موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تعرف على قصة أصغر معتقلي الرأي في سجون الإمارات

205

يعد خليفة النعيمي أصغر معتقلي الرأي في سجون الإمارات، إذ كان يبلغ من العمر 26 عاماً فقط عند اعتقاله منتصف عام 2012 ليعاني لعدة أشهر في الإخفاء القسري والتعذيب.

وقال مركز مناصرة معتقلي الإمارات، إن أعظم الجهاد “كلمة الحق عند سلطان جائر”، كان شعار النعيمي حين تعاظمت تهديدات السلطات باعتقاله بسبب نشاطه المستمر للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين.

إذ كتب حينها على صفحته في “تويتر” قبل يوم من واحد من اعتقاله فقط: “لن تخيفنا التهديدات الأمنية بإشاعاتها وفبركاتها .. نحن ماضون على طريق المطالبة بالإفراج عن المعتقلين وإرجاع حقوقهم كاملة”.

كان النعيمي شجاعاً في زمن غابت فيه الشجاعة، لكنه خليفة هلال النعيمي أحد قادة جمعية الإمارات الكشفية، وابن دعوة الإصلاح، لم يتعلم السكوت على ظلم، وكان يردد دوماً بيت المتنبي الشهير: “الرأي قبل شجاعة الشجعان”، ليبلغ كم يقول المتنبي من العلياء كل مكان.

وقد دفع أثماناً باهظة نظير شجاعته كبقية معتقلي الرأي، فتم طرده من قناة الظفرة حيث كان يعمل مذيعاً، وتعرض لأشد أنواع التضييق والترهيب التي وصلت إلى حد ضربه في قاعات المحكمة حين حضر لمساندة أحمد منصور والدكتور ناصر بن غيث في اعتقالهم الأول عام 2011.

لكن كل ذلك لم يمنعه من مساندة المعتقلين، ولم يثنه عن المشاركة في حملات المطالبة بإطلاق سراحهم، لأن كلمة “الخوف” لم تكن حاضرة في قاموسه يوماً، فقد كان يحمل هم وطن، وطن كان يعلم تماماً أن حمل همومه تنوء بها الجبال.

لم يكن خليفة رجل أقوال فقط، بل رجل أفعال، بارزاً في كل المحطات، ففي الإعلام كان إعلامياً ذو حضور، وفي التربية كان مشرفاً، تعرفه الملتقيات والمخيمات الكشفية كقائد كشفي أشرف على تربية النشـء، أما في الدعوة فرغم حداثة سنه فقد كان أحد أقمارها.

خليفة هلال كان هلالاً في كل مكان، شغلته حقوق الإنسان، دافع عنها بالقلم واللسان، وكان مستعداً لأن يدفع في سبيل ذلك كل الأثمان، هو شوكة في حلوق الظالمين لا يمكن أن تطويها غياهب النسيان، ولن تفلح في كسرها تلك السجون التي لا يعلم فيها المعتقل بداية رجب من نهاية شعبان.

هو روح ثائرة لا تهمها الاعتقال، ولا تقيدها الأغلال، كان يعيش ببساطة، متفائلاً في زمن كثر فيها التشاؤم، سعيداً حتى في لحظات الحزن، كان حالماً في وقت أصبحت الأحلام جريمة، كان طموحاً، نشيطاً، مثابراً، قد كان وكان وكان… وبسبب كل ذلك كان مطلوباً له أن يصبح في خبر كان.

في السادس عشر من يوليو 2012، اقتحم زوار الليل بيته، كانوا ملثمين يلفهم السواد، مسلحين بأحدث أنواع الأسلحة، عصبوا عينيه حتى لا يرى، واختطفوه إلى مكان مجهول، ليجد نفسه في زنزانة انفرادية ليس فيها حتى سرير لينام عليه.

دخل إلى غرفة التحقيق معصوب العينين أيضاً، سمع كل أنواع الشتائم، ثم أخبروه بعد “حفلة” من الضرب والتعذيب، “أنت في أقبية أمن الدولة، حيث لا قانون ولا دولة، وعليك أن توقع هذه الأوراق، وتعترف بجريمتك”.

ظل خليفة مختفٍ قسرياً حتى مارس 2013 لا يعلم أحد عنه شيئاً، ثم ظهر في قاعة المحكمة تغطي الكدمات جسده الذي نال منه التعذيب والضرب، لتحكم عليه المحكمة بالسجن 10 سنوات.

عقد كامل حُرم فيه خليفة النعيمي من أبسط حقوقه، توفي خلاله والده الذي كان محروماً من رؤيته لأكثر من سنة ونصف، ومنعته السلطات من المشاركة في جنازته أو الصلاة عليه، ولم تسمح له بالحصول حتى على مصحف أو سجادة للصلاة.

في شهر يوليو القادم سيكمل خليفة 10 كاملة في سجون الإمارات، وسيكون قد بلغ الـ36 من العمر، دخل إلى السجون شاباً يافعاً ولا أحد يعرف متى سيخرج منها، فلم يعد يفصله عن سن الأربعين سوى 4 سنوات فقط.

العمر قد يكون مجرد رقم، لكن خليفة ليس كذلك، والمعتقلون ليسوا أرقاماً فقط، هم أرواح وبشر، وسلبهم حياتهم بهذه الطريقة جريمة لا تغتفر.. قصة النعيمي هي قصة أن تسلب من المرء حياته وزهرة شبابه لا لذنب ارتكبه أو جريمة اقترفها، بل لأنه كان شجاعاً في زمن الجبن.

خليفة كان رجلاً، وقف على ناصية الحلم وقاتل، قاتل من أجل حقوق الإنسان، من أجل الحرية، من أجل القيم، من أجل الحلم، والحلم لا يموت ولا تقهره الثوابت، وإن شابته الشوائب وإن حاربته الأقدار وخانته المصائر وأضاعه الواقع.

إنه الحلم .. ينتظر النعيمي وبقية المعتقلين في نهاية الطريق.. يراقبهم… يناديهم، قد يبتعد، قد يحترق، ولكنه لم يمت ولن يموت، فالحلم معهم ولهم يسير، إنه باق في قلبهم وعقلهم ووجدانهم، فالسجن قد يحبس الأجساد لكنه لا يحبس الأرواح.

قصة النعيمي ليست نهاية رجل شجاع، فالشجاعة ليست لها نهاية، بل هي البداية فقط، فالشجعان هم من يغيرون الواقع ويصنعون البدايات، وحتى لو بدا ثمن الشجاعة باهظاً، لكن الجبن عواقبه أكثر فداحة، فالشجاع لا يموت سوى مرة واحدة، أما الجبناء يموتون كل يوم.