موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

سجن الرزين: 13 عامًا من الانتهاكات الممنهجة بحق معتقلي الرأي

1٬155

للعام الثالث عشر على التوالي، يواصل سجن الرزين – الواقع في قلب الصحراء الإماراتية – احتضان فصول مظلمة من الانتهاكات الجسيمة بحق معتقلي الرأي، وسط تجاهل رسمي متعمد وتواطؤ صامت من المجتمع الدولي.

خلف جدران هذا المعتقل سيئ السمعة، يُسجن العشرات من النشطاء الحقوقيين والأكاديميين والمثقفين، ليس لجرائم ارتكبوها، بل فقط لأنهم عبّروا عن آرائهم وطالبوا بإصلاحات سلمية داخل الدولة.

وتشير أحدث التقارير الصادرة عن مركز مناصرة معتقلي الإمارات إلى تصاعد وتيرة الانتهاكات داخل سجن الرزين، في ظل سياسة ممنهجة من الإهمال والتنكيل، تهدف إلى كسر إرادة المعتقلين وإخماد أي صوت حر. ويُعدّ استمرار احتجازهم بعد انقضاء محكومياتهم واحدًا من أكثر الانتهاكات جسامةً، في انتهاك صارخ للقانون الدولي ولأبسط القواعد الحقوقية.

إعادة محاكمات تعسفية… والهدف: التمديد

في تطور يثير القلق، وثّق المركز الحقوقي لجوء السلطات الإماراتية إلى إعادة محاكمة معتقلي الرأي على التهم ذاتها التي سبق أن أُدينوا بها وقضوا محكومياتهم على أساسها.

وبحسب البيان، فإن هذا الإجراء يمثل “خرقًا فاضحًا لمبدأ عدم جواز محاكمة الشخص مرتين على نفس الجريمة”، كما يشرّع لاستمرار احتجازهم تعسفيًا دون مسوّغ قانوني أو قضائي.

وقد طالت هذه الإعادة الهزلية لمحاكمات شكلية عددًا من أبرز المعتقلين السياسيين في الإمارات، في مقدمتهم أعضاء “الإصلاح”، وهي مجموعة من الأكاديميين والدعاة الذين حوكموا عام 2013 بتهم تتعلق بحرية التعبير والتنظيم السلمي، قبل أن تُعاد محاكمتهم بعد انتهاء مدة السجن، فقط لضمان بقائهم خلف القضبان.

حرمان من التواصل والعزل التام

منذ يوليو 2024، فقدت عائلات عدد من المعتقلين أي وسيلة للتواصل معهم. لا زيارات، لا مكالمات، لا رسائل – فقط صمت مطبق.

ويُوصف هذا الانقطاع بأنه شكل من أشكال “الإخفاء القسري داخل السجن”، إذ لا تملك العائلات أي معلومة عن صحة أو مصير أحبائهم.

وبحسب المنظمات الحقوقية، فإن هذا الوضع لا ينتهك فقط الحق في التواصل الأسري، بل يشكل ضغطًا نفسيًا مضاعفًا على السجناء وأقاربهم على حد سواء.

منع التوكيل القانوني… وعزل قانوني متعمد

من الانتهاكات الأخرى التي تم رصدها، منع المعتقلين من توكيل محامين أو حتى أقاربهم في أي إجراء قانوني أو شخصي.

هذا الحرمان من الحق في التمثيل القانوني يُعمّق عزلتهم، ويمنعهم من الدفاع عن أنفسهم أو متابعة أوضاعهم القانونية، ما يحوّل السجن إلى فضاء مغلق تمامًا على أي إمكانية لإنصاف قانوني أو مراجعة قضائية نزيهة.

كما يفتقر سجن الرزين إلى أبسط المقومات الحياتية، بحسب الشهادات الواردة من داخل السجن. فلا توجد كافتيريا أو منفذ لشراء احتياجات يومية، الأمر الذي يُجبر السجناء على الاعتماد الكلي على وجبات السجن “الرديئة وغير الكافية”، ما يؤدي إلى تدهور حالتهم الصحية بشكل واضح.

وقد أشار عدد من السجناء السابقين إلى إصابتهم بنقص حاد في الوزن، وأمراض مزمنة نتيجة الغذاء السيء وانعدام النظافة الشخصية.

إهمال طبي يهدد الحياة

أما في الجانب الصحي، فالوضع لا يقل خطورة. تُقتصر الرعاية الطبية في سجن الرزين – وفق ما أورده مركز المناصرة – على صرف مهدئات، دون تشخيص دقيق أو علاج فعّال.

وحتى في الحالات التي تستدعي تدخلاً عاجلًا، يُقابل المرضى بالإهمال، ما يجعل حياتهم عرضة للخطر. هذه السياسة الممنهجة تنتهك كل من اتفاقية مناهضة التعذيبوالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حائط

وفي ضوء هذه الانتهاكات المستمرة، جدد مركز مناصرة معتقلي الإمارات دعوته إلى المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان لاتخاذ موقف حازم إزاء ما يحدث داخل السجون الإماراتية، وعلى رأسها سجن الرزين.

ودعا المركز الحقوقي إلى الضغط على حكومة أبوظبي للإفراج الفوري عن معتقلي الرأي، ووقف سياسة الاحتجاز التعسفي والتنكيل النفسي والجسدي.

كما دعا المركز إلى تمكين المعتقلين من حقوقهم الأساسية، لا سيما الحق في الرعاية الصحية، والحق في الاتصال بذويهم، والحق في التمثيل القانوني، وهو ما يشكل حدًا أدنى من الحقوق التي تضمنها المواثيق الدولية.

انتهاك للقانون الدولي… وتآكل للشرعية

وتؤكد المنظمات الحقوقية أن استمرار اعتقال أفراد بسبب آرائهم، وإعادة محاكمتهم بصورة تعسفية، يُشكّل انتهاكًا فاضحًا للمبادئ الأساسية للعدالة وحقوق الإنسان، ويقوّض أي شرعية تدّعيها دولة الإمارات في محافلها الدولية.

وتثير هذه الممارسات تساؤلات جدية حول جدية التزامات أبوظبي حيال المواثيق الدولية، التي وقّعت عليها والتزمت بها أمام العالم.

وسجن الرزين لم يعد مجرد منشأة عقابية، بل بات رمزًا لانسداد الأفق السياسي والقمع الشامل لكل صوت مختلف داخل الإمارات. ثلاثة عشر عامًا من المعاناة والسجن بسبب المطالبة السلمية بالإصلاح، كافية لتؤكد أن القضية ليست أمنًا بل قمعًا، وليست عدالة بل انتقامًا.

وإذا ما أرادت الإمارات أن تحظى باحترام دولي حقيقي، فإن أولى الخطوات تبدأ بإطلاق سراح أصحاب الرأي الحر، ووقف هذا المسار القمعي الذي لن يجلب إلا العزلة والتنديد.