موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

الإمارات… دولة “التسامح” في خطابها ودولة القمع في واقعها

973

مرة أخرى، تكشف الوقائع أن الصورة اللامعة التي تروّجها دولة الإمارات عن نفسها كواحة للتسامح والانفتاح ليست سوى واجهة براقة تُخفي خلفها منظومة قمع ممنهج لا تعرف حدودًا وأن دولة “التسامح” في خطابها ودولة القمع في واقعها.

ففي تقريرها السنوي لعام 2025، وجّهت منظمة العفو الدولية صفعة مدوية لهذا الخطاب الزائف، عبر توثيق تصاعد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، واستمرار الدولة في استخدام مؤسساتها القانونية والأمنية كأدوات لإسكات الأصوات الحرة، في ظل تواطؤ دولي مكشوف.

قمع حرية التعبير باسم “مكافحة الإرهاب”

من أبرز ما جاء في التقرير، الإدانة الصريحة لاستخدام أبوظبي قوانين “مكافحة الإرهاب” و”الجرائم الإلكترونية” كوسائل لتجريم التعبير السلمي.

فبدلاً من أن تكون هذه القوانين وسيلة لحماية الأمن والاستقرار، تحوّلت إلى سيف مسلط على رقاب النشطاء والمعارضين والمفكرين، حتى من داخل صفوف المجتمع المدني المعتدل.

تغريدة، مقالة، أو مشاركة على وسائل التواصل كفيلة بأن تجرّ صاحبها إلى المعتقل، وتضعه تحت طائلة محاكمة تفتقر إلى الحد الأدنى من شروط العدالة.

أحكام جماعية… وعدالة غائبة

وفي ذروة هذا القمع، وثقت العفو الدولية صدور أحكام بالسجن المؤبد على 43 ناشطاً، خلال ما وصفته بـ”محاكمات جماعية جائرة”، شابتها خروقات قانونية فادحة.

هؤلاء لم يُمنحوا حق الدفاع الكافي، وتعرض كثير منهم للتعذيب وسوء المعاملة، بل واستمرت السلطات في احتجاز بعضهم رغم انتهاء مدة محكومياتهم منذ سنوات، في خرق صارخ لكل القوانين المحلية والدولية.

هذا الانتهاك لا يمكن عزله عن سياق أوسع يشمل تسييس القضاء وغياب الشفافية في إدارة العدالة، بما يحوّل المحاكم إلى أداة في يد السلطة، لا إلى مرجعية مستقلة تفصل في الخصومات بحياد.

السجون كمراكز تعذيب

أما السجون، التي يُفترض أن تكون مؤسسات لإعادة التأهيل، فقد تحوّلت في الإمارات إلى مراكز لإذلال الإنسان وكسر إرادته.

أبرز الحالات التي ذكرها التقرير هي حالة أحمد منصور، الناشط الحقوقي المعروف، والذي يقبع في الحبس الانفرادي منذ 2017، محرومًا من أبسط حقوقه، لا زيارات عائلية، ولا رعاية طبية، ولا تواصل مع العالم الخارجي.

هذه المعاملة المهينة تعكس رغبة متعمّدة في تحطيم الرموز المعارضة، وخلق حالة من الترهيب العام لمن يجرؤ على السير في دربهم.

خطاب “التسامح” كسلاح تضليل

في مفارقة صارخة، تستثمر الإمارات ملايين الدولارات سنويًا في الترويج لصورتها كدولة متسامحة ومنفتحة.

تحت مظلة “عام التسامح” و”منتدى الحوار بين الأديان”، تحشد أبوظبي شخصيات دينية وإعلامية من شتى أنحاء العالم لتلميع وجهها.

غير أن واقع الحال مختلف تمامًا، إذ لا يُسمح داخل الإمارات بأي خطاب نقدي، ولا يوجد إعلام حر، ولا قضاء مستقل، ولا نقابات أو جمعيات مدنية فاعلة خارج إطار الرقابة الحكومية.

صمت دولي مشين… وتواطؤ ضمني

أخطر ما في الأمر أن هذا الانحدار الحقوقي يجري وسط صمت دولي مريب.

فالإمارات حليف اقتصادي وأمني مهم للعديد من الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا.

هذا “التحالف” جعل حكومات هذه الدول تُغض الطرف عن الانتهاكات المتكررة، مقابل صفقات الأسلحة والاستثمارات والطاقة. بل إن بعضها يشارك فعليًا في تسليح الأجهزة الأمنية الإماراتية، أو تدريبها، ما يرقى إلى مستوى التواطؤ في الانتهاكات.

انعدام المحاسبة… وتشجيع على التمادي

هذا الصمت لا يعني فقط التقاعس عن حماية حقوق الإنسان، بل يشكّل تشجيعًا مباشرًا للسلطات الإماراتية على التمادي. فغياب المحاسبة، والافتقار لأي رقابة دولية فعلية، يجعل من السهل استمرار الاعتقالات التعسفية، والتعذيب، وتكميم الأفواه، بل وحتى سحب الجنسيات من المعارضين أو التضييق على أسرهم.

وفي ضوء هذا الواقع، دعت منظمة العفو الدولية المجتمع الدولي إلى مراجعة علاقاته مع أبوظبي، لا سيما في الجوانب الأمنية والعسكرية. لا يمكن لعلاقات تقوم على المبادئ أن تستمر في ظل شراكة مع نظام ينتهك تلك المبادئ بشكل ممنهج.

وأكدت المنظمة الدولية على ضرورة الضغط للإفراج عن كافة المعتقلين السياسيين، وإلغاء القوانين التي تجرّم حرية الرأي، وإنشاء آلية دولية لمراقبة حقوق الإنسان في الإمارات، خاصة بعد فشل الآليات المحلية في أداء أي دور رقابي حقيقي.

ويؤكد ناشطون حقوقيون أن ما تكشفه تقارير مثل تقرير العفو الدولية ليس جديدًا، لكنه يُجدد التأكيد على اتساع الفجوة بين الخطاب الرسمي لدولة الإمارات وواقعها المظلم. فبينما تستضيف فعاليات عالمية وتتفاخر باستضافة البابا أو توقيع اتفاقات سلام، تمتلئ زنازينها بالمفكرين والحقوقيين والصحفيين. ولا يمكن لأي “بروباغندا تسامح” أن تُخفي هذه الحقيقة إلى الأبد.

لقد آن الأوان ليتوقّف العالم عن مكافأة الأنظمة القمعية، وأن يُعاد الاعتبار لمبادئ العدالة وحقوق الإنسان، لا كمجرد شعارات، بل كأساس للعلاقات الدولية.