تحقيق: دبي تغرق في أزمة سمعة ومهددة بتفاقم خسائرها المالية
عام 2009 وعقب اندلاع الأزمة المالية العالمية تعرضت إمارة دبي لأزمة عنيفة، تجلّت في إعلان حكومتها وبشكل غير متوقع، إرجاء تسديد ديون شركة دبي العالمية، والتأكيد على أنها لن تضمن ديون الشركة التي كان من أبرز مقرضيها بنوك استثمار عالمية كبرى وشركات أميركية وأوروبية، وهو ما أثار ذعراً شديدا في الأسواق العالمية وبين الدائنين الدوليين.
وتبع الخطوة انهيار سوق دبي العقاري، وهو ما أدى إلى توقف الشركات الكبرى المملوكة للدولة عن سداد ديون مستحقة عليها بمليارات الدولارات، وتلاحقت أزمة التعثر تباعاً ليرتفع عدد المتعثرين عن سداد الديون في الإمارات بنسبة خطيرة وصلت إلى 70%، وهو ما هدد القطاع المصرفي والمالي حينئذ، واضطر مصرف الإمارات المركزي وقتها للتدخل بضخ سيولة ضخمة في الأسواق لمعالجة تأثيرات الأزمة المالية الخطيرة.
ودفعت الأزمة المالية كذلك الشركات والمصارف الإماراتية للاستغناء عن عشرات الآلاف من الموظفين الذين تعثروا في سداد الديون المستحقة عليهم للبنوك والسيارات والعقارات، وعرف مطار دبي وقتها ظاهرة الهرب الكبير للعمالة الوافدة، التي ترك على أثرها متعثرون آلاف السيارات المرهونة للبنوك وفرّوا من البلاد تاركين خلفهم قروضا بمليارات الدولارات قبل اتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم.
وبلغت ذروة الأزمة في تعثر حكومة دبي عن سداد ديون مستحقة عليها بعشرات المليارات من الدولارات، ولذا سارعت الحكومة لإعادة هيكلة الديون التي قدرتها مصادر غربية بنحو 235 مليار دولار، مثلاً تم تأجيل سداد 20 مليار دولار مستحقة لإمارة أبوظبي لمدة 5 سنوات.
في ذلك الوقت انهارت صورة دبي التي كانت تروّجها الإمارة وسط المستثمرين الدوليين بأنها قوة اقتصادية وملاذ آمن للاستثمار في الشرق الأوسط، اضافة للعائدات المرتفعة على رأس المال، وأنها الأفضل بين دول المنطقة في قطاعات السياحة والعقارات والخدمات، وكذا الأسرع في النموّ الاقتصادي وجذب الاستثمارات الأجنبية.
ويبدو أن سيناريو 2009 سيتكرر مرة أخرى في 2019، فتجربة دبي التي كانت حديث العالم قبل 10 سنوات باتت عاجزة مجدداً عن سداد الديون المستحقة عليها، ومنها 20 مليار دولار مستحقة لإمارة أبوظبي تم تأجيل سدادها للمرة الثانية، كما هرب من دبي خلال الفترة الماضية مئات المستثمرين والشركات بسبب الاضطرابات السياسية في المنطقة.
وتضررت دبي كذلك من الحملة التي قادها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ضد عشرات الأمراء ورجال الأعمال بتهمة تورطهم في قضايا فساد، وما تردد بعدها عن تجميد أموال المستثمرين السعوديين الملاحقين بشبهة الفساد في البنوك الإماراتية، إضافة لانعكاسات أزمة تهاوي أسعار النفط في العام 2014 على الاقتصاد الإماراتي.
وتضرر مناخ الاستثمار في دبي بشدة من حصار قطر، وإلغاء ترامب الاتفاق النووي مع إيران وتشديد أميركا العقوبات عليها؛ وخاصة أن دبي كانت الوجهة الأبرز أمام طهران في الانفتاح على الأسواق الخارجية، فالإمارات حلّت الثانية عالمياً في حجم التبادل التجاري مع إيران، البالغ 15.7 مليار دولار في عام 2013.
حتى القطاع العقاري الذي كانت تراهن عليه دبي لإنقاذ الإمارة من تعثرها المالي فقد بريقه، في ظل الهبوط المستمر للأسعار وتعثر مشروعات جديدة لضعف التمويل والتسويق، بل إن تقارير اقتصادية دولية أفادت بأن البنوك في الإمارات تتصدع، بسبب تزايد معدلات التعثر، وتراجع أسعار العقارات، وتهاوي أعمال الكثير من الشركات، وبالتالي عدم قدرتها على سداد الديون المستحقة عليها في موعدها.
بل إن شركات كانت ملء السمع والبصر أصابها ما أصاب دبي من خسائر وركود، فقد انهارت شركة أبراج العملاقة، وتراجعت أرباح داماك العقارية، بنسبة 58.3% خلال العام الماضي 2018، وتكرر الموقف مع شركات أخرى منها طيران الإمارات والعربية للطيران.
المتابع لأخبار دبي هذه الأيام يلحظ أن الإمارة باتت محط أنظار الدول والمستثمرين خلال الفترة الأخيرة، لا لبحث فرص الاستثمار بها ولكن للتخارج منها، وخاصة أن تقارير دولية عديدة بدأت تسلط الأضواء على جرائم غسل الأموال القذرة في دبي، وأن الإمارة باتت موطناً للعمليات المالية القذرة حول العالم، وأن الاستثمارات القادمة إليها ليست نظيفة، بل إن جزءاً منها عبارة عن أموال نهبها حكام من ثروات شعوبهم.
مثلا، كشفت برقية من السفارة الأميركية في كابول، سربها موقع ويكيليكس، عن تورط مساعدين للرئيس الأفغاني حامد كرزاي ومسؤولين كبار من الحكومة الأفغانية في عمليات تهريب أموال من مطار كابول إلى إمارة دبي.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، قالت مجلة “ذا نيوز إنترناشيونال” الباكستانية إن عمليات احتيال كبرى بدأت تتكشف في البلاد، وأن الكثير من الأموال “القذرة” الناجمة عن عمليات فساد جرى غسلها في الإمارات.
وتكرر الامر في نيجيريا حيث ذكرت تقارير أن الحكومة بدأت تعقب أموالها المنهوبة التي سرقها مسؤولون سابقون وأعوانهم وأخفوها في شراكات تجارية وحسابات مصرفية وصفقات عقارية في دبي، وتقدر بمليارات الدولارات.
دبي تعيش أزمة، أزمة تعثر مالي وركود اقتصادي والأخطر أزمة سمعة، إذ بات اسمها يرتبط بعمليات غسل أموال بل وتمويل الإرهاب، فقد أعلنت الولايات المتحدة، في أكتوبر الماضي، أنها نجحت في تفكيك شبكة لصرف العملة داخل الإمارات كانت تنقل ملايين الدولارات إلى فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.