في الوقت الذي تسعى فيه أبوظبي لتعزيز شراكاتها الاستراتيجية مع واشنطن، برز اسم مارتين إيدلمان، المحامي اليهودي الأمريكي المخضرم، كأحد أبرز الشخصيات التي تلعب دورًا محوريًا خلف الكواليس في هندسة العلاقات بين الإمارات والولايات المتحدة، لا سيما خلال عهد دونالد ترامب.
إيدلمان (83 عامًا)، الذي يوصف في أوساط المال والسياسة بـ”رجل مانهاتن في أبوظبي”، تحول من محامٍ عقاري في نيويورك إلى مستشار موثوق للعائلة الحاكمة في الإمارات، ووسيط فاعل في صفقات كبرى تمس ملفات حساسة من كرة القدم إلى الذكاء الاصطناعي.
ينحدر إيدلمان من عائلة يهودية ليبرالية في نيويورك، ودرس في جامعة برينستون ثم التحق بكلية الحقوق في كولومبيا.
وقد بدأ مسيرته في كتابة خطابات المدعي العام الأمريكي روبرت كينيدي، وخدم لاحقًا في الجيش الأمريكي خلال حرب فيتنام.
عند عودته، شق طريقه في سوق العقارات، وأبرم صفقة شهيرة مع نجم البيسبول جاكي روبنسون، ممهّدًا لمسيرة طويلة في عالم المال.
نقطة التحول جاءت عام 2002، حين زار الخليج العربي برفقة الجنرال الأمريكي تومي فرانكس.
تلك الزيارة قادته إلى أبوظبي، حيث ربطته علاقات وثيقة بالشيخ محمد بن زايد وشقيقه طحنون بن زايد، اللذين رأوا فيه وسيطًا فريدًا يجمع بين فهم الثقافة الغربية والخليجية.
مستشار موثوق في قصر الحكم
بعيدًا عن الأضواء، تم تعيين إيدلمان مستشارًا خاصًا للدولة، في خطوة نادرة لشخص أجنبي، وحصل لاحقًا على الجنسية الإماراتية.
منذ ذلك الحين، أصبح عنصرًا أساسيًا في هندسة صفقات بارزة للإمارات، منها صفقة شراء نادي مانشستر سيتي عام 2008، وتأسيس فرع جامعة نيويورك في أبوظبي عام 2010.
كما لعب دورًا رئيسيًا في دعم طموحات أبوظبي في مجال التكنولوجيا، لا سيما في شراكاتها مع شركات مثل G42 ومجموعة رويال، وسعيها لاقتناص حصة من رقائق شركة “إنفيديا”.
صلة الوصل بين ترامب وأبوظبي
بفضل شبكة علاقاته الواسعة، حافظ إيدلمان على موقعه كقناة تواصل غير رسمية بين العواصم.
فهو يرتبط بعلاقات قوية مع الديمقراطيين من آل كينيدي إلى جورج سوروس، وفي الوقت نفسه يتمتع بصداقة قديمة مع دونالد ترامب تعود إلى أيام ازدهار العقارات في الثمانينات.
هذا الموقع الفريد أهّله للعب دور بارز في تنظيم زيارة ترامب الأخيرة لأبوظبي، التي شهدت توقيع اتفاق استراتيجي لتعزيز التعاون في مجال الذكاء الاصطناعي، بما يشمل إنشاء مجمع ضخم لتقنيات الحوسبة والطاقة بسعة 5 جيجاوات، وفق وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية.
تسويات الذكاء الاصطناعي والاستثمار الرقمي
وبموجب الاتفاق، ستسهم الولايات المتحدة في تسهيل نقل التكنولوجيا المتقدمة إلى الإمارات، مقابل التزام أبوظبي بالمعايير الأمنية الأمريكية.
كما ستُشكّل مجموعة عمل مشتركة لمتابعة تنفيذ الاتفاق، فيما يُنتظر أن تبدأ الإمارات استثمارات مباشرة في البنية التحتية الرقمية داخل الأراضي الأمريكية.
وفي هذا السياق، أُطلق حوار الأعمال الإماراتي-الأمريكي من أبوظبي، بمشاركة الرئيس ترامب وولي عهد الإمارة خالد بن محمد بن زايد.
“حلّال المشاكل” في مجلس أبوظبي
وفق شهادات مقرّبين، يُنظر إلى إيدلمان كشخصية موثوقة لا تُصنّف سياسيًا، بل كوسيط يجيد التحرك بين عوالم معقدة.
ويقول عنه صديقه ومستشار ترامب، ستيف ويتكوف: “سر مارتي هو أنه محل ثقة الجميع. لا يُنظر إليه كمتحيّز سياسيًا، بل كحلّال للمشاكل”.
ويواصل إيدلمان حياته بين نيويورك وأبوظبي، حيث يبدأ يومه بمكالمات ومتابعات تبدأ من الرابعة والنصف صباحًا، ويشارك في اجتماعات تمتد من مجلس العائلة الحاكمة إلى كبرى شركات التكنولوجيا في مانهاتن.
وبفضل موقعه الفريد وعلاقاته المتشابكة، بات إيدلمان أحد أبرز رموز شبكة النفوذ التي تدير علاقات أبوظبي بالغرب، ووجهًا غير رسمي لاستراتيجياتها التوسعية، خصوصًا في حقول الاقتصاد والتكنولوجيا والدبلوماسية الخفية.
وبينما تتسابق القوى الكبرى لنيل حصة من ثروات أبوظبي السيادية، يظل “رجل مانهاتن” حاضرًا في صلب القرار.
