موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

حرية الصحافة في الإمارات: قمع ممنهج يجعلها الأسوأ عالميا

652

في تقريرها السنوي الصادر لعام 2024، صنّفت منظمة “مراسلون بلا حدود” (RSF) دولة الإمارات في المرتبة 164 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة العالمي، لتكون بذلك من بين أسوأ 20 دولة في العالم في هذا المجال.

ولم تكن هذه المرتبة مفاجئة للمتابعين، خاصة أن الإمارات سجلت ثاني أكبر تراجع في التصنيف مقارنة بالعام الماضي، ما يعكس تصاعد القمع الإعلامي وغياب المساحة المتاحة للتعبير الحر.

وقد أرجع تقرير المنظمة هذا التراجع إلى الرقابة الصارمة المفروضة على وسائل الإعلام، المحلية منها والدولية، حيث تسيطر الحكومة أو جهات تابعة لها على معظم المؤسسات الإعلامية.

ومن بين أبرز هذه المنصات صحيفة “الخليج” الصادرة من الشارقة، و**”الاتحاد”** التابعة لمجموعة أبوظبي للإعلام. أما الصحف الناطقة بالإنجليزية مثل “ذا ناشيونال” و**”غلف نيوز”**، فهي بدورها خاضعة لرقابة حكومية مشددة، ما يجعل أي محتوى ناقد أو مستقل أمرًا شبه مستحيل.

وبحسب المنظمة، يُمنع الصحفيون من تناول مواضيع تُعد “حساسة” مثل قضايا الفساد، السياسات الداخلية، الاقتصاد الحقيقي، أو الشؤون المتعلقة بالعائلة الحاكمة. وغالبًا ما يُستخدم مصطلح “الإضرار بسمعة الدولة” لتبرير ملاحقة الصحفيين أو حجب المواد الإعلامية.

قوانين تقييدية ودستور غير مفعل

ورغم أن الدستور الإماراتي ينص رسميًا على حرية التعبير، إلا أن هذا الحق يظل نظريًا فقط، إذ يُقيَّد عمليًا عبر ترسانة من القوانين القمعية. ومن أبرزها قانون المطبوعات والنشر لعام 1980، الذي يمنح السلطات صلاحيات واسعة لحظر أي منشور يُعتبر مسيئًا، إلى جانب قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية لعام 2021، الذي يُستخدم لملاحقة المدونين والناشطين والصحفيين بتهم مثل “نشر معلومات كاذبة”، أو “الإضرار بالوحدة الوطنية”.

وغالبًا ما يتم تسليط هذه القوانين على أي صوت يجرؤ على الخروج عن الخط الرسمي، حيث واجه عدد من الصحفيين والمدونين أحكامًا بالسجن أو الترحيل القسري، أحيانًا دون محاكمات عادلة. وتصل العقوبات أحيانًا إلى السجن مدى الحياة أو الغرامات الباهظة، في قضايا يُفترض أنها “قانونية” ولكنها في الواقع ذات طابع سياسي.

وأبرز ما يميز الحالة الإعلامية في الإمارات هو الرقابة الرقمية الشاملة. إذ يتم تتبع تحركات الصحفيين ونشاطاتهم الإلكترونية، ويُراقب المحتوى الذي ينشره المستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد تؤدي تغريدة واحدة أو مشاركة على فيسبوك إلى استدعاء أمني أو توقيف فوري.

تؤكد “مراسلون بلا حدود” أن هذه البيئة القمعية تؤدي إلى انتشار واسع للرقابة الذاتية بين الإعلاميين والمواطنين على حد سواء، حيث أصبح من الشائع أن يمتنع الصحفيون عن الخوض في أي موضوع يحتمل أن يُفسر على أنه “انتقادي”. وتترسخ هذه الظاهرة في ظل ثقافة الولاء الشديد، حيث يُنظر إلى الانتقاد كنوع من “الخيانة الوطنية”.

ترويج صورة دولية زائفة

وعلى الصعيد الدولي، تواصل الإمارات تقديم نفسها كدولة حديثة، منفتحة، ومتقدمة اقتصاديًا، عبر استضافة فعاليات عالمية مثل إكسبو دبي، وتنظيم مؤتمرات دولية لحقوق الإنسان والاستثمار والتكنولوجيا. إلا أن هذه الصورة لا تعكس واقع الحريات الإعلامية، بل تعمل على تلميعه وإخفاء الانتهاكات.

تشير تقارير حقوقية متعددة إلى أن الإمارات تستثمر بكثافة في العلاقات العامة الدولية وشركات الضغط السياسي (اللوبي) لتحسين سمعتها في الغرب، في حين أن القمع الممارس في الداخل يتصاعد، خاصة في التعامل مع الصحفيين الأجانب الذين قد يُمنعون من دخول البلاد أو يُرحّلون دون تفسير.

وما يحدث في الإمارات ليس استثناءً في المنطقة. فقد صنّفت منظمة “مراسلون بلا حدود” منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على أنها من أخطر المناطق عالميًا للعمل الصحفي، بسبب انتشار الأنظمة الاستبدادية، واستخدام الإعلام كأداة دعاية سياسية.

لكن في حالة الإمارات، يبدو التناقض أكثر وضوحًا، نظرًا لتناقض الانفتاح الاقتصادي مع الانغلاق السياسي والإعلامي. وبينما تحتضن البلاد مقارًا إقليمية لأكبر وسائل الإعلام العالمية، إلا أن العاملين فيها يعملون ضمن قيود صارمة تمنعهم من ممارسة أي نوع من الصحافة الاستقصائية أو النقدية.

وبالخلاصة تشير كل المعطيات إلى أن حرية الصحافة في الإمارات ليست فقط غائبة، بل تُحاصر بنظام معقّد من الرقابة القانونية والرقمية والسياسية. وفي ظل غياب بيئة إعلامية حرة، تظل الحقيقة رهينة الصمت، ويظل الصحفي مجرد ناقل للرسالة الرسمية، لا صوتًا للمجتمع.