تكبدت كبرى مؤسسات اقتصاد دولة الإمارات خسائر قياسية وسط انهيار تدريجي بفعل فشل النظام الحاكم وتخبط سياساته.
وانخفضت الأرباح المجمعة للبنوك المدرجة في سوق أبو ظبي للأوراق المالية بنهاية النصف الأول من العام الحالي إلى 7.26 مليارات درهم وبنسبة انخفاض بلغت 35% مقارنة بأرباح قدرها 11.23 مليار درهم تم تحقيقها خلال الفترة المماثلة من العام 2019.
وتراجعت أرباح بنك أبو ظبي الأول -أكبر بنك في الإمارات وثاني أكبر البنوك الخليجية- بنسبة 24% لتبلغ 4.82 مليارات درهم بنهاية النصف الأول من 2020، وهو ما يعادل أكثر من 66% من إجمالي صافي أرباح القطاع خلال الفترة الحالية.
وفي دبي انخفضت الأرباح المجمعة للشركات المدرجة بسوق دبي المالي إلى 5.3 مليارات درهم بنهاية الربع الثاني من 2020 مقارنة بـ11 مليار درهم تم تحقيقها خلال الفترة نفسها من عام 2019، وذلك بنسبة تراجع بلغت 52%.
وتراجع سوق دبي المالي عند الإغلاق اليوم بنسبة 0.67%، كما أغلق سوق أبو ظبي للأوراق المالية على انخفاض بنسبة 0.63%.
وجمعت أبو ظبي 5 مليارات دولار من خلال طرح سندات في 3 شرائح، وهي ثالث خطوة تخطوها الإمارة الخليجية الغنية بالنفط في أسواق السندات العالمية هذا العام لدعم ماليتها بعد هبوط أسعار النفط الخام.
في انتكاسة غير مسبوقة لاقتصاد دولة الإمارات بفعل فساد وفشل النظام الحاكم في الدولة، تراكمت الديون على العاصمة أبوظبي لتمتد 50 عاما قادمة.
وتخطت أبو ظبي كلّاً من السعودية ومصر في طرح أدوات دين، هي الأطول زمنياً على الإطلاق في المنطقة العربية وبلدان الشرق الأوسط، ما يؤشر إلى دخول الدولة حقبة تاريخية جديدة تمتد لنحو نصف قرن من الديون.
وكشفت وثيقة أن أبوظبي بدأت تسويق إصدار سندات مقومة بالدولار، ينقسم إلى ثلاث شرائح لأجل ثلاث سنوات وعشر سنوات ونصف السنة و50 عاماً.
وكانت السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، قد تقاسمت مع مصر لقب البلد الأطول في سنوات الاقتراض، بعد أن طرحت سندات دولية في إبريل/ نيسان الماضي يصل أجلها إلى 40 عاماً، وهي نفس المدة التي جعلت مصر حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 صاحب لقب البلد الأول عربياً في مدة الاقتراض على الإطلاق.
وأفادت وثيقة صادرة عن أحد البنوك، التي تدير طرح السندات لصالح أبوظبي، بأن سعر الفائدة للشريحة الأطول، التي تُستحق في 2070، يزيد بنسبة 3% فوق عائد سندات الخزانة الأميركية.
وتحددت أسعار الفائدة على سندات الخزانة الأميركية خلال أغسطس/ آب الجاري بواقع 1.347% لأجل 30 عاماً.
وبدأت الإمارات، عام 2020 بإطلاق أكبر ميزانية اتحادية في تاريخها بمقدار 61 مليار درهم (16.6 مليار دولار) بعجز صفر، إلا أن جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية تتجه بالدولة إلى تسجيل أسوأ عام في تاريخها.
ويعمد النظام الإماراتي إلى حجب البيانات الرسمية بشأن حدة التدهور الاقتصادي غير المسبوق في الدولة في ظل رصد دولي بأن العجز ارتفع إلى 40 ضعفا.
لكن صندوق النقد الدولي توقع في يونيو/حزيران الماضي انكماش اقتصاد الإمارات بنسبة 4.3% في 2020، وارتفاع العجز بأربعين ضعفاً عنه في 2019.
ومؤخراً ذكرت وكالة موديز للتصنيف الائتماني العالمية، أن الإمارات ستعاني من انكماش حاد، مشيرة إلى أن ديون الكيانات المرتبطة بحكومة دبي لا تزال أكثر عرضة للمخاطر الكلية بسبب حيازتها في قطاعات العقارات والنقل والسياحة.
وحديثا قال موقع “وورلد بوليتكس ريفيو” الأمريكي إن دولة الإمارات ستفقد مليون وظيفة وسيهاجر 10% من سكانها على الأقل بفعل ما تشهده من انهيار اقتصادي غير مسبوقة.
وذكر الموقع في تقرير مطول له أن التعديلات الحكومية الأخيرة في الإمارات كانت أكثر خطورة من حيث النبرة والمضمون، وهي تعكس بشدة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه البلاد.
وأوضح التقرير في مقدمة تهدف لمعرفة حجم المشكلة، إلى أن الإمارات قد أعلنت، الشهر الماضي، وسط تفشي فيروس كورونا عن إعادة هيكلة واسعة النطاق للوكالات الحكومية وكبار الموظفين، مشيراً إلى تصريحات لرئيس الوزراء الإماراتي وحاكم دبي، محمد بن راشد قال فيها إن الهدف من التغييرات هو “صياغة حكومة رشيقة سريعة في ترسيخ الانجازات”.
وأشار إلى أن التعديلات الحكومية السابقة كانت ملحوظة، ولكنها كانت تهدف لتحقيق نوع من “العلاقات العامة”، بما في ذلك إنشاء وزارة للسعادة والتسامح في عام 2016 ووزارة “اللامستحيل” في العام الماضي، في حين أن التعديلات الأخيرة تحاول توفير مؤشرات على سياسة الحكومة فيما يتعلق بالتكيف مع حقبة كوفيد- 19.
وعلى أية حال، توفر عملية إعادة الهيكلة مؤشرات واضحة حول توجهات الإمارات في التكيف مع حقبة وباء كورونا.
ويضيف التقرير أن أهم القطاعات الاقتصادية في الإمارات تأثرت بشدة جراء التراجع الحاد في السياحة وانهيار سوق النفط العالمي، وكان تأجيل معرض دبي إكسبو 2020 بمثابة طلقة في ذراع الاقتصاد المضطرب.
وأوضح التقرير أن محمد بن راشد قد أعلن أن الحكومة ستخفض على مدار عامين 50 في المئة من الكيانات الاتحادية من خلال عمليات الدمج وخفض المراكز إلى النصف عن طريق تحويلها إلى منصات رقمية عبر الإنترنت، في محاولة لتحقيق نوع من الوفرة في الكفاءات وتنفيذ خطة رقمنة الوظائف الحكومية.
وسط هذه التغيرات، لم يتغير ميزان القوى في قيادة الحكومة بطريقة ذات مغزى، حيث بقيت المناصب العليا في وزارات الداخلية والخارجية وشؤون الرئاسة في أيدي سيف بن زايد وعبدالله بن زايد ومنصور بن زايد وكبار أسرة آل نهيان الحاكمة في أبو ظبي وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد الحاكم الفعلي لدولة الإمارات.
كما أشار تقرير ” وورلد بوليتكس ريفيو” إلى أن محمد بن راشد ما زال يحتفظ بمنصبه كوزير للدفاع بالإضافة إلى كونه رئيساً للوزراء ونائباً للرئيس منذ عام 2004، تماماً مثل اخيه الأكبر الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، الذي يحتفظ بمنصب وزير المالية، ولكن دورهما، في الواقع، أصبح احتفالياً إلى حد كبير على مر السنين، حيث تم نقل مسؤوليتهما إلى وزراء الدولة من المستوى الأدنى.
وأكد التقرير أن محمد بن راشد وشقيقه حمدان لا يمارسان في الواقع أي سلطة حقيقية لصنع السياسة، وعلى حد تعبير الكاتب، لم يُسمع عن حمدان بالذات أي شيء، مشيراً إلى أن ما يحدث هو اعتراف معنوي بتوازن القوى بين الإمارات السبع، على الرغم من أن أبو ظبي قامت بتركيز السلطة على مدى العقد الماضي.
واشتملت عملية إعادة الهيكلة في 5 يونيو/ تموز على دمج الكيانات الحكومية وتعيين وزراء لرئاسة الحقائب الجديدة، وعلى سبيل المثال، سيقود سهيل المزروعي وزارة الطاقة والبنية التحتية، كما تم دمج عدد من المرافق والخدمات العامة، بما في ذلك الهيئة الاتحادية للكهرباء والماء والخدمات البريدية، وتم وضع وزارة الصناعة والتكنولوجيا في أيدي سلطان أحمد الجابر وتم تأجيل منصب وزير السعادة بهدوء.
ولاحظ التقرير أن تعيين محمد الكويتي كرئيس للأمن السيبراني قد جذب بعض الاهتمام، لأنه غير معروف ومن غير الواضح كيف سيتمكن من العمل في مواجهة وكالة الأمن الإلكتروني، التي أصبحت مرتبطة بشكل وثيق مع نجل ولي العهد، خالد بن محمد بن زايد، الذي يعتقد العديد من المراقبين أنه وريث والده وخليفته في نهاية المطاف بمجرد أن يخلف محمد بن زايد أخيه غير الشقيق خليفة بن زايد آل نهيان (71 عاماً) رئيس الإمارات، بصفته حاكماً لإمارة أبو ظبي.
وسيتعرض محمد بن راشد، بعد هذا التعديل، لضغوط لتحقيق النتائج وتحويل الاقتصاد الذي أظهر الكثير من الضعف في العديد من القطاعات الرئاسية، مثل تجارة الجملة والتجزئة والخدمات المالية.
وأشار التقرير إلى أن دبي، على وجه الخصوص، قد أبلغت عن عدة سنوات من النمو الاقتصادي الضعيف، وأن اقتصادها الموجه نحو الخدمات سيتأثر بقوة من الجمود في السفر والسياحة، أكثر بكثير من اقتصاد أبو ظبي القائم على النفط.
الاستنتاج الذي خرج به التقرير لا يحمل أي علامة تفاؤل بالنسبة لمستقبل الاقتصاد الإماراتي، إذ أكد الكاتب أن التدفق الواسع للمغتربين والعمال المهاجرين إلى خارج البلاد سيؤدي إلى انكماش الطلب على قطاع الاقتصاد غير النفطي والخدمات، وأشار الموقع إلى تقرير حديث نشرته مجموعة ” أكسفورد إيكونمست” أفاد أن الإمارات ككل ستفقد ما يصل إلى 900 ألف وظيفة على الأقل و10 في المئة من عدد سكانها نتيجة للوباء.
وكان من المقرر أن تحتفل الإمارات في عام 2021 بالذكرى الخمسين لتأسيس الدولة والتعبير عن نموها السريع، ولكن بدلاً من ذلك، يضيف الكاتب، ستؤدي الأزمة الصحية العالمية غير المسبوقة إلى تقويض جهود البلاد لوضع نفسها كمركز على الخارطة، بما في ذلك في قطاعات النقل والتجارة والسياحة.