كشف توثيق حقوقي عن اعتقال دولة الإمارات العربية المتحدة 200 معتقل رأي على الأقل يتعرضون للتعذيب الجسدي والنفسي ويجبرون على تقديم اعترافات تحت الضغط.
جاء ذلك خلال ندوة بشأن حالات “الاختفاء القسري والتعذيب وسوء معاملة السجناء في الإمارات”، على هامش اجتماعات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في مدينة جنيف السويسرية.
وقالت مؤسسة الكرامة لحقوق الإنسان إنّ “الإمارات لم تسمح بإجراء تحقيق حقيقي، والضحايا يتعرضون لممارسات تنتهك القوانين الدولية”، مضيفةً أن “سجناء الرأي يتعرضون للتعذيب في سجونها ويجبرون على التوقيع على اعترافات”.
وأوضحت “الكرامة” أنّ هناك عمليات سجن واسعة النطاق، وحرمان من الحريات وأدوات القانون تجرم حرية التعبير.
وأشارت إلى أنه “لا يوجد في الإمارات مجتمع مدني؛ لأن الحقوق المدنية مقيدة، وليس هناك حرية تعبير، خصوصاً أن واقع حقوق الإنسان مختلف عن الصورة التي تقدمها الإمارات”.
وفي سياق متصل، طالب “المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان”، في الندوة ذاتها، السلطات الإماراتية بالإفراج الصحي عن المعتقلة “علياء عبد النور”.
وتقبع عبد النور رهن الاحتجاز السري وفي حبس انفرادي لمدة 6 أشهر. وتعرضت للإذلال الجسدي والنفسي الشديد وللتهديدات، وأجبرت على التوقيع على اعتراف مكتوب تم الحصول عليه تحت التعذيب.
وقبل أيام طالب خبراء في الأمم المتحدة دولة الإمارات بإطلاق سراح “عبد النور”، التي تعاني من مرض “فتاك”، مشيرين إلى “تعرضها للتعذيب ومعاملة غير إنسانية ومهينة”.
وكانت المنظمة العربية لحقوق الإنسان كشفت، في تقرير لها بمايو الماضي، أن “تمادي السلطات الإماراتية في تحطيم منظومة القيم والعادات والتقاليد للمجتمع القبلي في الإمارات؛ بتعذيب النساء والتهديد باغتصابهنّ، أمر غير مسبوق في دول الخليج، ويؤكّد أن الأجهزة الأمنية لم تعد تعبأ بأي احتجاج شعبي أو دولي”.
ودعت المجتمع الدولي للضغط على السلطات الإماراتية للإفراج عن كل المعتقلين السياسيين في الإمارات، والتحقيق في كل الانتهاكات التي تعرّضوا لها، ووقف سياسة التعذيب داخل مقار الاحتجاز الإماراتية لكل السجناء.
ويوم أمس نشرت منظمة العفو الدولية (امنستي) تقريرها السنوي لحقوق الإنسان في العالم، وأوردت أوضاع حقوق الإنسان في دولة الإمارات خلال عام 2018، حيث شهدت الدولة انعداماً لحرية الرأي والتعبير في الدولة.
وحسب التقرير فإن مساحة التحرك أمام المجتمع المدني في الإمارات ظلت شبه منعدمة طوال العام؛ حيث ظل أشهر ناشط من نشطاء حقوق الإنسان في الدولة خلف القضبان؛ بينما اشتد مدى الخوف الذي يدفع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والمعارضين للإحجام عن المجاهرة بما حدث لهم.
وقال التقرير: “كثرت الأنباء التي تفيد باعتقال رعايا أجانب على نحو تعسفي في الإمارات. وظلت المرأة معرضة للتمييز على مستوى النص القانوني وعلى مستوى الممارسة الفعلية. وقامت السلطات بإدخال العديد من الإصلاحات في مجال العمل والتي يمكن أن يستفيد منها العمال المهاجرون، لكن هؤلاء العمال ظلوا معرضين للاستغلال في إطار بعض السياسات الأخرى”.
ولفت التقرير إلى أن السلطات الإماراتية ترفض منح الجنسية للآلاف من الأفراد المولودين داخل حدود الإمارات العربية المتحدة، مما يجعلهم في واقع الحال بدون أي جنسية. وتم احتجاز بعض المعتقلين بمعزل عن العالم الخارجي وفي أماكن غير معلومة لعدة أسابيع أو شهور.
وقال التقرير: استمر إسكات النقد الموجه للحكومة عن طريق ملاحقة المعارضين السلميين قضائيا وسجنهم. ففي 29 مايو/أيار، حكم على أحمد منصور، آخر المدافعين عن حقوق الإنسان المعنيين بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات العربية المتحدة والكشف عنها للعالم، بالسجن عشر سنوات بسبب قيامه بنشر تعليقات على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي. وجاء ذلك بعد أكثر من عام قضى أغلبه معتقلا بمعزل عن العالم الخارجي في مكان غير معلوم.
وأضاف “تمت محاكمته في إطار من السرية في واقع الحال، فلم تنشر عنها أية معلومات إلا بعد صدور الحكم. وطبقا للصحافة الإماراتية التي تخضع لرقابة صارمة، فقد أدين أحمد منصور (بنشر معلومات زائفة وشائعات وأكاذيب عن الإمارات العربية المتحدة)؛ مما يؤكد أنه حوكم نظرا لممارسته الحق في حرية التعبير، وهو ما تم تأكيده سابقا في تصريحات حكومية. وفي 31 ديسمبر/ كانون الأول، أيدت محكمة أمن الدولة في المحكمة الاتحادية العليا الإدانة والحكم. واعتبر الحكم نهائيا ولا يمكن الطعن فيه”.
كما ظل ناصر بن غيث الأستاذ الجامعي وسجين الرأي محبوسا بتهم تتعلق بحرية التعبير، وكذلك الأمر بمحامي حقوق الإنسان وسجين الرأي الآخر محمد الركن. وكان بن غيث قد أضرب عن الطعام بينما لا يزال يتناول السوائل منذ (7 أكتوبر/ تشرين الأزل) احتجاجا على ما تعرض له من إهمال طبي وعدم انتظام الزيارات العائلية في سجن الرزين.
وحرم بن غيث من الأدوية التي أخذها قبل دخوله السجن بسبب ارتفاع ضغط الدم وغيره من الأمراض. وكانت صحته في حالة حرجة في نهاية العام.
وتناول تقرير المنظمة الدولية تكرار حلات اعتقال الرعايا الأجانب في الإمارات.
وقال “وردت أنباء كثيرة تفيد باعتقال رعايا أجانب على نحو تعسفي في الإمارات. فقد اعتقل المواطن البريطاني ماثيو هيدجيز، وهو طالب يجري بحثا أكاديميا في الإمارات في مطار دبي الدولي في مطلع شهر مايو/أيار، بينما كان على وشك مغادرة البالد. وقد احتجز على نحو انعزالي أغلب الوقت في ظروف مهينة ولا إنسانية حتى أكتوبر/تشرين الأول، عندما حوكم في محاكمة جائرة بتهمة التجسس لصالح الحكومة البريطانية. وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني، أدين و حكم عليه بالسجن 25عاما. وبعد خمسة أيام تم العفو عنه وأطلق سراحه”.
وأضاف التقرير “كما تعرض العديد من الرعايا اللبنانيين العاملين في قطاع الخدمات للاعتقال التعسفي، في مطلع 2018، وتم احتجازهم طوال العام دون استيفاء الإجراءات السليمة. كما حرموا من الاستعانة بالتمثيل القانوني، ولم يتم إخطارهم بأي تهم منسوبة إليهم”.
وفي سبتمبر/أيلول، اعتقل عبد الجليل سوبي وهو مواطن صيني من طائفة الإيغور العرقية، دون اتهام واحتجز شهرا قبل أن يسمح له بمغادرة الإمارات العربية المتحدة إلى تركيا.
وأكد تقرير العفو الدولية أن دولة الإمارات لم تتخذ أي خطوات للقضاء على التعذيب وغيره من صور المعاملة السيئة في أثناء الاعتقال.
ووثقت منظمة العفو الدولية ثماني حالات خلال 2018 احتجز فيها المعتقلون بمعزل عن العالم الخارجي في أماكن غير معلومة لأسابيع أو شهور، الأمر الذي يؤدي إلى اشتداد خطر حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان.
وفي بعض الحالات، تم احتجاز المعتقلين في ظروف مهينة مع حرمانهم من أدوات النظافة الشخصية ومن فرصة الاستحمام، أو تم تهديدهم باستعمال العنف معهم إلى أقصى حد.
كما اظلت الإمارات العربية المتحدة ترفض منح الجنسية لما لا يقل عن 15ألف فرد ولدوا داخل حدودها، وليس لديهم أي جنسية أخرى، مما يجعلهم في واقع الحال معدومي الجنسية؛ الأمر الذي يحرمهم من مجموعة من الخدمات التي توفرها الدولة مثل التعليم المجاني الذي تتيحه للمواطنين، ويجعل من الصعب عليهم العثور على عمل في الصناعات التي تدعمها الدولة، والتي تشترط الحصول على موافقة أمنية.
جدير بالذكر أن معظم العالقين في وضع انعدام الجنسية من الأهالي الأصليين المقيمين بدولة الإمارات ينتمون للإمارات الشمالية مثل عجمان والشارقة، والتي تعتبر فقيرة إلى حد كبير بالقياس إلى أبو ظبي أو دبي.
وكانت دولة الإمارات قد أبرمت صفقة مع دولة جزر القمر في عام 2008 لإصدار جوازات سفر بمقابل مالي، وزُعم أن الغرض من الصفقة هو توفيق أوضاع السكان منعدمي الجنسية، إلا أن هذه الصفقة أخفقت في حل المشكلة.
فكما حدث في سنوات سابقة، ظل بعض من حصلوا على جواز سفر جزر القمر، الذي تبلغ مدة صالحيته خمس سنوات، بدون جنسية مرة أخرى بعد انتهاء صالحية جواز السفر، وعدم تمكنهم من تجديده نظرا لقيام حكومة جزر القمر بإلغاء هذا البرنامج.