موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

من التحالف إلى الخيانة: الدور الإماراتي في تمزيق اليمن وإحياء الحرب

589

يشهد اليمن أخطر تحول سياسي–عسكري منذ توقيع الهدنة الهشة قبل أكثر من ثلاث سنوات، في إطار الدور الإماراتي المتصاعد في الجنوب، والمشروع طويل الأمد الهادف إلى تمزيق اليمن تحت عناوين براقة مثل “مكافحة الإرهاب” و“الاستقرار”.

وقال معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في تحليل مطول له، إن تحركات ميليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة إماراتيا في حضرموت والمهرة تمثل حلقة متقدمة في مسار إماراتي منظم لإعادة رسم خريطة اليمن، حتى لو كان الثمن هو إعادة إشعال الحرب وتمكين الحوثيين.

وذكر المعهد أن استيلاء قوات “المجلس الانتقالي الجنوبي” المدعومة من أبوظبي على محافظتين استراتيجيتين تمثلان ما يقارب نصف مساحة اليمن، وتضمان معظم ثروته النفطية وحدوده الشرقية الحساسة، كشف بوضوح أن الإمارات لم تعد تكتفي بدور الشريك داخل التحالف، بل تسعى لفرض أمر واقع جيوسياسي يخدم مصالحها الخاصة، حتى لو تعارض مع أولويات السعودية أو مع وحدة اليمن.

مشروع التقسيم المقنّع

منذ سنوات، عملت الإمارات على بناء شبكة عسكرية وأمنية موازية للدولة اليمنية، من خلال تمويل وتسليح “المجلس الانتقالي الجنوبي” وقوات محلية أخرى تدين لها بالولاء المباشر. الهدف لم يكن فقط مواجهة الحوثيين، بل التحكم بالموانئ والسواحل وخطوط الطاقة، وتحويل الجنوب إلى كيان شبه مستقل تديره قوى مرتبطة بأبوظبي سياسياً وأمنياً.

وبحسب التحليل تعكس السيطرة السريعة على حضرموت والمهرة – من دون مقاومة تُذكر من القوات الحكومية –حجم الاختراق الذي حققته الإمارات داخل بنية الشرعية اليمنية.

فبدلاً من دعم مؤسسات الدولة، جرى تفريغها من مضمونها، وتركها عاجزة عن الدفاع عن أراضيها، تمهيداً لتقديم “المجلس الانتقالي” كبديل جاهز للحكم في الجنوب.

الأخطر أن حضرموت، التي تمتلك هوية محلية قوية وتاريخاً مختلفاً عن عدن، تُستخدم اليوم كغنيمة سياسية واقتصادية. فمواردها النفطية تمثل شريان الحياة لأي مشروع انفصالي، وهو ما يفسر إصرار “المجلس الانتقالي” – ومن خلفه الإمارات – على انتزاعها بالقوة، رغم الرفض الشعبي والقبلي الواسع.

تصادم المصالح مع السعودية

على عكس الرواية التي حاول البعض ترويجها، لم يكن ما جرى نتيجة تفاهم سعودي–إماراتي، بل كشف عن تصدع عميق داخل التحالف. السعودية تنظر إلى حضرموت والمهرة باعتبارهما عمقاً أمنياً مباشراً وحدوداً لا يمكن التفريط بها، بينما تتعامل الإمارات مع الجنوب كمساحة نفوذ مفتوحة لمشاريعها الإقليمية.

وأبرز التحليل أن إصرار “المجلس الانتقالي” على تحدي مطالب الرياض بالانسحاب، وتهديد الهدنة، يضع السعودية أمام معضلة حقيقية: إما القبول بأمر واقع يضع حدودها الشرقية تحت سيطرة قوة موالية للإمارات، أو الدخول في مواجهة غير مباشرة مع حليفها السابق. وفي الحالتين، يدفع اليمنيون الثمن.

وأشار إلى أن المفارقة الكبرى أن السلوك الإماراتي، الذي يرفع شعار محاربة الحوثيين، يصب عملياً في مصلحتهم. فمع انشغال القوى المناهضة للحوثي بصراعات داخلية في الجنوب، تتاح للجماعة المدعومة من إيران فرصة ذهبية لإعادة التموضع، وتهديد مأرب وحقول النفط، وربما توسيع نفوذها على ساحل البحر الأحمر.

كما أن تفكيك الجبهة المناهضة للحوثيين يمنحهم شرعية تفاوضية أكبر، ويقوّض أي مسار سلام شامل. فكيف يمكن الحديث عن دولة يمنية موحدة، في ظل وجود مشاريع انفصالية مسلحة تُدار من الخارج؟

وبحسب التحليل تحاول الإمارات و”المجلس الانتقالي” تبرير تحركاتهما عبر شيطنة خصومهما السياسيين، وعلى رأسهم “حزب الإصلاح”، ووصمه بالإرهاب أو تسهيل نشاط القاعدة. هذه الرواية، التي تجد صدىً لدى بعض الدوائر الغربية، تُستخدم كغطاء لتصفية حسابات سياسية، وليس كجزء من استراتيجية حقيقية لمكافحة التطرف.

الواقع أن زعزعة الاستقرار في حضرموت والمهرة تخلق فراغات أمنية جديدة، وهي البيئة المثالية لعودة التنظيمات المتطرفة، ما يجعل الادعاءات الإماراتية أقرب إلى الدعاية منها إلى الوقائع.

نحو سيناريو خطير

إذا استمر هذا المسار، فإن اليمن يتجه نحو أحد سيناريوهين أحلاهما مرّ: إما حرب جديدة بين حلفاء الأمس، أو إعلان انفصال جنوبي يفتح الباب أمام صراع إقليمي أوسع. وفي كلتا الحالتين، تتكرس صورة الإمارات كفاعل إقليمي يفضل تفكيك الدول الضعيفة على دعم استقرارها.

خلاصة القول إن ما يحدث في جنوب اليمن ليس “تصحيحاً للمسار”، بل انحراف خطير عنه.

فمشروع التقسيم الذي ترعاه أبوظبي، مهما غُلّف بشعارات الأمن، يهدد بإغراق اليمن في فوضى أطول، ويمنح خصومه الحقيقيين – وعلى رأسهم الحوثيون – فرصة تاريخية لتعزيز نفوذهم.

وخلص التحليل إلى أن اليمن اليوم لا يحتاج إلى مزيد من الوصاية، بل إلى دولة موحدة وسيادة حقيقية، وهو ما يبدو أن الإمارات تقف في الاتجاه المعاكس له تماماً.