موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

منصة GLIDE الإمارتية: مشروع لوجستي بوجه اقتصادي وهدف احتكاري

711

في الثالث من أكتوبر 2025، أعلنت الإمارات عبر صندوقها الاستثماري الجديد Lunate، وبالشراكة مع شركة Blackstone الأميركية العملاقة، عن تأسيس منصة GLIDE لاستثمار خمسة مليارات دولار في مشاريع المستودعات وسلاسل الإمداد عبر الخليج.

للوهلة الأولى، يبدو المشروع خطوة اقتصادية طموحة تهدف إلى تعزيز التكامل التجاري الإقليمي، لكن خلف هذه الواجهة البراقة يختبئ مشروعٌ أكثر تعقيداً — مشروعٌ يرسم ملامح هندسة اقتصادية جديدة يقف خلفها هوس إماراتي بالتحكم في شرايين التجارة، وتحالفٌ اقتصادي–أمني يعيد ترتيب خريطة النفوذ في الخليج والشرق الأوسط.

أطماع أبو ظبي من الموانئ إلى الممرات التجارية

لا يمكن قراءة “GLIDE” بمعزل عن المسار التاريخي للسياسات الاقتصادية–الأمنية للإمارات منذ أكثر من عقد.

منذ دخولها الحرب في اليمن، رفعت أبوظبي شعار “الاستثمار في الموانئ”، لكنها خرجت بالتحكم الفعلي في الممرات البحرية من عدن إلى المخا وصولاً إلى ميون وسقطرى.

تحت الغطاء ذاته — “التنمية والبنية التحتية” — بنت نفوذها في القرن الإفريقي عبر موانئ عصب وبربرة وبوصاصو، ثم وسّعت استثماراتها اللوجستية إلى البحر الأحمر، لتجد نفسها اليوم تعود إلى قلب الخليج بالمشروع ذاته ولكن بثوب أكثر تطوراً.

وعليه فإنّ “GLIDE” ليست مجرد منصة مالية، بل أداة سيادية ناعمة ضمن ما يسميه بعض المراقبين “اقتصاد السيطرة”، حيث تُستخدم أدوات السوق الحرة لتكريس تبعية اقتصادية للدول المجاورة وربط ممراتها التجارية بعجلة أبوظبي.

الهدف الخفي: إحكام الطوق الاقتصادي

بحسب بيان التأسيس، تهدف المنصة إلى “تحسين كفاءة سلاسل الإمداد وتطوير البنية التحتية اللوجستية في المنطقة”.

لكن المتابعين يرون أنّ الهدف الواقعي هو إحكام الطوق الاقتصادي على الجيران عبر شبكة إمداد مركزها أبوظبي.

عُمان تُحاصر ناعماً من خلال محاولات احتواء ميناء الدقم وممراته الطموحة، التي أرادتها السلطنة بوابتها نحو المحيط الهندي بعيداً عن الهيمنة الخليجية.

الكويت والبحرين تُربطان عملياً بشبكة توزيع مركزية في أبوظبي، ما يعني فقدان استقلال قرارهما اللوجستي والتجاري.

بدورها السعودية، رغم ثقلها الاقتصادي، تواجه محاولات إماراتية استباقية عبر مشاريع لوجستية موازية تهدف إلى عرقلة صعودها كمركز إقليمي للنقل والتجارة.

بكلمات أخرى، تسعى الإمارات لتحويل الخليج إلى “شبكة مرور مغلقة” تمر عبر بوابة أبوظبي فقط، بحيث لا يستطيع أي مشروع تنموي إقليمي أن يتنفس من دون المرور عبر منظومتها المالية واللوجستية.

Blackstone.. الغطاء السياسي الأميركي

دخول شركة Blackstone في الشراكة ليس مصادفة. فهي أكبر مدير للأصول العقارية واللوجستية في العالم، لكنها أيضاً لاعب سياسي بامتياز في دوائر القرار الأميركي.

إذ أن وجودها يمنح المشروع غطاءً أميركياً مزدوجاً:

حماية سياسية من أي اعتراض خليجي أو أوروبي على التوسع الإماراتي.

وضمان بقاء خطوط الإمداد الجديدة متوافقة مع المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، خصوصاً في وجه التمدد الصيني عبر مبادرة “الحزام والطريق”.

غير أن الأهم هو أنّ المستفيد الثالث — وإن بقي في الظل — هو إسرائيل.

إسرائيل في الخلفية

تأتي “GLIDE” متزامنة مع تسارع خطوات إنشاء ما يعرف بـالممر الاقتصادي الهند–الخليج–إسرائيل–أوروبا، المشروع الذي روّجت له واشنطن في قمة العشرين عام 2023.

هذا الممر، الذي يربط موانئ الهند بميناء حيفا مروراً بالخليج، يجعل من إسرائيل نقطة وصلٍ تجاري رئيسية بين آسيا وأوروبا.

ويعني تأسيس منصة “GLIDE” — بمشاركة أميركية وإماراتية —تهيئة البنية التحتية الخليجية لتتصل مباشرة بالموانئ الإسرائيلية، دون إعلان رسمي.

فالتكنولوجيا التي ستدير المستودعات وسلاسل التتبع الذكية ستأتي من شركات أميركية–إسرائيلية، ما يجعل إسرائيل جزءاً من المنظومة اللوجستية الخليجية حتى وإن لم يُكتب اسمها على اللافتة.

البعد التكنولوجي: السيطرة عبر البيانات

بعيداً عن الطابع التجاري، يُخفي المشروع بعداً أمنياً حساساً.

فإدارة سلاسل الإمداد الحديثة تعتمد على أنظمة تتبع رقمية وذكاء اصطناعي لتحليل حركة البضائع والبيانات التجارية.

ومع استقدام التكنولوجيا الإسرائيلية والأميركية إلى قلب المنظومة الخليجية، تتحول المعلومات الاقتصادية الحساسة إلى مادة مفتوحة أمام أطراف خارجية، ما يفتح الباب لتدفق غير مسبوق للبيانات التجارية والاستراتيجية.

بمعنى آخر، لن تسيطر الإمارات فقط على الممرات المادية، بل ستصبح “غرفة التحكم” التي تمر عبرها كل البيانات التجارية في المنطقة.

الصورة الكبرى: استثمار أم إعادة هندسة للخليج؟

في المضمون، يمثل مشروع “GLIDE” خطوة جديدة في هندسة جيو–اقتصادية تهدف إلى إعادة تعريف موازين القوة في الخليج.

تقدّم الإمارات نفسها كـ“مركز الاستقرار الاقتصادي” و“بوابة التجارة العالمية”، لكنها في الواقع تُحوّل الاقتصاد إلى سلاح نفوذ.

فكل ميناء جديد أو مستودع أو مركز لوجستي يتم إنشاؤه بإشراف أبوظبي، يعني مساحة أقل من الاستقلالية الاقتصادية لبقية دول المنطقة.

وإن كان المشروع يُباع للعالم كاستثمار تنموي، فإن حقيقته أقرب إلى تحالف أمني–اقتصادي يعيد رسم السيادة التجارية للخليج لصالح محور يربط أبوظبي وواشنطن وتل أبيب.

في النهاية، “GLIDE” ليست مجرد منصة مالية جديدة، بل امتداد لسلسلة مشاريع تهدف إلى توحيد الممرات تحت قيادة واحدة.

هي “النسخة المحدثة” من مشروع السيطرة على البحر الأحمر، لكنها هذه المرة بملامح خليجية تكنولوجية.

تحت شعار “الاستثمار والتنمية”، تُعاد صياغة الخريطة الاقتصادية بما يخدم الاحتكار الإماراتي وتمكين إسرائيل من قلب المنظومة التجارية الإقليمية.

وما يُباع كفرصة تنموية هو في جوهره خطر استراتيجي طويل المدى — مشروع ينساب بسلاسة اسمه “GLIDE”، لكنه في الواقع ينزلق نحو احتكار الممرات والسيادة والقرار.