موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

عبد الله حمدوك.. التكنوقراطي الذي سخّرته أبوظبي لتبرئة جرائمها في السودان

2٬169

من يتابع الظهور الإعلامي الأخير لرئيس الوزراء السوداني الأسبق عبد الله حمدوك، لن يرى سياسيًا مستقلًا أو محللًا نزيهًا، بل شاهدًا مأجورًا يؤدي دورًا كُلف به من داخل دهاليز القصر الإماراتي.

لم يكن حمدوك يتحدث كلاجئ سياسي أو كخبير محايد، بل كمجند إعلامي يؤدي مهمة ذات أبعاد استراتيجية لصالح أبوظبي: الدفاع عن محمد بن زايد ومسح جرائمه في السودان، بل وتجميلها، بإلقاء اللوم تلميحًا وصراحة على أطراف إقليمية أخرى، خصوصًا السعودية ومصر، دون أن يجرؤ على إدانة الجهة التي تقيمه وتؤمّن له المنبر.

الإقامة في أبوظبي.. ليست امتيازًا بل تقييدًا

من عاش أو أقام في أبوظبي، حتى لو لفترة قصيرة، يعلم تمامًا أن الحديث عن الحريات هناك أشبه بالنكتة السوداء. لا أحد، أيًّا كانت جنسيته أو موقعه، يجرؤ على الإدلاء برأي سياسي أو حتى التغريد بكلمة نقد واحدة دون أن يختفي أو يُرحّل أو يُسحب إلى التحقيق.

هذه الحقيقة معروفة لكل من اختبر الإمارات عن قرب، ولا تحتاج إلى إثبات. ورغم ذلك، يظهر حمدوك ليتحدث عن أبوظبي وكأنها واحة ديمقراطية هرب إليها من “الاستبداد”!

والسؤال البديهي: هل يوجد معارض واحد في الإمارات – سوداني، أو حتى أوروبي أو أمريكي – يكتب رأيًا ينتقد سياسات محمد بن زايد ويظل حرًا؟ الجواب معروف، ومع ذلك يتحدث حمدوك بوجه مكسوّ بالطلاء الإعلامي عن “كرم الإمارات” و”دورها في السلام”.

المهمّة: تبرئة بن زايد وتوزيع اللوم المدروس

مصادر موثوقة مطلعة على ما يدور في أروقة جهاز الأمن الإماراتي تؤكد أن مقابلات حمدوك الأخيرة – لا سيما تلك التي أجريت بالإنجليزية والعربية – جاءت بأمر مباشر من فريق العلاقات السياسية التابع لجهاز أمن الدولة. الهدف كان واضحًا:

تبرئة الإمارات من دورها في إذكاء الحرب الأهلية بالسودان.

توجيه الاتهامات إلى السعودية ومصر دون تصعيد مباشر.

إبراز حمدوك كصوت “عقلاني” ينتقد الجميع… لكن وفق جدول زمني مدروس يخدم رواية أبوظبي.

في المقابلات بالإنجليزية، يؤكد حمدوك أن “كل الدول الإقليمية متورطة”، بينما يتحاشى ذكر الإمارات بشكل صريح. أما في المقابلات باللغة العربية، فيمتدح كرم بن زايد ويتحدث بغمز عن “خذلان” سعودي مفترض.

هذا التناقض ليس عشوائيًا، بل هو جزء من استراتيجية إعلامية مدروسة تهدف إلى تبرئة الإمارات من دماء السودان وتحميل الجريمة لطرف آخر، والأهم: طمس الجرائم التي ارتكبتها ميليشيات تدعمها أبوظبي، وتشارك في تمويلها وتسليحها، بما في ذلك الدعم اللوجستي عبر شركات المرتزقة وصفقات الذهب.

تبييض الدم بالكرم المزعوم

من يراقب السردية الإماراتية في السودان، سيفهم سريعًا كيف تحاول أبوظبي خلط “العمل الإنساني” بالمذابح. صواريخ تُسقط الأحياء في الخرطوم، ومسيّرات إماراتية تضرب مواقع خصوم “حميدتي”، وذهب يُنهب من دارفور ويُشحن إلى دبي، بينما تطوف طائرات الهلال الأحمر في سماء السودان تحمل الأرز والدقيق.

وبين هذه الصور المتناقضة، يُطلب من حمدوك أن يؤدي المشهد الأخير: أن يُثني على “كرم الإمارات” بينما تُغسل آثار المجازر ببياض الثياب الخليجية، وأن يُحوِّل محمد بن زايد من داعم للمرتزقة وراعي الانقسامات إلى راعٍ للسلام.

لكن الحقيقة لم تعد تخفى: لا يمكن فصل “الكرم الإماراتي” عن دمه. لا يمكن تفكيك صورة الهلال الأحمر عن طائرات “وينغ لونغ” المسيرة التي أحرقت قرى بكاملها. ولا يمكن تبرئة أي يد ملوّثة بالذهب السوداني المسروق.

حمدوك.. من تكنوقراطي إلى أجير سياسي

حين ظهر عبد الله حمدوك على الساحة السياسية بعد الثورة، استقبله كثير من السودانيين كممثل لتيار تكنوقراطي يحاول أن يعيد ضبط الإيقاع المدني للدولة.

لكن سرعان ما تبين أن الرجل بلا أدوات سياسية حقيقية، وأنه هش أمام الضغوط الخارجية، خصوصًا من الإمارات والسعودية، ما جعله في نهاية المطاف مجرد واجهة يُستخدم حين تستدعي الحاجة.

اليوم، حمدوك لم يعد حتى تلك الواجهة المحايدة، بل تحوّل إلى مُمثّل مأجور ضمن حملة إماراتية شاملة لتبرئة الذات عبر أدوات ناعمة. ومقابلاته الأخيرة ليست تعبيرًا عن رؤى سياسية، بل سيناريو مكتوب يؤديه بلغة ناعمة تخفي بين سطورها هدفًا قبيحًا: إنقاذ صورة بن زايد.

أبوظبي تتدثّر بجلباب الرياض

لكن المثير في كل ذلك، أن أبوظبي بدأت تستخدم حمدوك لتوجيه السهام نحو السعودية، في محاولة لتقاسم المسؤولية أو التنصل منها عبر إعادة توزيع التُهم.

بن زايد، الذي لم يعد قادرًا على الدفاع عن نفسه حتى عبر أدواته الإعلامية التقليدية، يلجأ إلى تكنوقراطي سابق ليقول: “نعم، نحن تورطنا… لكن الجميع فعلوا”، ثم يوحي أن الرياض هي صاحبة اليد الثقيلة، بينما يتظاهر هو بالحياد والمبادرات.

هذه الاستراتيجية مكشوفة، وتحمل دلالة على ضعف الإمارات في إدارة صورتها، واضطرارها لاستخدام أطراف ثالثة كغطاء سياسي لتحركاتها.

لكن الأخطر أنها تستغل شخصيات سودانية، من خلفية مدنية، لتبرير دورها العسكري، وهذا بحد ذاته خيانة مزدوجة للثورة وللشعب السوداني الذي دفع ثمن تدخلات الخارج.

حمدوك ليس ضحية… بل جزء من الجريمة

لا يمكن اليوم التعامل مع عبد الله حمدوك كضحية للنظام الإقليمي أو كصوت مغلوب على أمره. بل هو في موقع الفاعل المتورط، الذي اختار أن يكون جسرًا تعبر عليه سردية إماراتية تطمح لمحو جرائمها.

وإذا كانت السياسة في لحظة ما قد تسامحت مع التكنوقراطي الحذر، فإن المرحلة الحالية لا تحتمل التبرئة لمن يلمّع القتلة، أو يوزع الدماء وفق معايير الممول.

إنّ من يُقيم في أبوظبي ويصمت عن الجرائم، ثم يتحدث في الإعلام بلغة الناطق باسمها، لم يعد من أهل الحل السوداني… بل من أهل المشكلة.