موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات تكسر عزلة نتنياهو في الأمم المتحدة بلقاء رسمي على أنقاض جثث أهل غزة

750

في الوقت الذي شهدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة موقفاً جماعياً غير مسبوق ضد رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إثر الانسحابات الواسعة من قاعة الأمم المتحدة أثناء خطابه، اختارت دولة الإمارات أن تكسر هذا الطوق الدبلوماسي بمشهد معاكس تماماً.

إذ جمع لقاء رسمي جمع وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد مع نتنياهو، ليمنح الأخير نافذة تنفس سياسية وسط العزلة الدولية المتزايدة التي يواجهها.

وجاء اللقاء على هامش الدورة الحالية للجمعية العامة في نيويورك، حيث شدّد وزير الخارجية الإماراتي – وفق بيان رسمي – على “ضرورة إنهاء الحرب في قطاع غزة والتوصل إلى وقف دائم ومستدام لإطلاق النار”.

كلمات حملت صياغة دبلوماسية مألوفة، لكنها لم تُخفِ دلالات الصورة التي انتشرت سريعاً: وزير عربي يجلس إلى جانب نتنياهو في وقت يتساقط فيه يومياً مئات الضحايا الفلسطينيين تحت القصف الإسرائيلي، وتغرق غزة في كارثة إنسانية غير مسبوقة.

ولم يتقصر الحضور الإماراتي على عبد الله بن زايد، بل شمل أيضاً لانا زكي نسيبة، وزيرة الدولة، ومحمد آل خاجة سفير أبوظبي لدى الاحتلال، في رسالة واضحة أن الأمر ليس مجرد لقاء عابر، بل موقف مؤسسي من الدولة الإماراتية تجاه حكومة نتنياهو.

عزلة نتنياهو و”هدية” أبوظبي

شكل خطاب نتنياهو في 26 سبتمبر الجاري لحظة انكشاف دولية؛ أكثر من مئة دبلوماسي من خمسين دولة غادروا القاعة احتجاجاً على حرب الإبادة المستمرة في غزة، تاركين القاعة شبه فارغة.

وشملت الانسحابات من حضور كلمة نتنياهو معظم الوفود العربية والغربية، في خطوة رمزية قوية أعادت التذكير بعزلة إسرائيل المتفاقمة منذ اندلاع الحرب في غزة.

غير أن مشهد الوفد الإماراتي الذي بقي في القاعة حتى نهاية الخطاب، بل وتفاعل مع بعض فقراته، أثار عاصفة من الجدل.

وعلى منصات التواصل، تساءل ناشطون: كيف يمكن لدولة عربية أن تمنح نتنياهو “شهادة حضور” في لحظة كان العالم يتقاطع فيها لإدانته؟ اللقاء اللاحق بين عبد الله بن زايد ونتنياهو بدا كأنه تكريس لهذا الانطباع، وكسر لرمزية العزلة التي كان يعيشها رئيس وزراء الاحتلال.

ازدواجية الخطاب الإماراتي

من الناحية الرسمية، تؤكد أبوظبي أنها تدعم حل الدولتين وتطالب بوقف الحرب وتفادي الخسائر الإنسانية.

لكن على أرض الواقع، تبدو الإمارات متمسكة بخطوط التواصل مع تل أبيب، رغم كل المآسي في غزة. فحتى بعد الهجوم الإسرائيلي على الدوحة – والذي أدانته أبوظبي واعتبرته اعتداءً على أمن الخليج – لم يتجاوز رد الفعل الإماراتي حدود التلويح بخفض مستوى العلاقات، مع تأكيد مستمر أنها “لا تفكر بقطع العلاقات بالكامل”.

وقد استدعت أبوظبي نائب السفير الإسرائيلي، وألغت مشاركة شركات دفاع إسرائيلية في معرض دبي للطيران، لكنها سرعان ما عادت إلى مسار اللقاءات الرسمية.

وتعكس هذه الازدواجية بين لغة الاحتجاج وإدامة العلاقة بوضوح أولوية استراتيجية الإمارات في الحفاظ على اتفاقيات التطبيع، حتى ولو جاء ذلك على حساب صورتها العربية والإسلامية في زمن المجازر اليومية في غزة.

الرسائل المبطنة للقاء

يحمل اللقاء بين عبد الله بن زايد ونتنياهو أكثر من رسالة سياسية:

طمأنة إسرائيل: أن الإمارات، رغم تصعيد خطابها الإعلامي عقب قصف الدوحة ومجازر الحرب في غزة، لا تنوي الذهاب بعيداً في إجراءاتها، وأن قنوات التواصل ستظل مفتوحة.

رسالة للغرب: أبوظبي ما زالت شريكاً يمكن التعويل عليه في تمرير سياسات التهدئة أو “السلام الإقليمي”، حتى لو كان الثمن تقديم غطاء دبلوماسي لنتنياهو في أحلك لحظاته.

إشارة للداخل العربي: الإمارات تحاول إظهار نفسها كصاحبة “براغماتية” و”مرونة” في التعامل مع كل الأطراف، لكن ذلك يتعارض جذرياً مع مشاعر الغضب الشعبي العربي جراء الإبادة في غزة.

على أنقاض الضحايا

المفارقة المؤلمة أن اللقاء جاء في وقت تتواصل فيه مشاهد المأساة الإنسانية في غزة: عشرات آلاف الشهداء، بينهم المئات من الصحفيين والأطباء والأطفال، وملايين النازحين الذين يفترشون الشوارع أو يبحثون عن لقمة خبز تحت الحصار.

في هذا السياق، بدا لقاء نتنياهو – الذي تُتهم حكومته بارتكاب جرائم حرب – مع وزير عربي وكأنه استخفاف بدماء الفلسطينيين، ورسالة معاكسة تماماً لروح التضامن الدولي التي تجلّت في انسحاب الوفود من خطاب نتنياهو.

وقد ترى أبوظبي أن اللقاء يمثل “استثماراً دبلوماسياً” لإبقاء قنوات التواصل مفتوحة، أو وسيلة لحماية مصالحها الإقليمية. لكن في ميزان الرأي العام العربي، ما جرى في نيويورك بدا أقرب إلى طعنة في خاصرة الموقف العربي والإسلامي، وإلى خدمة مجانية لنتنياهو في لحظة عزلة دولية نادرة.

وبينما يدفن الفلسطينيون يومياً أبناءهم تحت الركام، يظل السؤال الأكثر إلحاحاً: هل يمكن تبرير لقاء رسمي مع من يقود حرب إبادة معلنة، حتى لو تزيّن الخطاب بدعوات إلى السلام ووقف إطلاق النار؟.