معالم الحرب لا تزال ماثلة للعيان وأبواب قلعة صيرة في مدينة عدن العاصمة المؤقتة (جنوبي اليمن) ما تزال موصدة أمام زوارها من سكان المدينة، حتى أن تسلق الجبل الذي تقف عليه القلعة التاريخية ممنوع أيضا.
يحاول جندي نحيل يرتدي مئزراً شعبياً أن يرفع صوته لإثناء أحد الأشخاص عن تسلق الجبل في الضفة الأخرى من التجويف البحري في ساحل صيرة، فكل تلك المناطق ما تزال عسكرية.
في سوق السمك أسفل القلعة، يجتهد الصيادون في الترويج لبضاعتهم، لكن انهيار الأوضاع سياسياً وأمنياً واقتصادياً ومعيشياً جعل سكان المدينة -التي تحررت من سيطرة جماعة الحوثي قبل ثلاثة أعوام- يعزفون عن السوق الرئيسي.
وبحسرة، يقول الصياد أسامة أحمد “خلاص.. عدن راحت وراح أيامها، كنا على (أيام) صالح (الرئيس الراحل علي عبد الله صالح) بعدها جاء الحوثيون، اليوم نكتوي بالإماراتيين”.
في الـ 17 من يوليو/تموز 2015، احتفى سكان مدينة عدن بانسحاب الحوثيين، عقب معارك عنيفة بدأت مع سيطرتهم على المدينة مطلع أبريل/نيسان من العام ذاته، واستمرت شهورا.
يقول أسامة أحمد “كانت فرحتي لا توصف، شعرت أننا بُعثنا للحياة من جديد، كنا نحتفي بعناصر المقاومة الشعبية والقوات الحكومية والإماراتية، كنا موعودين على دولة، خصوصاً أن الأمر أصبح بيدنا هذه المرة”.
لكن الفرحة ما لبثت أن تلاشت مع مرور الذكرى الأولى للتحرير، فالمدينة عاشت تحت وطأة العمليات الإرهابية، وانتشار المليشيات المسلحة، وبدأ السكان يتصورون سيناريوهات الحرب الأهلية العراقية.
تجاوزت المدينة محنتها، وشهدت أواخر يناير/كانون الثاني الماضي آخر المعارك حين اندلع القتال بين القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي وبين قوات “الحزام الأمني” الموالية للإمارات.
انتهت المعارك بسيطرة القوات الموالية للإمارات على المدينة بشكل كامل، عدا منطقة المعاشيق حيث القصر الذي يقيم فيه الرئيس هادي والحكومة، وذكر أسامة بأن المدينة تعيش الآن “انتكاسة”.
في أحياء خورمكسر شرقي المدينة، تشهد آثار الدمار على فصل من المعارك العنيفة التي دارت قبل ثلاثة أعوام. ورغم المدة الطويلة، لم تشهد تلك الأحياء أي حركة إعمار حتى اليوم وربما تبقى على تلك الحال زمنا طويلا.
يقول سكان المدينة إنهم يخشون العيش في ظل غياب الدولة، بعد أن تجاهلت الإمارات إعادة بناء مؤسسات الدولة، واستمراراها في تقويض الحكومة الشرعية.
في حائط تظهر به ثقوب جراء قصف المدفعية، رسم علم الإمارات مع علم دولة الجنوب “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” قبل أن تتوحد عام 1990 مع الجمهورية العربية اليمنية، في شمالي اليمن، وتأسيس الجمهورية اليمنية.
لقد نفذ الهلال الأحمر الإماراتي بعض المشاريع التي لا تعدو أن تكون تجديدا لبعض المدارس أو المرافق الحكومية “لكن الإمارات اهتمت برسم علمها في كل مكان أكثر من بناء الدمار” حسبما يقول مصفى حسن أحد عناصر المقاومة.
في منطقة محصنة بمنطقة المهرام بحي البريقة غربي عدن، تتمركز القوات العسكرية الإماراتية، بالإضافة إلى معسكر آخر في المطار، وبواسطة قوات “الحزام الأمني” التي يقدر عددها بنحو 15 ألف مقاتل، تحكم قبضتها على المدينة.
وكانت الإمارات قد أنشأت تلك القوات التي تدين بالولاء الكامل لها منتصف 2016، وتضم في صفوفها متشددي الحراك الجنوبي المنادي بانفصال شمال اليمن عن جنوبه.
وتنتشر قوات الحزام في كل الحواجز الأمنية والشوارع، وما تزال المدرعات الإماراتية الضخمة تقف أمام مباني المؤسسات. وبالقرب من معسكر للحزام الأمني، يقف جنود يرتدون أزياء عسكرية مع العمامة الإماراتية.
ودعمت الإمارات قيام “المجلس الانتقالي الجنوبي” بقيادة محافظ عدن السابق عيدروس الزُبيدي في مايو/أيار 2017، وكانت تلك الخطوة السياسية قد أسست لواقع جديد يمكنها من تنفيذ أجندتها السياسية بشكل كبير.
كما استثمرت الإمارات فشل الحكومة في توفير خدمات المياه والكهرباء والصحة والتعليم، على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، حسبما يقول مصطفى حسن الذي يعد أحد النشطاء السياسيين بجانب كونه أحد عناصر المقاومة.
رغم أن الرئيس هادي وبعض وزراء الحكومة يقيمون في عدن، فإنهم بلا سلطة ولا سيادة، خصوصاً عقب تصريحات لقائد ألوية الدعم والاسناد في قوات الحزام الأمني العميد منير اليافعي المكنى بـ “أبو اليمامة”.
وتعهد أبو اليمامة في خطب له -خلال حفل عسكري الأحد الماضي- بطرد الحكومة والرئيس هادي من عدن، وإدارة مناطق الجنوب عبر المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات.
وتفرض قوات الحزام سيطرتها على المؤسسات السيادية والأمن والمطار والميناءين الرئيسيين والبنك المركزي في عدن، بينما ظلت القوات الموالية للرئيس هادي في معسكراتها، والبعض من الألوية دُفعت إلى معارك الساحل الغربي.
وقال مصدر حكومي “قد يبدو أن الإمارات تسيطر على مدينة عدن بالكامل من خلال القوات الموالية لها، لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد للحكومة أي دور، فالحكومة ما تزال تعمل في عدن”.
وأجبرت الإمارات الحكومة على توفير الخدمات لسكان المدينة، وما تزال تستأثر بالسيطرة والقوة في المنافذ الرئيسية.
ووفق المصدر فإن “المؤسسات السيادية مثل المطار والميناء تحت سلطة الإماراتيين، حتى أن الإماراتيين حينما يصلون إلى مطار عدن لا يُفتَشون ولا يمرون على الجوازات”.
والأسبوع الماضي، قال وزير النقل صالح الجبواني “ليس لدينا سيطرة على المطار من ناحية أمنية، وتسيطر عليه قوات تتبع أمن عدن -على ما أظن- وأمن عدن يتبع جهة أخرى غير الحكومة معروفين” في إشارة للإمارات.