موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: مسئولون إماراتيون متورطون بفضيحة اختلاس كبرى من البنوك

188

علمت “إمارات ليكس” أن النظام الإماراتي يرفض بشكل قاطع تشكيل لجنة تحقيق محايدة في فضيحة الملياردير الهندى “بى آر شيتى” بقروض بمليارات الدولارات بسبب تورط مسئولين كبار في الدولة بالقضية.

وتؤكد المصادر أن الأرقام الحقيقية التي استولى عليها الملياردير الهندي من الإمارات أضعاف مضاعفة لما أعلن عنه وهو 24 مليار درهم، وأن أبو ظبي تتكتم على القضية بسبب تورط مسئوليها في الفضيحة.

ودللت المصادر بأن النظام الإماراتي لا يزال يرفض رفع دعاوى أو إصدار مذكرة عبر الشرطة الدولية “الأنتربول” للقبض على الملياردير الهندى لأن المتورطين معه وشركائه مسؤولين إماراتيين كبار.

وكان شيتى هرب من الإمارات إلى بلاده بعد حصوله على قروض بنحو 6.6 مليارات دولار، في قضية لازالت تداعياتها تتكشف يوما تلو الآخر، مع توالى إفصاحات الشركات والبنوك والمؤسسات المالية عربياً وإقيليماً ودولياً عن حصول الرجل على قروض منها، أو المساهمة في رؤوس أموالها.

وتعود الأزمة إلى تعثر شركة الرعاية الصحية الإماراتية “إن.إم.سي هيلث” وهروب مؤسسها الهندي، بعد خداع نحو 80 بنكا محلياً وإقليمياً ودولياً، حيث لم يتم تسجيل معظم القروض التي حصلت عليها المجموعة في ميزانياتها، ودخل جزء منها في الحسابات البنكية لمسؤوليها بشكل مباشر، وسط أنباء عن هروب الملياردير الهندى بنحو 4.5 مليارات دولار من إجمالى القروض، لتقرر المحكمة العليا في لندن وضع إدارة المجموعة تحت الإشراف القضائي.

وخرجت الفضيحة إلى العلن بعد أن شككت شركة “مادي ووترز” الأميركية للتدقيق المالي، في الأوضاع المالية للمجموعة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، لتتوالي أحداث الانهيار وتبدأ سلسلة من الاستقالات شملت المؤسس الهندي الذي سارع إلى الهرب إلى بلاده، والرئيس التنفيذي للشركة ونائبه وقيادات أخرى.

وتوالت افصاحات البنوك والشركات المدرجة في أسواق الأسهم في الإمارات، في الأيام الأخيرة، عن انكشافها (ارتباطها) بأزمة شركة “إن.إم.سي هيلث”، أو أي من الشركات الشقيقة أو التابعة لها.

وجاءت أكبر حصة من الديون لصالح مجموعة بنك أبوظبي التجاري، الذي كشف في بيان أرسله لبورصة أبوظبي عن أن الشركة المتعثرة مدينة له بنحو 4.2 مليارات درهم (1.14 مليار دولار) بما يعادل 17.3 في المائة من إجمالي الديون المعلنة حتى الآن.

كما أعلن بنك دبي الإسلامي عن ديون على الشركة بقيمة 1.98 مليار درهم، وأبوظبي الإسلامي 1.1 مليار درهم، والإمارات دبي الوطني 747.3 مليون درهم، فيما توزع باقي الديون على بنوك وشركات مالية أخرى.

وفي الرابع من إبريل/نيسان الجاري، أعلن بنك أبوظبي التجاري في إفصاح للبورصة، أنه تقدم في الثاني من هذا الشهر بطلب للمحكمة العليا في بريطانيا للسماح بتعيين حارس قضائي على ” إن.إم.سي هيلث”، مشيرا إلى أن هذه الخطوة تهدف إلى المحافظة على حقوقه.

وكان شيتي جاء إلى أبوظبي، وعمرُه 19 عاماً، وفي جيبه روبياتٌ بقيمة ثمانية دولارات، على ما قال مرة، ثم اشتغل بائع أدوية، قبل أن يمتلك صيدلية، ثم يستأجر غرفةً جهّزها عيادة تعمل فيها زوجته الطبيبة.

ومع تزايد أرباحه أسّس في 1975 شركة خدمات للرعاية الطبية، نجحت لاحقا، لتضم عدة مستشفيات في دولة الإمارات، ثم في السعودية وغيرها.

وإلى الاستثمار في القطاع الصحي، راح الرجل إلى القطاع المصرفي، فأسّس شركة صرافةٍ كبرى، وتتابعت نجاحاتُه في المجاليْن في الإمارات، وحققت له ثروتُه التي استجدّت عليه نفوذا كبيرا، وعلاقاتٍ واسعةً مع حكام الدولة وشيوخها، ومنهم ولي عهد أبوظبي الحالي محمد بن زايد الذي كرّمه بوسام رفيع.

يأخذك الاكتفاء بالبرودة الماثلة في الحكاية هذه إلى الإعجاب برجل الأعمال هذا، وبـ”العصامية” التي قد ترشح منها، سيما وفيها نقلةٌ متدرّجة من ثمانية دولارات إلى امتلاك طابقٍ في البرج الأعلى في دبي، عدا عن طائرةٍ خاصةٍ وثروةٍ كبرى.

لكن المخفي الأعظم في هذه الانتقالة يتعلق بفسادٍ من النوع الثقيل، ويجعلك تنصرف من حالة الإعجاب تلك إلى حزمةٍ من أسئلةٍ لا تتوقف، ومنها ما إذا كانت العمائر العالية والمساحات السياحية الباذخة والمهرجانية الفادحة في تشبيحها وارتجاليتها، في غير شأنٍ وشأنٍ في دبي وأبوظبي، ظلالا للتعمية على سرقات وجرائم فساد وابتزاز أسود ومقامرات بهلوانية بأموال الناس.

إذا صحّ هذا، أو شيءٌ منه، فإنه لا يكون مبعث شماتةٍ، فالإمارات بلدٌ عربيٌّ يستحق أن يكون أنظف من ذلك كله، ومما تتالى في السنوات الأخيرة نشرُه وذيوعُه، عن انكشاف مؤسساتٍ واستثماراتٍ (في العقار وغيره)، كالذي بيّنته قصة شركة مقاولاتٍ وبناءٍ كانت وعدا مبشّرا لمّا قامت، قبل أن تؤول إلى واحدةٍ من قصصٍ إخباريةٍ وفيرةٍ عن صناعة الأوهام وحطامها هناك.

صحيحٌ أن حكاية بي آر شيتي وهروبه، واحتياله، قصةٌ إخباريةٌ تُغري بالتسلية والدردشة في شأنها. ولكن، لا يحسُن أن تذهب بنا إلى أن نتشفّى بأهل الحكم والقرار في أبوظبي، ونحن في ضفةٍ أخرى غير التي يقف فيها هؤلاء، وإنما هي قضيةٌ تجيز دعوتهم إلى مراجعة كل ما هم عليه، بالكفّ، أولا وفورا، عن التضليل والتعمية والعنتريات الفارغة، في غير موضوع.

وأولُ ما يُنصحون به أن يبادروا إلى تحقيق وافٍ يتوفر على كل أصول الشفافية والنزاهة في مسألة شديدة الحساسية كالتي قدّامنا، مسألة ضحك رجل أعمال على 12 بنكا، طالعنا أن سبعةً منها تتوسّل إنقاذها من إعلان إفلاسها إذا لم تعد إليها مئات الملايين التي أقرضتْها له.

ولا يزيد واحدنا وترا في الطنبور إذا ما كتب إنه لم يكن في وسع شيتي أن يفعل ما فعل من دون تغطياتٍ من نافذين في السلطة. ولم يكن في مقدوره أن يغادر البلاد (إلى الهند حيث الأمان والحماية السياسية، وليس إلى أوروبا)، من دون أضواء خضراء، ممن يسّروا له “الفساد الفاضح في غفلة الجميع”.

وبديهيٌّ أنه لا معنى لإعفاء محافظ البنك المركزي الإماراتي قبل أيام، إذا لم تتدحرج رؤوس كبيرة، غطّت المحتال الفار بضماناتٍ كاذبة.

كُتب في وصف الواقعة المهولة إنها زلزالٌ مصرفيٌّ كبير في الإمارات، وإنها إحدى أكبر عمليات احتيالٍ على البنوك في التاريخ. والمُشتهى أن ينكتب تاليا إنها الحادثة التي أعادت حكام الإمارات إلى الرشد الذي أضاعوه، إلى إنقاذ بلدهم من خساراتٍ ضخمةٍ في مواردها.. وفي سمعتها من قبلُ ومن بعد.

وارتبطت الكثير من قضايا الديون والهروب بالأموال، بالإمارات في السنوات الأخيرة، فقد تعرضت مجموعة أبراج كابيتال العام الماضي، لأزمة تعثر وديون كبيرة دفعت إلى إعادة هيكلتها.

ويؤكد مراقبون أن توالي فضائح الفساد والاختلاس المالي في الإمارات سببه الرئيسي غياب جهة رقابية ذات صلاحيات في الدولة.

إذ أن ديوان المحاسبة الإماراتي الذي نص على أعماله وصلاحياته الدستور تقتصر ولايته وصلاحيته على بعض المؤسسات الاتحادية ولا يستطيع الرقابة على المؤسسات المحلية وهي التي يقول المراقبون إنها تشمل خروقات واسعة من الفساد وعدم الشفافية.

وبحسب “تقرير الثابت والمتحول 2015” الصادر عن مركز الخليج لأبحاث التنمية، فإنه لا توجد في الإمارات جهةٌ مستقلة كلّياً يمكن أن تنشرَ مُعدّلات الشّفافيّة والفساد بنزاهة، ولكن خلال السّنوات الأخيرة اهتمّت الدّولة بكشْف عددٍ من المسئولين المُتّهمين بالفساد المالي والإداري، وقيادات أخرى في القطاع شبه الحكومي، وتمّ تقديم عددٍ منهم إلى المحاكمات.

وأضاف التقرير، كما في باقي الدول فإنّ الفساد في الإمارات يُمارَس بطرقٍ مختلفة، منها الفساد المُباشر، من قبيل تلقّي الرّشاوي، وقد تصاعد معدّل هذه الظّاهرة في السّنوات الأخيرة، وتمّ رصد عددٍ من موظّفي الدّولة، وخاصة في شئون العمل، والهجرة والجوازات، والأمن، والدّوائر الاقتصاديّة، والبلديات.

ومن مظاهر الفساد، وفق التقرير، استغلال المنصب والنّفوذ عبر العقود الخاصة مع مؤسّساتٍ حكوميّةٍ، وبخاصةٍ في قطاعات الإسكان والشّرطة والقوّات المسلّحة، وعقود المُشتريّات والتوريد وغيرها.

وأكد التقرير، هناك تزاوجٌ غير شرعي بين المال والمنصب الحكومي، وهو ما عطّل كثيراً من القرارات الحكوميّة والقوانين إزاء محاربة الفساد، واحتكار الخدمات.

وأفاد التقرير بأن الفساد في الإمارات يتضمّن شقّين: الاتّحادي والمحلّي. وتتضاءل صور الفساد ومعدّلاته في الشّقّ الاتّحادي، وذلك بسبب ارتفاع معدّل آليّات المراقبة والمحاسبة. بينما تزداد حدّته في الحكومات المحلّيّة نظراً لغياب أو ضعف دور المؤسّسات التّشريعيّة والرّقابيّة.

وما يتناقله بعض المستثمرين ورجال الأعمال من قضايا فساد؛ تُشير إلى وجود عمليّات فساد واحتيال غير موثقة، وخاصة في قطاعات البنوك والدّوائر العماليّة والاقتصاديّة والأمنيّة، بحسب التقرير.

ويبقى ما يُعرف ب “الفساد الكبير”، وهو المتعلّق بالنّفوذ السّياسي الممزوج بالاقتصادي، وخاصة فيما يخصّ بأموال النفط وصفقات السلاح والأراضي؛ يبقى هذا الفساد ضبابيّاً، ويفتقرُ إلى المعلومات وجهات المحاسبة المُستقلّة، والتي بإمكانها أداء دور الرّقابة الفعليّة، خلُص التقرير.

في الوقت ذاته فإن من يحاول في دولة الإمارات فضح ما يجرى من فساد مستشري في الدولة فإن مصيره يكون السجن التعسفي أو الاختفاء القسري.