أثارت شحنة تمور أزمة دبلوماسية بين دولة الإمارات وإسرائيل في وقت تواصل أبو ظبي التنكر والتجاهل لدماء الفلسطينيين وما يتم ارتكابه من مجازر مروعة بحقهم وجرائم تجويع متعمد في خضم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ تسعة أشهر.
وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن التوتر الدبلوماسي على إثر منع السلطات الإسرائيلية دخول شحنة وزنها 100 كيلو من التمور كانت قادمة إلى السفارة الإماراتية في تل أبيب.
وقالت “القناة 12” العبرية إنه منذ اليوم الأول بعد توقيع اتفاقيات إبراهيم للتطبيع عام 2020، وقعت الإمارات وإسرائيل اتفاقية استيراد لغذائهما الوطني التمور.
وقد تم تسليم الشحنات بكميات خاضعة للرقابة وليس لغرض تجاري بحيث تخصص للاستخدام الخاص في السفارة الإماراتية في “تل أبيب” ومقر إقامة السفير.
وذكرت القناة أنه في الأسابيع الأخيرة، صدر قرار من وزارة الزراعة الإسرائيلية بمنع استيراد التمور وإعادتها إلى الإمارات.
وبعد اتخاذ القرار، لم تتم الموافقة على دخول شحنة محددة وزنها 100 كيلو من التمور القادمة إلى السفارة الإماراتية لدى إسرائيل.
وأوردت القناة أن هذا القرار قوبل بغضب سفارة الإمارات التي طلبت من وزارة الخارجية الإسرائيلية حل الموضوع.
إلا أن وزارة الزراعة الإسرائيلية تشددت في موقفها ورفضت إيجاد حل.
وفي رسالة بعث بها مدير عام وزارة الزراعة إلى السفير الإماراتي في تل أبيب محمد الحاجة، كتب: “لا يمكن استيراد التمور بدون نوى إلى إسرائيل”.
واعتبرت وزارة الخارجية الإماراتية القرار الإسرائيلي بمثابة “إهانة ضد السفارة الإماراتية وانحرافا عن الأعراف الدبلوماسية”.
وقالت الوزارة في بيان “نؤكد على أن ممثلي دولة الإمارات يبذلون جهودا كبيرة للحفاظ على علاقات كاملة وفعالة مع إسرائيل منذ اندلاع الحرب” على غزة.
وأضافت “من المحتمل أن تشارك الإمارات في اليوم التالي للحرب في جهود إعادة بناء غزة. إن اعتقاد المسؤولين في إسرائيل أنه من المعقول تعريض العلاقة الحساسة للخطر بسبب نوى التمر هو أمر سخيف تماما. إذا لم يكن الأمر حزينًا، فمن المحتمل أن يكون مضحكًا”.
وردت وزارة الزراعة الإسرائيلية: “بأن إدخال التمر مع بذوره إلى إسرائيل محظور وقد يؤدي إلى إدخال آفات وأمراض تشكل خطراً حقيقياً على تدمير الزراعة الإسرائيلي”.
يأتي ذلك فيما كشف تقرير جديد صادر عن مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي أن الصادرات من دولة الإمارات إلى إسرائيل ارتفعت إلى 242 مليون دولار في مايو 2024، مقارنة بـ 238.5 مليون دولار في مايو 2023.
وجاء الارتفاع القياسي لصادرات الإمارات إلى إسرائيل في وقت تواصل فيه الأخيرة شن حربا دموية على قطاع غزة واستخدام سلاح التجويع ضد سكانها وسط تواطؤ إماراتي صارخ وتمسك كامل باتفاقيات عار التطبيع.
وقبل شهرين وصفت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، دولة الإمارات بأنها استثناء كبير في قائمة التطبيع العربي مع إسرائيل في ظل التحالف الكامل للنظام الحاكم في أبوظبي مع تل أبيب.
وتناولت المجلة أسباب استمرار الدول العربية في الحفاظ على علاقاتها مع إسرائيل والتطبيع معها رغم الغضب العارم الذي ينتاب الشعوب العربية من الاحتلال.
وقالت إنه بالنسبة للكثيرين كانت الأخبار التي تفيد بأن الطيارين الأردنيين دافعوا عن إسرائيل خلال الهجوم الذي شنته إيران في نهاية الأسبوع الماضي بمثابة مفاجأة.
ففي حين يربط إسرائيل والأردن علاقات دبلوماسية منذ 30 سنة، فإن السلام بينهما كان باردًا حتى في أفضل الأوقات. ومنذ اندلاع الحرب في غزة دخل في حالة من الجمود العميق.
مع ذلك، لم يكن الأردن الدولة العربية الوحيدة التي ساهمت في الدفاع عن إسرائيل في تلك الليلة، فوفقا للمجلة، أسقطت القوات الجوية الملكية السعودية مقذوفات إيرانية كانت تحلق في مجالها الجوي، وحسب ما ورد قدمت السعودية والإمارات معلومات استخباراتية مهمة قبل الهجوم.
وأوضحت المجلة أن هناك عددًا من الأسباب التي دفعت القوى العربية إلى اختيار لعب دور في تلك الليلة، أولها أنه لو انتهت العملية الإيرانية بخسائر كبيرة في الأرواح أو الدمار، لكان الاحتلال قد رد بقوة، مما يزيد من خطر نشوب حرب إقليمية.
وفي الواقع، يبدو أن انتقام إسرائيل الواضح في وقت مبكر من يوم الجمعة ضد إيران كان محدودًا. والسبب الآخر أن قلق العديد من الدول العربية بشأن التدخل الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن لا يقل عن القلق الإسرائيلي نفسِه.
لكن الأمر الذي لا يقل أهمية عن ذلك هو أن إسرائيل شريك اقتصادي رئيسي بالنسبة لبعض القوى العربية.
وهذا يقدم تفسيرًا واضحًا لعدم اتخاذ الأردن والسعودية والإمارات أي خطوات ملموسة تقريبًا ضد الاحتلال بعد مرور ستة أشهر على الحرب في غزة.
وعندما فعلت تركيا شيئاً أخيرًا، بإعلانها في التاسع من نيسان/إبريل أنها ستحظر مجموعة واسعة من الصادرات إلى الاحتلال الإسرائيلي، لم تحذُ أي دولة عربية حِذوها.
وأكدت المجلة أن المصالح الاقتصادية للإمارات في علاقاتها مع إسرائيل تدور حول شيء مختلف تمامًا: التجارة والاستثمار، وتعزيز دور أبوظبي كمركز لوجستي عالمي.
كما تقوم المصالح الاقتصادية لأبوظبي على محاولة الاستفادة من تقدم إسرائيل في مجال التكنولوجيا المتقدمة لبناء صناعة التكنولوجيا الخاصة بها، والشراكة لحل تهديد تغير المناخ في المنطقة.
فمنذ اتفاقيات إبراهيم 2020، برزت الإمارات أيضًا كمشتري رئيسي للأسلحة الإسرائيلية، وارتفعت صادرات الأسلحة الإسرائيلية إلى الدول التي وقّعت على اتفاقيات إبراهيم من لا شيء في تلك السنة إلى 2.9 مليار دولار في سنة 2022.
من حيث القيمة الدولارية، تظل العلاقة الاقتصادية بين إسرائيل والإمارات صغيرة نسبيًا لكلا البلدين، لكنها تمثل شيئًا أكبر وأكثر طموحًا، وهو الجهد لإعادة تشكيل الشرق الأوسط من منطقة الحرب والسياسات المتطرفة إلى منطقة تركز على التطور الاقتصادي.
وذكرت المجلة أنه ليس من المستغرب أن تكون الأعمال التجارية التي تقيمها الدول العربية مع إسرائيل شأناً نخبويًا يقتصر على الصفقات بين الحكومات والمؤسسات الكبرى التابعة للدولة، فالطرق العادية لممارسة الأعمال التجارية غير موجودة، كما أنها كثيرًا ما تكون ذات اتجاه واحد.
لكن كانت الإمارات استثناءً إلى حد ما لهذه القاعدة. توافد المديرون التنفيذيون والسياح الإسرائيليون إلى الخليج في فترة شهر العسل التي تلت توقيع اتفاقيات إبراهيم.
وكانت الشركات توقّع صفقات استثمار وشراكة، واستحوذت شركة مبادلة للبترول التابعة لأبو ظبي على حصة 22 بالمائة في حقل غاز تمار الإسرائيلي، وكانت العديد من الصفقات الاستثمارية الأخرى قيد المناقشة.
وفي عام 2023، وصلت التجارة البينية إلى 3 مليارات دولار، مسجلة ارتفاعًا من 190 مليون دولار في سنة 2020.
لكن الرد الشعبي الذي أظهره الجانب الإماراتي كان فاترًا، فقد وجد استطلاع معهد واشنطن أن أقلية من الإماراتيين يعتقدون أن التعامل مع إسرائيل أمر “مقبول”، ولم يقم الإماراتيون بزيارة إسرائيل إلا بغرض العمل.