موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

قاعات المحاكم في الإمارات أدوات لإسكات الأصوات الحرة

1٬622

في مشهد يعكس عمق الانحدار الحقوقي الذي تعانيه دولة الإمارات، تُحوَّل قاعات المحاكم إلى أدوات لإسكات الأصوات الحرة، ويتحوّل القانون إلى سيفٍ مسلّط على رقاب كل من يجرؤ على التعبير، لا ملاذ للعدالة.

وأبرز مركز مناصرة معتقلي الإمارات أنه في 26 يونيو 2025، أيدت المحكمة الاتحادية العليا أحكامًا جائرة بالسجن المؤبد بحق 24 سجين رأي فيما يعرف بقضية “العدالة والكرامة” — في إشارة مشؤومة إلى العناوين المضللة التي تطلقها السلطات على قضايا تعصف بأبسط حقوق الإنسان.

استغلال فج للقضاء: العدالة سلاح للانتقام

هذه الأحكام ليست سوى جزء من حملة قمع متصاعدة أعادت الإمارات تفعيلها مطلع عام 2024، في سياق سياسة منهجية هدفها القضاء على ما تبقى من أي مساحة للتعبير أو الإصلاح.

لم تكتف السلطات الإماراتية بإنهاء محكوميات المعارضين، بل لجأت إلى تلفيق اتهامات جديدة بحقهم فور انتهاء مدة سجنهم، وأحالت 84 شخصًا — أغلبهم من ذوي التوجهات الإصلاحية — إلى محاكمات جديدة بتهمة “إنشاء تنظيم سري”، في سابقة قضائية تعكس العبث الكامل بمفاهيم سيادة القانون.

إن هذه الممارسات تكشف عن نهج واضح في استخدام القضاء كوسيلة للعقاب، لا كضمان للعدالة. لا وجود لاستقلالية السلطة القضائية، ولا لحق الدفاع، ولا لمبادئ المحاكمة العادلة، بل هناك منظومة قضائية مكرّسة لخدمة الأجهزة الأمنية وتلميع قرارات السلطة التنفيذية.

“مراكز المناصحة” كأداة قمع إضافية

في تحدٍ صارخ للقانون الدولي، تواصل الإمارات احتجاز العديد من المعتقلين رغم انتهاء فترات سجنهم، داخل ما يُعرف بـ”مراكز المناصحة”.

ويستند هذا الاحتجاز إلى مواد قانونية فضفاضة وغامضة في قانون مكافحة الإرهاب، تتيح سلب حرية الأشخاص إلى أجل غير مسمى بحجة “تقييم الخطورة المستقبلية”.

هذه السياسة المقلقة تمثل اعتداءً صريحًا على حقوق الإنسان، وتهدف إلى ترهيب المجتمع بأكمله، عبر بث رسالة مفادها أن الإفلات من القمع غير ممكن حتى بعد إنهاء مدة السجن. إنها محاولة لمأسسة القمع، وتحويله إلى نمط حكم دائم، بدلًا من أن يكون الاستثناء الذي تحاربه الدول الديمقراطية.

قمع متواصل منذ “الإمارات 94”

قضية “الإمارات 94” لا تزال المثال الأوضح على مدى تغوّل القمع. هؤلاء المواطنون، الذين لا جريمة لهم سوى توقيعهم على عريضة تطالب بإصلاحات ديمقراطية، يواجهون منذ عام 2012 سجونًا ومعاملة لا إنسانية، حُرموا خلالها من حقوقهم الأساسية، بل أصبحوا أيقونة تُذكر العالم بأن الإمارات لا تتسامح مع أي رأي حر، مهما كان سلميًا أو معتدلًا.

ورغم الدعوات المتكررة من قبل منظمات حقوقية دولية، ومجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة المعنية بالاحتجاز التعسفي، تطالب بالإفراج الفوري عنهم، ترفض السلطات الإماراتية هذه المطالب في استخفاف كامل بالشرعية الدولية، وتتعامل مع الانتقادات كـ”تدخل خارجي” بدلًا من كونها ملاحظات جوهرية على سجل حقوقي قاتم.

القوانين كواجهة لـ”الشرعنة الزائفة”

تدّعي الإمارات أن كل الإجراءات ضد المعتقلين السياسيين تتم وفق “قوانين سارية”، لكن الواقع أن هذه القوانين — مثل قانون مكافحة الإرهاب وقانون الجرائم الإلكترونية — فُصّلت خصيصًا لإسكات الأصوات المعارضة. إنها قوانين فضفاضة تسمح بتجريم أي نشاط سياسي أو مدني، حتى وإن كان في إطار التعبير السلمي أو التدوين على وسائل التواصل.

بل إن مجرد تغريدة تنتقد السلطات، أو توقيع على عريضة إصلاحية، قد تجر صاحبها إلى سنوات طويلة من السجن، وربما إلى محاكمات جديدة بعد انتهاء العقوبة، في نموذج مستنسخ من أكثر الأنظمة الاستبدادية في التاريخ المعاصر.

أين “التسامح” المزعوم؟

لا تتوقف المفارقة عند حدود الممارسات القمعية، بل تتعمق عندما نتذكر أن الإمارات تروّج لنفسها عالميًا باعتبارها “عاصمة التسامح”.

لكن الحقيقة على الأرض تقول إن التسامح في الإمارات محصور في الخطابات الدعائية، والمعارضات التجميلية، والاحتفالات الشكلية، فيما يُقابل كل صوت حر بالسجن والملاحقة والنفي والتشهير.

السلطات الإماراتية التي تستثمر مليارات الدولارات في تحسين صورتها عبر شركات العلاقات العامة ومنصات التأثير، تعجز عن إخفاء حقيقة أنها تقود واحدًا من أكثر الأنظمة قمعًا في العالم العربي، وفقًا لتقارير منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ومنظمات الأمم المتحدة.

وتؤكد أوساط حقوقية أن السكوت الدولي عن هذه الانتهاكات يغذّي استمراريتها. إن الشراكة الغربية مع الإمارات، خاصة في ملفات الأمن والطاقة والاقتصاد، لا يجب أن تكون غطاءً لتجاهل القمع.

ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يستمر في معاملة الإمارات كدولة “حديثة ومعتدلة” بينما تُقمع حرية التعبير فيها بوحشية، ويُسجن المدافعون عن الحقوق لعقود، وتُحتجز عائلاتهم كرهائن ضمن دائرة الضغط والترهيب.

إذ أن ما يجري في الإمارات ليس “خللًا قانونيًا”، بل سياسة دولة ممنهجة تقوم على إلغاء الآخر، وتجريم الكلمة، ومصادرة المستقبل السياسي للشعب. قاعات المحاكم ليست مؤسسات للعدالة، بل ممرات عبور نحو السجون الطويلة. ومن يسكن هذه الزنازين ليسوا مجرمين، بل أحرار دفعتهم إرادتهم في التغيير نحو مصير تُصر السلطة على أن يكون الظلمة والنسيان.