأسواق المالية، بل في إعادة تشكيل التحالفات السياسية الغربية.

واستضافة جونسون في أبوظبي، ودفع 350 ألف دولار مقابل خطاب، ليست مجرد مكافأة، بل خطوة مدروسة لتوظيفه في مشروع يخدم مصالح أبوظبي الاستراتيجية.

خرق لقواعد الأخلاقيات

القضية تطرح إشكالية خطيرة: قواعد الأخلاقيات البريطانية تمنع الوزراء السابقين من استغلال علاقاتهم الرسمية السابقة لتحقيق مكاسب خاصة. إلا أن الوثائق أظهرت أن هيئة الرقابة لم توافق بعد على وظيفة جونسون الجديدة عند بدئه نشاطه مع الشركة.

الأخطر أن جونسون حاول الضغط على شخصية كان قد استضافها في مكتبه الرسمي ثلاث مرات أثناء توليه رئاسة الوزراء، ما يشير إلى خلط واضح بين المصلحة العامة والخاصة.

هذا السلوك يعكس ثقافة سياسية مقلقة حيث يتحول “خدمة الدولة” إلى جسر نحو الثروات الشخصية، خصوصاً عندما تُفتح الأبواب عبر أنظمة استبدادية تسعى إلى شراء النفوذ في العواصم الغربية.

الفساد في قلب العلاقات الإماراتية الخارجية

لطالما استخدمت الإمارات نفوذها المالي كوسيلة لتوسيع نفوذها السياسي. من صفقات الأسلحة إلى شراء الأندية الرياضية، ومن تمويل مراكز أبحاث غربية إلى استضافة مؤتمرات عالمية، يظهر بوضوح أن المال الإماراتي ليس مجرد استثمار اقتصادي بل أداة سياسية.

قضية جونسون تفضح أحد أوجه هذا النفوذ: شراء الولاءات الفردية عبر إغراء سياسيين فقدوا مواقعهم، وتحويلهم إلى “وسطاء مدفوعي الأجر”.

هذه الآلية ليست معزولة، بل تتكرر في قضايا مشابهة، حيث تستخدم أبوظبي المال لتبييض صورتها أو لاختراق دوائر صنع القرار في أوروبا والولايات المتحدة.

انعكاسات على سمعة لندن وأبوظبي

من جانب بريطانيا، تعيد القضية طرح التساؤلات حول مدى هشاشة منظومتها الرقابية في مواجهة تضارب المصالح. إذا كان رئيس وزراء سابق يستطيع بسهولة أن يضغط على شركائه القدامى لصالح مشاريع خاصة، فكيف يمكن للمواطن أن يثق بأن القرارات السياسية في تلك الفترة لم تكن مشوبة باعتبارات شخصية؟

أما بالنسبة للإمارات، فالقضية تكشف عن الوجه الآخر لدبلوماسيتها الاقتصادية. فبينما تقدم نفسها كقوة إقليمية حداثية تسعى إلى التنويع الاقتصادي والاستثمار في المستقبل، تكشف هذه التسريبات أن جانباً من استراتيجيتها يقوم على شراء النفوذ السياسي عبر شخصيات مثيرة للجدل، ما يضر بمصداقيتها على المدى الطويل.

وإن ما كشفته الغارديان ليس مجرد فضيحة فردية، بل نموذج لظاهرة أوسع: تحالف المال مع السياسة خارج الأطر القانونية. الإمارات، عبر صناديقها الاستثمارية الضخمة، توفر الأرضية والتمويل، فيما يوفر سياسيون غربيون سابقون أبواب النفوذ والخبرة.

النتيجة هي شبكة مصالح غير شفافة تتجاوز المؤسسات الديمقراطية، وتضع القرارات الكبرى في يد صفقات سرية بعيداً عن أعين الشعوب.

وبينما ينفي جونسون الاتهامات ويصفها بأنها “هراء”، تبقى الحقائق في الوثائق المسربة دليلاً دامغاً على أن الفساد لم يعد مسألة محلية محصورة في دولة بعينها، بل أصبح عابراً للحدود، حيث تتقاطع مصالح أنظمة سلطوية مع طموحات شخصيات سياسية متقاعدة، في تهديد مباشر لمبادئ الشفافية والمساءلة.