تصنَّف الإمارات ضمن الدول المناهضة لثورات الربيع العربي، وتتهمها أطراف في عدة بلدان بالسعي إلى إجهاضها وإخمادها، عبر تدمير عملاتها واقتصادها وهو ما يحدث في تدمير عملات ليبيا واليمن والعراق حاليا.
واتهم رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، خالد المشري، أبوظبي، بالعمل على تخريب اقتصاد بلاده وعملتها، وقال قبل أيام: “لدينا معلومات عن أن الإمارات لها علاقة بالمشاكل الاقتصادية التي تعاني منها ليبيا، وسعيها إلى انهيار الدينار الليبي”.
وفي العراق تؤدي الإمارات دوراً خطيراً، في الضغط على الدينار العراقي، عبر تشجيع تهريب الأموال إلى دبي، ومساعدة مليشيات وزعماء طوائف في تهريب النقد الأجنبي إلى خارج العراق، وهو ما يؤدي إلى الضغط بشدة على الدينار ويزيد من حجم المضاربات عليه. ولم ينجُ اليمن من الهجمات الإماراتية على عملته.
انهيار الريال اليمني
تركزت خطط الإمارات لتنفيذ أهدافها الخاصة في اليمن التي شاركت السعودية لأجلها في التحالف، على النَّيل من الرموز السيادية في اليمن، ليسهل العبث به والسيطرة على أهم مواقعه الاقتصادية والجغرافية. إذ كانت العملة في طليعة هذه الرموز المستهدفة، بتنفيذ أول خطوة في هذا الجانب في سبتمبر/ أيلول 2016، بالضغط على الحكومة اليمنية لتتخذ قراراً أثار جدلاً واسعاً بنقل البنك المركزي اليمني الذي كان يعمل بقدر ما هو متاح بحيادية، من صنعاء إلى عدن التي اتخذتها عاصمة مؤقتة.
وتدحرجت كرة النار المتمثلة بانهيار الريال اليمني ضمن عدة مسارات نفذتها الإمارات لتدمير اليمن، بالتوازي، وتمثلت بتقويض السلطات الحكومية الرسمية في كل مناطق الصراع، وخصوصاً المحافظات المعروفة بالمحررة، والتحكم بكل الموارد والمواقع الاقتصادية، واستيراد الوقود، وغسل الأموال وتهريبها، بعد تجميد البنك المركزي اليمني، إثر نقله من صنعاء إلى عدن، مع نفاد الاحتياطي من النقد الأجنبي، واستخدام العملة التالفة، وطبع أوراق نقدية بشكل مختلف عن العملة الوطنية اليمنية، دون تغطية.
ويؤكد خبراء اقتصاد ومصرفيون بحسب صحيفة “العربي الجديد” الصادرة من لندن، تركيز الإمارات خلال سنوات الحرب الدائرة في اليمن على تعطيل النظام المصرفي لليمن وتحويل تدفق السيولة عبر الاقتصاد الموازي والسوق السوداء للصرافين، وتشجيع عمليات غسل الأموال.
وتقدّر تقارير يمنية ودولية هروب ثلاثة أضعاف الاقتصاد اليمني إلى خارج اليمن، من ناحية، وتكوين اقتصاد موازٍ خاص بتجار الحرب، كان الوجه الآخر للسياسة الإماراتية في تدمير العملة والاقتصاد اليمني، وتمثل بانتشار كثيف لشركات الصرافة والسوق السوداء للوقود والكهرباء وشركات خاصة بتوظيف الأموال لسحب فوائض القطاع المصرفي وغسل أموال الحرب، تدار معظمها من أبوظبي ودبي.
ويتطرق الباحث الاقتصادي، نبيل العقيلي، إلى نقطة مهمة في هذا الخصوص، تتعلق بتركة الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وأركان نظامه، التي تقدَّر بمليارات الدولارات، والتي تركز جزء منها في دبي وأبوظبي قبل الحرب، ومن ثم تهريبها عبر شركات توظيف أموال ومصارف إلى هناك.
ويضيف العقيلي أن صالح جمع هذه الثروة الهائلة خلال ثلاثة عقود من حكمه لليمن على حساب إفقار اليمنيين ومعاناتهم. لذا، وفق حديثه لـ”العربي الجديد”، كانت عملية هروب هذه التركة التي استقرت في عدة دول أخرى، أحد أهم الأسباب التي دفعت العملة والاقتصاد اليمني إلى الانهيار، لافتاً إلى أن التركيز على العملة والبنك المركزي باعتبارهما رمزين سياديين لأي دولة واستهدافهما يهزّ كيان أي دولة ويجعلها معرضة للاضطرابات والمخاطر والأزمات.
وتقف الإمارات عائقاً حتى الآن أمام العمليات المصرفية للبنوك اليمنية في الخارج، وخصوصاً في ما يتعلق بإجراءات الاستيراد، التي يحتاج إليها اليمن لضمان واردات السلع الأساسية.
وحسب الخبير الاقتصادي اليمني، ووكيل وزارة المالية الخاضعة لسيطرة الحوثيين، أحمد حجر، فإن الإمارات حضت على استخدام شركات الصرافة أو توظيف الأموال، في غسل الأموال التي كونتها من خلال تجار الحرب عبر الاقتصاد الموازي وتحويل البنك المركزي في عدن إلى أداة لغسل الأموال، مشيراً إلى قضية الفساد التي ظهرت العام الماضي بنهب 6 مليارات ريال من خلال المضاربة بسعر العملة في عدن.
ومع تلاشي العملة الوطنية في كل المحافظات، وصل الأمر إلى أن أصبح “الريال العربي” التسمية المعروفة للعملة السعودية إلى جانب الدرهم الإماراتي بصورة غير مباشرة، عملة “تداول رسمية” في كل التعاملات التجارية والمصرفية في نحو 10 محافظات يمنية.
ومنذ بداية الحرب الدائرة في اليمن، أُفرِغ البنك المركزي اليمني من الاحتياطي النقدي الأجنبي المقدر بنحو 5 مليارات دولار، وأكثر من تريليون ونصف من العملة الوطنية، بينما فقدت العملة، وفق تقارير رسمية، 150% من قيمتها.
وأدى انهيار العملة وأزمة السيولة الحادة إلى ارتفاع التضخّم في اليمن إلى نحو 70%، إضافة إلى ارتفاع كلفة سلة الغذاء 60%، وزاد متوسّط أسعار المواد الغذائية بنحو 150%.
ويعتبر رئيس قسم العلوم المالية والمصرفية في جامعة ذمار اليمنية، محمد الرفيق، أن قرار نقل البنك المركزي له تأثير اقتصادي ظهر من خلال انخفاض القوة الشرائية وارتفاع الأسعار للسلع وزيادة معدلات البطالة.
ولاحظ الرفيق أن نقل البنك المركزي إلى عدن ترافق مع انهيار سعر صرف الريال اليمني، وارتفاع مطرد لأسعار السلع، وانعدام للسيولة من العملة الوطنية، وعجز شبه تام للحكومة في الوفاء بالتزاماتها المالية.
وكان سعر صرف الدولار نحو 225 ريالاً للدولار الواحد مطلع 2015 قبل نحو ثلاثة أشهر من بدء الحرب في اليمن، ثم ارتفع إلى 250 ريالاً في سبتمبر/ أيلول 2016 عندما اتخذت الحكومة اليمنية قراراً بنقل البنك المركزي إلى عدن، ما أدى إلى انهيار سعر صرف الريال ووصوله حالياً إلى 765 ريالاً للدولار في عدن، ونحو 598 في صنعاء حالياً.
الدينار الليبي في محرقة السوق السوداء
تسعى الإمارات إلى السيطرة على شريان الاقتصاد الليبي، عبر تدخلها لإيقاف الحقول النفطية، فضلاً عن تدخلها في إدارة السوق السوداء للعملة، ما أدى إلى انخفاض قيمة الدينار أمام العملات الصعبة.
واستولت الإمارات على مليارات الدولارات من الأموال المهربة من نظام معمر القذافي، وهرّبت أطناناً من الذهب الليبي تراوح بين 50 و55 طناً من الذهب، حسب مصادر لـ”العربي الجديد”.
وأكد مصدران، أحدهما من مصرف ليبيا المركزي، وآخر مستشار في حكومة الوفاق الوطني، أن الإمارات تتدخل في المضاربة بسوق العملة، وأحد رؤوس السوق يقيم حالياً في دبي.
وأوضحا أن الإمارات كان لها دور في ارتفاع سعر الدولار خلال عام 2017، وصولاً إلى 9.5 دنانير، وكذلك خلال عام 2018، وأن الهدف كان إسقاط حكومة الوفاق الوطني.
ومن جانبه، قال عضو اللجنة الاقتصادية في المجلس الأعلى للدولة، سعيد شراد إن الإمارات ضخت ما يقرب من 20 مليار دولار منذ تسع سنوات، من أجل عدم استقرار ليبيا سياسياً واقتصادياً، واتبعت أساليب، منها ضرب العملة المحلية وإنشاء قنوات إعلامية وعرقلة الحياة الاقتصادية وتقديم دعم عسكري للواء المتقاعد خليفة حفتر.
المحلل الاقتصادي، أبو بكر الهادي، يؤكد أن الإمارات تستهدف تقويض الاقتصاد الليبي عبر محاولة تهريب النفط الليبي أو وقفه. وأشار إلى أن الإمارات سعت إلى تكوين حساب مصرفي للإيرادات النفطية بشكل غير رسمي.
وقال إن سوق العملة تديره أيادٍ خفية من الإمارات، وإن أحد رؤوس السوق “س. ب” موجود في دولة الإمارات ويضارب بالعملة المحلية، ما سبّب انخفاضاً في قيمتها.
واتهم رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، خالد المشري، الإمارات بالعمل على تخريب الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية. وقال إن أبوظبي كانت لها علاقة بقصف عدة مواقع في ليبيا، وكذلك محاولات ضرب العملة المحلية، ووقف إنتاج النفط.
وكشفت بيانات رسمية لدى مصلحة التعداد والاحصاء، أن السنوات الأخيرة شهدت تهريب أطنان من الذهب الليبي إلى الإمارات قدّرت قيمتها بنحو 3 مليارات دولار. وأكدت بيانات إدارة التجارة الخارجية في مصلحة التعداد والإحصاء التابعة لوزارة التخطيط بحكومة الوفاق الوطني، أن الكميات التي هُرِّبَت من ليبيا إلى الإمارات تراوح بين 50 و55 طناً من الذهب.
وقال مسؤول بارز في لجنة ليبية، معنية بملاحقة الأموال المنهوبة، خلال فترة ثورة 17 فبراير 2011، التي أطاحت نظام معمر القذافي، إن الإمارات تلقت أكثر من نصف المبالغ المهربة التي جرى حصرها، ورُفع ملف بشأنها إلى لجنة العقوبات في هيئة الأمم المتحدة.
استنزاف العملة الصعبة في العراق
يؤكد مسؤولون عراقيون ومراقبون ارتفاع معدل التحويلات المالية من العراق إلى الإمارات، خلال الأشهر الماضية، خاصة بعد الأزمة المالية التي عصفت بالبنوك اللبنانية وتشديد السلطات العراقية عمليات تحويل الأموال بالعملة الصعبة إلى إيران استجابة للعقوبات الأميركية المفروضة على طهران.
ووفقاً لمسؤولين عراقيين، فإن دبي أصبحت وجهة لهجرة الأموال من العراق، بعد تقديم البنوك الإماراتية تسهيلات كبيرة تتعلق بفتح حسابات بنكية أو قبول تحويل الأموال بالعملة الصعبة، بغضّ النظر عن كميتها، معتبرين أن ذلك يمثل استنزافاً للعملية الصعبة، وبذات الوقت أضرّ بالبنوك العراقية.
وقال مسؤول في هيئة النزاهة إن دبي أزاحت بيروت عن صدارة الأموال غير النظيفة التي تخرج من العراق بفعل عمليات وجرائم فساد مالي وصفقات مالية واستثمارات غير موافقة للقانون، يتورط بها سياسيون ومسؤولون بمختلف المستويات.
ولفت المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، أن الإمارات تمارس تشجيعاً أمام جذب العملة الصعبة، وهذه سياسة لا تتعلق بالعراق فقط، بل يبدو أنها تستهدف دولاً أخرى في ذلك.
ومطلع الشهر الحالي، أدرجت المفوضية الأوروبية العراق إلى جانب دول أخرى مثل أفغانستان، وباكستان، وسورية، واليمن، وإيران وكوريا الشمالية، ضمن قائمة الدول التي تشكل مخاطر مالية على الاتحاد الأوروبي، بسبب قصور في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي، جمال كوجر، قال إن الحكومة العراقية يقع على عاتقها اتخاذ الإجراءات اللازمة في مجال نقل الأموال وغسلها.
وبين كوجر أن “الاستمرار بعمليات تهريب بهذه الطريقة سيكون له تأثير بالسيولة النقدية والمالية الموجودة في خزينة الدولة أو في المصارف العراقية”.
فيما قالت الخبيرة الاقتصادية العراقية سلام سميسم، إن “هذه العمليات سيكون لها تأثير كبير وخطير في الأمن المالي للعراق، وغير مستبعد أن هذه العمليات قد تدفع إلى جعل الوضع المالي العراقي مشابهاً للوضع اللبناني”.
واتهمت سميسم مسؤولاً عراقياً سابقاً في هيئة الأوراق المالية العراقية، قالت إنه متقاعد الآن وله تفاهمات مع رابطة المصارف الخاصة في بغداد، ويعمل مندوباً لعمليات نقل الأموال وتحويلها إلى الإمارات.