موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

اعتقالات تعسفية في الإمارات تطال وافدين على خلفية الرأي والمواقف السياسية

766

تشهد دولة الإمارات موجة جديدة من الاعتقالات التعسفية تطال وافدين وناشطين أجانب على خلفية آرائهم السياسية أو ارتباطهم بحركات معارضة في بلدانهم الأصلية، وفق ما تؤكده تقارير حقوقية وإفادات عائلات المحتجزين.

وتبرز حالة الناشط السوداني نادر مريود كنموذج صارخ لهذه السياسة التي تتوسع بوتيرة متزايدة في السنوات الأخيرة، وسط انتقادات دولية حادة ومطالبات بالكشف عن مصير المعتقلين وضمان حقوقهم القانونية.

فقبل أسبوعين، اعتقلت الشرطة الإماراتية الناشط السوداني نادر مريود، المتحدث باسم حركة لجان المقاومة في حي الصالحة بأم درمان.

ووفق ما نقل موقع ميدل إيست آي البريطاني، فإن الاعتقال جاء عقب إصدار مجموعته بياناً ينتقد قوات الدعم السريع، التي تخوض حرباً مع الجيش السوداني منذ أبريل 2023.

وقد أكد شقيقه نزار مريود أن الاعتقال تم “دون توضيح الأسباب”، وأن الأسرة محرومة من التواصل معه أو معرفة مكان احتجازه، مشيراً إلى مخاوف جدية من احتمال تعرضه لسوء المعاملة.

وطالبت العائلة الإمارات بالإفراج الفوري عنه والسماح له بالوصول إلى محامٍ، معتبرة أن توقيفه يأتي استجابة لضغوط سياسية خارجية مرتبطة بالنزاع السوداني.

سياق سوداني ملتهب يزيد المشهد تعقيداً

يشهد السودان منذ سقوط الحكومة المدنية الانتقالية عام 2021 حالة من الانفلات الأمني والسياسي، زادتها الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع دموية. وأسفرت المواجهات عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد 13 مليون شخص، فضلاً عن اتهامات دولية بارتكاب جرائم إبادة جماعية في إقليم دارفور.

حي الصالحة الذي ينتمي إليه مريود كان واحداً من أكثر المناطق التي عانت من تجاوزات قوات الدعم السريع، بما في ذلك مجزرة قُتل فيها 31 فرداً من إحدى القبائل، وفق شهادات سكان نقلها ميدل إيست آي. هذه الخلفية السياسية شديدة التوتر جعلت من أي صوت ينتقد تلك القوات هدفاً للاستهداف، حتى خارج السودان.

وقد تزايدت في الأشهر الأخيرة التحقيقات الدولية حول دعم أبوظبي لقوات الدعم السريع بالأسلحة والمال، خاصة بعد سقوط مدينة الفاشر في قبضتها وظهور تقارير عن مجازر واسعة. ورغم أن الإمارات ترفض هذه الاتهامات، إلا أن تقارير ميدانية وضعت ضغوطاً متصاعدة على المجتمع الدولي لاتخاذ موقف.

وصرح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بأن واشنطن “تعرف الدول التي تقدم الأسلحة للجماعات شبه العسكرية”، مؤكداً أن استمرار هذا الدعم ستكون له “تداعيات سلبية”.

وفي سياق متصل، نقلت مصادر عربية وغربية أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان سيضغط على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه أبوظبي.

وفي هذا المناخ الدولي المتوتر، يبدو أن اعتقال وافدين سودانيين في الإمارات على خلفية انتقاد الدعم السريع يدخل ضمن محاولات الإمارات السيطرة على الملف وتخفيف الحرج السياسي.

معتقلون آخرون: نمط متكرر من الاعتقالات السياسية

قضية مريود ليست سوى حلقة من سلسلة طويلة من اعتقالات طالت وافدين من جنسيات مختلفة بسبب آرائهم السياسية، ويشير مراقبون إلى أن الإمارات باتت تعتمد نمطاً ثابتاً في التعامل مع الأصوات المعارضة، سواء تعلق الأمر بناشطين سياسيين أو صحفيين أو حتى أفراد عاديين نشروا آراء على وسائل التواصل.

من أبرز الحالات، اعتقال محمد فاروق سلمان، القيادي السابق في قوى الحرية والتغيير السودانية، الذي احتُجز منذ يناير الماضي في ظروف مجهولة. لم تُعلن سلطات الإمارات أي مبرر قانوني لتوقيفه، وتقول منظمات حقوقية إن احتجازه يدخل ضمن تضييق ممنهج على الناشطين السودانيين المقيمين لديها.

وسبق للإمارات أن اعتقلت عددًا من الوافدين الأردنيين والفلسطينيين بين عامي 2019 و2022 بسبب منشورات على فيسبوك تنتقد التطبيع مع إسرائيل أو تعبر عن دعم المقاومة الفلسطينية. وشهدت قضية الأسير الأردني عبدالرحمن مرعي ورفيقه هبة اللبدي ضغوطاً دبلوماسية واسعة قبل الإفراج عنهما.

كما اعتُقل الصحفي المصري عبدالله الشامي أثناء عبوره مطار أبوظبي عام 2020 بسبب تقاريره السابقة لقناة الجزيرة حول قمع المعارضة في مصر. ورغم إطلاق سراحه لاحقاً، قالت منظمات حقوقية إن الشامي تعرض لاستجوابات مطولة حول عمله الإعلامي.

وبحسب تقارير لـ”هيومن رايتس ووتش”، نفذت الإمارات عمليات ترحيل قسري لعدد من اللاجئين السياسيين السوريين واليمنيين ممن يخشون الاضطهاد في بلدانهم، بعد احتجازهم لشهور دون تهم واضحة.

سياسة أمنية أم تكميم منهجي؟

تصرّ الإمارات على أن جميع اعتقالاتها تتم وفق القانون للحفاظ على الأمن الداخلي، إلا أن نمط الاحتجازات—وغياب الشفافية حول التهم، ومنع المعتقلين من التواصل مع محامين—يشير، وفق محللين، إلى اتجاه منهجي لتكميم الأصوات الناقدة حتى لو كانت مرتبطة بالشؤون الداخلية لدول أخرى.

ويلفت خبراء إلى أن الإمارات، رغم كونها مركزاً اقتصادياً عالمياً يجذب ملايين العمال والمهنيين الأجانب، تتبع سياسة صارمة في ما يتعلق بانتقاد أي دولة حليفة أو الحديث ضد سياساتها الإقليمية.

وفي ظل تزايد الحالات، تطالب منظمات حقوق الإنسان، إضافة إلى عائلات المعتقلين، برفع الصوت دولياً للضغط على الإمارات لإنهاء الاعتقالات التعسفية وإطلاق سراح أصحاب الرأي.

كما تطالب بضمان حقوق الوافدين القانونية، وعدم تحويل الأراضي الإماراتية إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية الإقليمية.

وفي انتظار تجاوب رسمي، يبقى مصير ناشطين مثل نادر مريود معلقاً، فيما تتوسع دائرة الخوف داخل أوساط الجاليات العربية المقيمة في الإمارات، وسط قلق متزايد من أن يصبح التعبير عن الرأي جريمة بلا تهمة واضحة.