يوغل الجنرال المتقاعد خليفة حفتر المدعوم من دولة الإمارات لتخريب وتدمير ليبيا في ارتكاب مجازر مروعة بحق المدنيين وذلك سعيا لتعويض فشله في اقتحام العاصمة الليبية طرابلس مقر الحكومة المعترف بها دوليا.
وتظهر تطورات الحقائق على الأرض أن حفتر اختار التصعيد التدميري في المعركة التي يخوضها من أجل السيطرة على طرابلس.
وبعد حوالي خمسة أشهر من بدء الهجوم على العاصمة الليبية فشل حفتر في إنجاز الاختراق السريع الذي كان يأمله للسيطرة علي العاصمة وهو ما يلحق الضرر بصورته لدى الداعمين له ويدفعه للتصرف بعدوانية أكبر.
إذ أن حفتر لم يتمكن من تحقيق نجاحات تذكر في الهجوم المضاد الذي شنه في أعقاب خسارته لمدينة غريان الاستراتيجية كما أنه يُعاني من نقص في الرجال والإمكانيات وتبعا لذلك فهو يُغطي على نقائصه فوق الميدان بتكثيف الهجمات الجوية المدمرة ليس على طرابلس فقط بل أيضا على مصراته وأخيرا على مُرزوق، جنوب غرب البلاد.
ويبدو أن المأزق الحالي الذي يُعاني منه حفتر حول طرابلس قد تكون له تبعات على وضعه في المنطقة الشرقية التي بدأت تظهر فيها علامات التململ بل الانشقاق بسبب الفساد السائد داخل معسكره واليد الحديدية التي يُسيّر بها المنطقة.
ويجمع مراقبون على أن حفتر تمكن حتى الآن من الحفاظ على موقعه بفضل دعمه من النظام الإماراتي بالمال والأسلحة لكن في ظل غياب انتصارات عسكرية، فإن صورته كرجل قوي بصدد التشوه.
ولوحظ مؤخرا تنامي مظاهر الغضب والاستياء التي تواترت في الأشهر الأخيرة ضد حفتر في مدينة بنغازي وفي أوساط قبيلة العواقير والقبائل المجاورة لأجدابيا ولدى قبائل التبو والطوارق.
ومنذ بدء هجوم حفتر على العاصمة طرابلس، اكتفى المجتمع الدولي بتوجيه الإدانة بشكل عام لـ”الأطراف الليبية”، والمطالبة بـ”وقف القتال والتصعيد”، من دون إدانة حفتر بشكل مباشر.
وتوالى استهداف طيران حفتر للأحياء والمنشآت المدنية بحيث أصبح من غير الممكن إنكاره، إذ في منتصف إبريل/نيسان الماضي قتل ما لا يقل من ثمانية مدنيين وأصيب أكثر من 24 آخرين في قصف جوي على حي أبوسليم.
كما أشارت مصادر إعلامية ليبية إلى أن مطار امعيتيقة، وهو المطار المدني الوحيد، استهدف من قبل طيران حفتر أكثر من 15 مرة، منذ عدوان حفتر في إبريل/نيسان الماضي، رغم الإدانات الدولية المتكررة والمطالبة بوقف استهداف المطار.
وفي مطلع يوليو/تموز الماضي، اتهمت حكومة الوفاق قوات حفتر بتنفيذ غارة جوية على مقر لمهاجرين غير شرعيين في منطقة تاجوراء، شرق طرابلس، أدت إلى مقتل قرابة الستين مهاجرا، بالإضافة إلى عشرات المصابين.
وفي الخامس من الشهر الجاري، استهدف طيران حفتر حي القلعة في مدينة مزرق، جنوب البلاد، ما أدى إلى مقتل 42 مدنيا، وإصابة 51 آخرين، بحسب بيان للبعثة الأممية، اكتفت فيه بالتنديد باستهداف المدنيين من دون توجيه الإدانة لقوات حفتر التي اعترفت بشكل رسمي بالقصف على لسان المسماري، في مؤتمر صحافي في اليوم ذاته.
بل طاولت غارات حفتر مرافق الرعاية الصحية، التي أكدت البعثة أنها رصدت 37 اعتداء على تلك المرافق والعاملين فيها منذ بدء عملية حفتر على العاصمة طرابلس.
والبعثة التي لم تشر أيضا إلى تورط حفتر في هذه الاعتداءات رغم توصيفها بأنها “جريمة حرب”، أكدت أنها ألحقت الضرر بما لا يقل عن 19 سيارة إسعاف و19 مستشفى، وأسفرت عن مقتل ما مجموعه 11 شخصاً، وإصابة أكثر من 33 آخرين بجروح، مشيرا إلى احتمال أن يكون العدد الفعلي للضحايا أعلى من ذلك بكثير.
من جانبها، ذكرت منظمة الصحة العالمية أنه حتى مطلع الشهر الجاري سقط ما لا يقل عن 106 مدنيين من أصل 1048 قتيلا هم حصيلة ضحايا حرب حفتر على العاصمة طرابلس، بالإضافة إلى أكثر من 5 آلاف جريح.
وأمام ما يتم ارتكابه من مجازر مستمرة، يرى مراقبون أنه إذا ما عرضت المجموعة الدولية والحكومات الغربية خيارا آخر يشعر فيه سكان المنطقة الشرقية أنهم جزء لا يتجزأ منه ودون الخشية من التعرض لأعمال انتقامية أو للتهميش، حينها يُمكن حصول عملية انتقالية مرتبة. أما إذا لم يحصل تطور من هذا القبيل، فإن منافسا (لحفتر) سيظهر في نهاية المطاف وعندها ستندلع معارك بين الأشقاء قد تُغرق الشرق في الفوضى وهو ما تتآمر عليه الإمارات.
كما تدفع الإمارات ليبيا إلى مربع من الفوضى والفلتان عبر تهيئة البيئة للمجموعات الأصولية المتطرفة للاستفادة من هذه الأوضاع المتفجرة للتحرك من جديد.
وقبل بدء حفتر عمليته على معركة طرابلس في أبريل الماضي كان يُسجّل هجوم من طرف تنظيم “الدولة الإسلامية” مرة كل ستة أشهر. ومنذ ذلك الحين، سُجّلت بعدُ سبعة أو ثماني هجمات”.
وخطر قيام التنظيم بتوسيع مجال نفوذه من خلال استخدام الفوضى السائدة كتغطية يظل كبيرا. وهذا الأمر لن يُشكل تهديدا لليبيا فحسب بل للمنطقة أيضا.