على وقع غضب وضغط شعبي واسع النطاق، سعت السلطات في موريتانيا إلى نفى موافقتها على استضافة قاعدة عسكرية لدولة الإمارات التي تواصل مؤامراتها لكسب النفوذ والتوسع الخارجي.
وأصدرت السلطات الموريتانية بيانا رسميا يتبرأ من الموافقة على إنشاء قاعدة عسكرية للإمارات على أراضي الدولة وذلك بعد أنباء عن زيارة وفد عسكري إماراتي إلى موريتانيا الأسبوع الماضي.
ونقلت وكالة الأنباء الموريتانية الرسمية عن مصدر بوزارة الدفاع (لم تسمه) نفيه ما أسماه “شائعات تناولتها وسائل إعلام قبل أيام بشأن إنشاء الإمارات قاعدة عسكرية شمالي البلاد”.
وقال المصدر إن “موريتانيا ترتبط بعلاقات أخوية وثيقة مع دولة الإمارات تقوم على مبدأ المصالح المشتركة والتعاون في كافة المجالات بما في ذلك التعاون العسكري”.
كانت وسائل إعلام موريتانية ذكرت خلال الأيام الماضية أن الإمارات قررت إنشاء قاعدة عسكرية من خلال تمويل مشروع تطوير مطار عسكري شمالي البلاد.
ويثير دخول الإمارات بقوة في المجالات الاقتصادية والعسكرية وحتى الإعلامية بموريتانيا مؤخرا، جدلا واسعا في الشارع الموريتاني، فيما يتساءل المراقبون عن الثمن الذي ستدفعه موريتانيا مقابل هذه المساعدات.
ويسعى النظام الإماراتي منذ السنوات إلى السيطرة على قواعد عسكرية وموانئ خاصة في القارة الأفريقية التي تمتلك فيها قواعدا عسكرية في جيبوتي وإريتريا، إلى جانب وجودها العسكري في اليمن وليبيا.
وتدير الإمارات وتسيطر على نحو 78 ميناءً في 40 دولة، فيما تحاول السيطرة على موانئ أخرى وتعطيلها وتدميرها؛ اعتقادا بأنها “ستؤثر سلبا على موانئها وحركتها التجارية”، حسب تقارير دولية.
والأسبوع الماضي زار وفد عسكري إماراتي موريتانيا لدراسة مشروع تطوير مطار عسكري شمال البلاد، حسبما أكد مصدر عسكري وقال إن “الوفد سيعقد اجتماعات مع عدد من المسؤولين في الجيش وخاصة قادة المنطقة الشمالية”.
وأضاف المصدر أنه “تم الاتفاق في زيارة سابقة لقائد أركان القوات الجوية الإماراتية لموريتانيا على تطوير المطار الواقع في القاعدة العسكرية الشمالية وهو اتفاق يندرج في إطار التعاون العسكري بين البلدين”.
ويقع المطار في منطقة استراتيجية قريبة من الحدود بين موريتانيا ومالي من جهة وبين موريتانيا والجزائر من جهة أخرى.
وتثير مساعي الإمارات للسيطرة على القواعد العسكرية وإدارة عدد من أكبر وأهم الموانئ في البحر الأحمر تساؤلات حول ما إذا كان الأمر مجرد طموح اقتصادي لزيادة عائدات الدولة، أم أن وراء هذا الطموح مشروعاً سياسياً خفياً؟
وسعت الإمارات من خلال شركة موانئ دبي للاستحواذ على الموانئ في القرن الأفريقي والبحر الأحمر، وتختار لهذه الموانئ أن تعمل وفق ما ترسمه لها.
وبدأت أبوظبي، قبل عدة سنوات، مشروعاً سياسياً استراتيجياً تعدى حدود الطموح الاقتصادي بكثير، وإن ظل الاقتصاد ركناً ركيناً فيه، وغالباً ما تستغل الدول التي تعيش وضعاً اقتصادياً صعباً أو حروباً لتضع يدها على تلك الموانئ، إضافة إلى إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة.
في اليمن وتحت راية “إعادة الشرعية” تم خلق تحالف من عدة دول يهدف إلى إعادة سيطرة الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، على اليمن وإنهاء نفوذ الحوثيين المدعومين من إيران.
وبينما كان اليمنيون يحلمون بإنهاء انقلاب الحوثيين توجهت أعين الإمارات إلى موانئ اليمن، المجهز بعضها لاستقبال البضائع والسفن، وتقدم خدمات الشحن والتفريغ والتخزين، بجانب موانئ أخرى مخصصة للنفط وموانئ محلية.
كان الرئيس السابق علي عبد الله صالح، قد منح موانئ دبي في عام 2008 حق إدارة ميناء عدن، وموانئ أخرى، لـ100 عام قادمة، لكن بعد الثورة اليمنية وخلع صالح في 2011، قرر مجلس إدارة مؤسسة خليج عدن إلغاء اتفاقية تأجير ميناء عدن لشركة موانئ دبي العالمية.
كانت حجة إلغاء الاتفاقية منطقية؛ فكيف تقوم الإمارات بتطوير وإدارة ميناء هو أحد أخطر منافسي موانئها إلا إن كانت ستستحوذ عليه وتبطئ من إيقاع ووتيرة العمل به ضماناً لتفوق موانئها، لتعود الإمارات مجدداً لميناء عدن ولكن تحت غطاء “إعادة الشرعية”.
لكن دخولها العسكري في اليمن لم يُعد لها ميناء عدن فقط، فقد أصحبت اليوم تسيطر على موانئ جنوب اليمن؛ من المكلا شرقاً وحتى عدن غرباً، إلى الموانئ الغربية للبلاد، في حين تستمر المساعي للسيطرة على ميناءي المخا والحُديدة.
وهذا الشهر كشف موقع “مونيتور” الأمريكي عن جهود إماراتية وظفت فيها مسؤولاً استخبارياً إسرائيلياً سابقاً للضغط على الإدارة الأمريكية لدعم خطة شركة موانئ دبي للاستحواذ على ميناء بورتسودان لمدة 20 عاماً.
ويضيف الموقع في تقرير له أن شركة موانئ دبي تعاقدت مع شركة “ديكنز ومادسون” للضغط والعلاقات العامة بقيمة خمسة ملايين دولار، ويرأس الشركة ضابط الاستخبارات الإسرائيلي السابق آري بن ميناشيه.
ويشير العقد الموقع بين الشركة -التي تتخذ من كندا مقراً لها- وبين شركة موانئ دبي، وفقاً لـ”قناة الجزيرة”، إلى عدة مهام؛ منها الضغط على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للحصول على منحة حكومية للمساعدة في صيانة وتطوير الميناء الذي يتعامل مع معظم واردات وصادرات السودان.
ونقل موقع “مونيتور” عن الضابط الإسرائيلي السابق قوله إنه أحرز تقدماً في الحصول على المنحة الأمريكية، “ومن الممكن أن يكون ذلك قريباً”، مضيفاً: “إن موانئ دبي كانت تراقب الميناء بالفعل خلال فترة حكم الرئيس المعزول عمر البشير”.
وأضاف بن ميناشيه أن لديه “علاقات عميقة مع المسؤولين السودانيين بفضل الاتفاق الذي وقعه مع المجلس العسكري الانتقالي بقيمة ستة ملايين دولار لتسهيل حصوله على اعتراف دبلوماسي وتمويل”.
ويرى الناشط السياسي السوداني حسام أبو الفتوح، أن الإمارات “دولة تحاول أن تبحث عن مصالحها وحيازة أكبر عدد من الموانئ على الضفة الغربية للبحر الأحمر”.
ويشير إلى أن هذه الخطوات تأتي ضمن “الصراع الكبير بينها وبين المعسكر التركي- القطري، الذي استطاع خلال العهد البائد الحصول على موطئ قدم في ميناء سواكن”.
وأوضح أن الإمارات تمتلك أذرع عديدة، مضيفاً: “بالنسبة إليّ وإلى الكثيرين فإنه لا يمكن فصل مجريات الواقع والاضطرابات الأمنية عن هذه المطامع”.
ويؤكد أن الإمارات تعمل على “التمدد في المساحة الخالية التي يتركها الفاعلون المحليون، لكن قوى الثورة مثلاً في السودان تعلم جيداً هذه المطامع، سواء من الإمارات أو غيرها، وتحاول أن تبعد السودان عن سياسة المحاور، وتحاول أن تمنع القوى الخارجية من التمدد داخل الحدود القومية للسودان”.
في عام 2005 وقع سلطان أحمد بن سليم، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة في دبي، وياسين علمي بوح، وزير المالية في جمهورية جيبوتي، اتفاقية تعاون -كان يفترض أن تستمر 21 عاماً- تتولى جمارك دبي خلالها إدارة وتطوير الأنظمة والإجراءات الإدارية والمالية لجمارك جيبوتي، وتطوير العمليات الجمركية ونظام وإجراءات التفتيش.
لكن شهر العسل بين الدولتين انتهى؛ بعد أن اتهمت حكومة جيبوتي موانئ دبي في 2014 بتقديم رشىً لرئيس هيئة الميناء والمنطقة الحرة في جيبوتي آنذاك، عبد الرحمن بوريه، لضمان الفوز بعقد امتياز إدارة محطة وميناء دوراليه للنفط، ما دفع بالرئيس إسماعيل عمر غيله لفسخ التعاقد من جانب واحد.
وقعت الإمارات اتفاقاً مع إرتريا، تستخدم بموجبه ميناء ومطار عصب على البحر الأحمر لمدة 30 عاماً، وينص الاتفاق على أن تدفع مؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة في دبي مقابلاً سنوياً للسلطات الإرترية، إضافة إلى 30% من دخل الموانئ بعد تشغيلها.
ومع الميناء حصلت الإمارات على مطار يحتوي مدرجاً بطول 3500 متر، يمكن لطائرات النقل الكبيرة استخدامه في الإقلاع والهبوط، وقد استغلت الإمارات والسعودية ميناء وقاعدة عصب في حربهما باليمن.
وفي مايو عام 2017، تسلمت موانئ دبي العالمية إدارة ميناء “بربرة” في جمهورية أرض الصومال، إيذاناً ببدء تطبيق عقد امتياز إدارة وتطوير الميناء، حيث تعد المنطقة جزءاً من دولة الصومال، وتقع في الشمال، وأعلنت انفصالها عام 1991.
ويقول مراقبون إن الإمارات تدرك أهمية الموانئ المطلة على البحرين الأحمر والعربي، ولذلك وضعت لها أهدافاً منذ زمن طويل.
وتسفيد الإمارات من الصراعات في البلدان المطلة على البحر الأحمر، خصوصاً في الصومال واليمن وبعض المناطق الأخرى في القرن الأفريقي، ووضعت استراتيجية للاستيلاء على هذه الموانئ، سواء في عصب، أو الموانئ اليمنية المطلة على خليج عدن، أو البحر الأحمر في الحديدة.
وتخوض الإمارات حرب موانئ في الشرق الأوسط؛ لأنها تعرف أن لا مستقبل للنفط على المدى البعيد، فهي تزيد من الاستيلاء على الموانئ الحساسة كي تستمر قوتها الاقتصادية في المنطقة.
ولا يمكن القول إن الإمارات تعمل من أجل اليمنيين أو الصوماليين أو الإرتريين وبقية البلدان؛ لأنها تريد السيطرة والاستفادة من تلك الموانئ، وهي تقود حرباً مكشوفة.