موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تسامح مزيف في الإمارات للتغطية على تكريس قمع الحريات والانتهاكات

271

قال مركز الإمارات للدراسات والإعلام “ايماسك” إن النظام الحاكم في دولة الإمارات يروج لصورة زائفة للتسامح في الدولة في وقت يكرس فيه قمع الحريات والانتهاكات.

وتواصل السلطات الإماراتية تسليط الضوء على بعض الممارسات التي تندرج في إطار البحث عن أدوار تمثيلية لإظهار تسامحها ونزعتها الإنسانية في محاولة بائسة ومكشوفة للتستر على القمع بأقنعة التسامح المزيف، فيما تتصاعد الانتهاكات التي تمارس بحق مواطني الدولة والمقيمين فيها والاعتداء على حرياتهم وحقوقهم التي القانون والمواثيق الدولية.

وخلال اليومين الماضيين سلطت السلطات الإماراتية الضوء على قصة العائلة اليهودية ذات الأصول اليمنية التي تم جمع شملها في الإمارات بعد سنوات من التشتت لتضاف إلى ما سبقها من قصص جمع شمل عائلات من هنا وهناك كما جرى مع فتاة بريطانية، وجمع شمل ولد بريطاني في رأس الخيمة مع أمه، أو افتتاح معابد لليهود وغير المسلمين وغيرها من  القصص في مسعى لتصدير حالة وردية عن التسامح في الدولة، الذي يتم حصره في التعامل مع الأجانب فيما يتم انتهاك حقوقي مواطني الدولة بالقمع والتنكيل بحرياتهم.

ويرتبط في الغالب ظهور أي قصة من هذا النوع مع تصاعد وتائر جرائم القمع الداخلي والتنكيل بالمجتمع الإماراتي، وحرمان معتقلي الرأي من أبسط الحقوق ومعاقبة عائلاتهم، واحتجاز عائلات أصحاب الرأي الإماراتيين الموجودين في الخارج، ومصادرة حق العائلات في السفر إلى الخارج واللقاء بأقاربهم، فمعظم أهالي المعتقلين ممنوعون من السفر ومحرومون من ملاقاة أهاليهم خارج الإمارات.

ونستحضر هنا قصة سلمان، ابن عبد السلام درويش المرزوقي، المصاب بمرض التوحد والذي لم ير والده ولم يسمع صوته منذ أربع سنوات. وكذلك أمينة العبدولي، المعتقلة بسبب تغريدة تساند بها أهل سوريا في ثورتهم على نظامهم المجرم، حكت مأساة أبنائها الخمسة الذين يعانون الويلات منذ ما يقارب الخمس سنوات، فيتنقلون بين أقاربهم لإيجاد مأوى، وقد حُرموا حضن أمهم فلا يلتقونها إلا من وراء زجاج.

هذا الواقع أبرزه الكاتب الإماراتي المعارض أحمد الشيبة النعيمي في مقال له أمس قائلاً “لا ننسى هنا ما تناقلته الأخبار لنقل صورة من صور التسامح المزيف، وهي أنه في الوقت الذي كان يعاني عشرات الآلاف من المواطنين العرب المتضررين من جائحة كورونا في الإمارات ظروفا إنسانية بالغة التدهور، بدون مأوى ولا طعام بعد أن تقطعت بهم السبل بسبب أزمة فيروس كورونا المستجد، وفي غياب أي دعم حكومي لهم؛ في ظل هذه الظروف كانت الطائرات تتجه إلى المغرب للبحث عن مواطنين صهاينة لإعادتهم إلى الكيان الصهيوني”.

إنه التسامح المزيف والكرم الزائف الذي يستوعب الفاسدين والمجرمين من جميع أصقاع الأرض، وآخرهم ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس، الملاحق قضائيا بتهم فساد، كما أكدت ذلك هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطاني بي بي سي، ولا يستوعب دعاة الإصلاح المبدعين والأكاديميين الأحرار من أبناء الشعب الإماراتي نفسه.

وتواصل المراكز الحقوقية تسليط الضوء على الواقع المعتم لحقوق الإنسان في الإمارات وتقيد حرية الرأي والتعبير في ظل قوانين قمعية خاصة قانون مكافحة الإرهاب تعريفات وعبارات فضفاضة يمكن تفسيرها على هوى السلطة لمعاقبة النشطاء والتضييق عليهم وحتى حبسهم وتعريضهم للمحاكمات.

وبحسب منظمة العفو الدولية ” يكاد يكون تأكيد الحكومات على أهمية “حرية الرأي” مجرد مجاملة في معظم دساتير العالم تقريبا، حيث أن الواقع ليس بهذه الدرجة من الحرية. إذ يُزج بالكثير من الناس في السجون في مختلف أنحاء العالم أو يتعرضون لما هو أسوأ من ذلك لا لشيء سوى لتعبيرهم عن آرائهم علنا. “

حرية التعبير مكفولة قانونيا

أكد الدستور الإماراتي على حرية الرأي، حيث نصت المادة (30) منه علي أن (حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون)، حيث كفل القانون الاتحادي رقم (15) لسنة 1980 بشأن المطبوعات والنشر حرية الصحافة عند قيامه بتنظيمها، بما فرضه من قيود على ممارسة الوزير لصلاحياته الإدارية حتى لا يستغلها في مصادرة حق التعبير المكفول بنص المادة (30) من الدستور، وبما اعترف به للصحافة من الحق في نشر ما تراه مناسبا، بحسب ما أورده تقرير لمركز الإمارات لحقوق الإنسان.

وجاء في المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966 ما يلي: “لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة، ولكل إنسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين، دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأي وسيلة أخرى يختارها”.

أما العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر عام 1966 فقد ورد في مادته الخامسة، أنه لا يقبل أي قيد أو تضييق على أي من حقوق الإنسان الأساسية المعترف بها أو النافذة في أي بلد، تطبيقًا لقوانين أو اتفاقيات أو أنظمة أو أعراف، بذريعة كون هذا العهد لا يعترف بها أو كون اعترافه بها أضيق مدًى.

وباعتبار مكانة وأهمية حرية التعبير عن الرأي، في العالم وفي مواثيق الأمم المتحدة، لا يكاد يخلو دستور من دساتير الدول على نصوص تكفل هذا الحق، وكذا الحال في الدستور الإماراتي غير أن الواقع يثبت أن النص القانوني المتعلق بهذا الحق لا يعوّل عليه حيث غاليا ما يكون للسلطات تدخلها وسيطرتها حتى على القوانين.

قوانين أسّست للقمع

منذ عام 2011 فرضت السلطات الإماراتية قيوداً شديدة على حرية التعبير وابداء الرأي في مسائل مختلفة تخص البلاد خاصة الشأن السياسي حيث أن أي انتقاد علني للحكومة أو الوزراء يعد جريمة قد ترسل صاحبها الى السجن.

واستمرت السلطات الإماراتية في فرض قيود أخرى على كل ما له صلة بالأنشطة السياسية والجمعياتية أو تلك التي تدعو إلى إجراء إصلاحات ديمقراطية، أو التي تنتقد عمل الحكومة وتوجهاتها وحتى لمجرد إبداء الرأي في قضايا عربية واقليمية.

وضعت السلطات الإماراتية ذريعو “الأمن القومي” في مقدمة خطتها لإسكات الأصوات الحرة والمطالبة بالإصلاح وكل صور الانتقادات والتعبير عن الرأي وجعلت منها أساس القوانين فعلى سبيل المثال، تتضمن قوانين الجرائم الالكترونية في البلد قيوداً واسعة على استخدام الوسائل الإلكترونية “الإضرار بالوحدة الوطنية”.

وقد انتقدت جماعات حقوق الإنسان هذه القوانين، خاصة من خلال بيانات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة التي وجدت فيها تقييدا مفرطا لحرية التعبير.

قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية

قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية الأول كانت قد أصدرته الإمارات في عام 2006 ،إلا أن مرسوم القانون الاتحادي رقم 5 لسنة 2012 قد ألغى قانون 2006. ثم صدر مرسوم تعديل بقانون اتحادي رقم /2/ لسنة 2018 باستبدال نصوص المواد (26)، و (28)، و(42) من المرسوم بقانون اتحادي رقم /5/ لسنة 2012 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات بالمواد التالية.

تستبدل المادة (26) بموجب نص المرسوم بالنص التالي : “يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات ولا تزيد عن خمس وعشرين سنة والغرامة التي لا تقل عن مليوني درهم ولا تجاوز أربعة ملايين درهم كل من أنشأ أو أدار موقعاً إلكترونياً أو أشرف عليه أو نشر معلومات على الشبكة المعلوماتية أو وسيلة تقنية.. معلومات وذلك لجماعة إرهابية أو مجموعة أو جمعية أو منظمة أو هيئة غير مشروعة بقصد تسهيل الاتصال بقياداتها أو أعضائها أو لاستقطاب عضوية لها أو ترويج أو تحبيذ أفكارها أو تمويل أنشطتها أو توفير المساعدة الفعلية لها، أو بقصد نشر أساليب تصنيع الأجهزة الحارقة والمتفجرات أو أي أدوات أخرى تستخدم في الأعمال الإرهابية”.

وتابعت المادة: “وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات والغرامة التي لا تقل عن خمسمائة ألف درهم ولا تجاوز مليون درهم لمن حمل محتوى أي من المواقع المشار إليها في الفقرة الأولى من هذه المادة أو أعاد بثها أو نشرها بأي وسيلة كانت أو تكرر دخوله إليها لمشاهدتها أو نشر أي محتوى يتضمن التحريض على الكراهية”.

وأضاف التعديل: “وللمحكمة – في غير حالات العود- بدلاً من الحكم بالعقوبة المشار إليها في الفقرة السابقة أن تحكم بإيداع المتهم إحدى دور المناصحة أو الحكم بوضعه تحت المراقبة الإلكترونية ومنعه من استخدام أي من وسائل تقنية المعلومات خلال فترة تقدرها المحكمة على ان لا تتجاوز الحد الأقصى للعقوبة المقررة”.

وكانت المادة تنص: ” يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات والغرامة التي لا تقل عن مليون درهم ولا تجاوز مليوني درهم كل من أنشأ أو أدار موقعا إلكترونيا أو أشرف عليه أو نشر معلومات على الشبكة المعلوماتية أو وسيلة تقنية معلومات ، وذلك لجماعة إرهابية أو أي مجموعة أو جمعية أو منظمة أو هيئة غير مشروعة بقصد تسهيل الاتصال بقياداتها أو أعضائها ، أو لاستقطاب عضوية لها ، أو ترويج أو تحبيذ أفكارها ، أو تمويل أنشطتها ، أو توفير المساعدة الفعلية لها ، أو بقصد نشر أساليب تصنيع الأجهزة الحارقة أو المتفجرات ، أو أي أدوات أخرى تستخدم في الأعمال الإرهابية”.

كما استبدلت المادة (28) حسب المرسوم الجديد بالنص التالي: “يعاقب بالسجن المؤقت والغرامة التي لا تجاوز مليون درهم كل من أنشأ أو أدار موقعاً إلكترونيا أو أشرف عليه أو استخدم معلومات على الشبكة المعلوماتية أو وسيلة تقنية معلومات بقصد التحريض على أفعال أو نشر أو بث معلومات او أخبار أو رسوم كرتونية أو أي صور أخرى من شأنها تعريض امن الدولة ومصالحها العليا للخطر أو المساس بالنظام العام أو الاعتداء على مأموري الضبط القضائي أو أي من المكلفين بتنفيذ أحكام القانون”.

أما نص المادة (28) فكان: “يعاقب بالسجن المؤقت والغرامة التي لا تجاوز مليون درهم كل من أنشأ أو أدار موقعا إلكترونيا أو أشرف عليه أو استخدم معلومات على الشبكة المعلوماتية أو وسيلة تقنية معلومات بقصد التحريض على أفعال ، أو نشر أو بث معلومات أو أخبار أو رسوم كرتونية أو أي صور أخرى ، من شأنها تعريض أمن الدولة ومصالحها العليا للخطر أو المساس بالنظام العام”.

وتمحور التعديل الأخير في مرسوم التعديل، باستبدال المادة (42) بالنص التالي: “مع مراعاة حكم الفقرة الثانية من المادة /121/ من قانون العقوبات تقضي المحكمة بإبعاد الأجنبي الذي يحكم عليه في أي من الجرائم الواقعة على العرض أو يحكم عليه بعقوبة الجناية في أي من الجرائم المنصوص عليها في هذا المرسوم بقانون وذلك بعد تنفيذ العقوبة المحكوم بها”.

وكان نص المادة (42): “تقضي المحكمة بإبعاد الأجنبي الذي يحكم عليه بالإدانة لارتكاب أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا المرسوم بقانون وذلك بعد تنفيذ العقوبة المحكوم بها”.

يعتبر مثل هذا التعديل مساسا صارخا بحرية التعبير حيث انه يعد تهديدا مباشرا لكل نشاط حقوقي حيث إن هذه العقوبات الجديدة المشددة سوف تزيد من حالات تجريم استعمال المواقع الاجتماعية الالكترونية والوصول الى المعلومة وتبادلها دون تضييق وقد ظهرت اثار ذلك من خلال تصنيف الإمارات في مؤشر الحرية على الإنترنت “غير حرة”. كما يصنف تقييم مراقب “سيفيكاس” الفضاء المدني في الإمارات بأنه “مغلق “.

قانون مكافحة الإرهاب

أظهرت السلطات الإماراتية تصميما كبيرا وواضحا على “خنق” الحريات والسيطرة على النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان وهي غيرها من الأنشطة المشروعة التي ترى فيها السلطات تهديدا لنفوذها وسياساتها وربما بتعبير أبسط “إن لم تتفق معي فأنت إرهابي”.

من هنا جاء قانون مكافحة الإرهاب في حقيقة الأمر وأصدر قانون الإرهاب رقم 7 لعام 2014 في 20 أغسطس/آب ويصنف القانون كل عمل يجرمه بصفته جريمة إرهابية، ويفتح الباب أمام الملاحقات القضائية بتهمة الإرهاب بحق من يعبرون عن المعارضة السلمية للحكومة.

تعرّف المادة 1 من القانون بشكل فضفاض “النتيجة الإرهابية” بصفتها، من بين جملة أمور، ترمي إيقاع الرعب بين الناس أو ترويعهم و”معاداة الدولة”، لكن دون تحديد وجود قصد بالتسبب في الموت أو الإصابة الجسيمة، أو أي عناصر أخرى، بما يضمن عدم وصم المعارضة السلمية بمسمى “الإرهاب”.

وتفرض المادة 14 من القانون عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد على كل من يرتكب أعمالا بقصد “تهديد استقرار الدولة أو سلامتها أو وحدتها أو سيادتها أو أمنها” أو “الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلم الاجتماعي”.

تنص المادة 15 على أحكام تتراوح بين 3 و15 عاما لكل من “أعلن بإحدى طرق العلانية عداءه للدولة أو لنظام الحكم فيها أو عدم ولائه لقيادتها”. المادة 17 تُقرأ اقترانا بمادة تخص التبشير في قانون العقوبات، وتغلّظ من عقوبة حيازة مواد تعارض المبادئ التي يقوم عليها الدين الإسلامي أو تعاليمه أو تعلن عدم صحة هذه المبادئ، من السجن عامين إلى الإعدام.

تفرض المادة 16 عقوبة حدها الأقصى السجن المؤبد، لكل من دخل “مقر إحدى البعثات الدبلوماسية أو القنصلية أو مقر إحدى الهيئات والمنظمات الدولية بقصد تحقيق نتيجة إرهابية مباشرة أو غير مباشرة.

يعرّف القانون “التنظيمات الإرهابية” بصفتها جماعات تعمل على إحداث “نتيجة إرهابية مباشرة أو غير مباشرة” وينص على الإعدام لكل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار أو تولى قيادة تنظيم إرهابي. أي شخص يسعى للانضمام إلى تنظيم إرهابي أو للمشاركة فيه يمكن أن يُحكم عليه بالسجن المؤبد.

يمكن القانون المحاكم من تصنيف الجماعات بصفتها تنظيمات إرهابية بغض النظر عن مكان إنشاء التنظيم أو المكان الذي ينشط أو يتواجد فيه، أو جنسية أعضائه أو أماكنهم.

تنص المادة 34 على السجن بحد أقصى 10 سنوات لكل من يروج عن علم شفاهة أو كتابة أو بأي شكل آخر لتنظيم إرهابي.

كما يسمح القانون للمحاكم – بطلب من النيابة العامة – بأن تأمر بفرض حظر سفر وفرض مراقبة على الأشخاص الذين يعتبرون خطرين من منظور الإرهاب، ويحظر عليهم السكن بأماكن معينة أو زيارتها، أو التواصل مع أشخاص بعينهم. لا ينص القانون على حق الفرد في الطعن على هذه القرارات.

يبدو واضحا أن هذه التعريفات للإرهاب والنصوص التي أتى بها القانون تهدف بشكل أساسيٍّ لإحكام القبضة على كل رأي مخالف للسلطة ولكل تفكير حرّ منفتح على القيم الكونية لحقوق الإنسان التي تحترم حرية التعبير وتقدس النشاط الحقوقي باعتباره محركا أساسيا للشعوب ولتحسين حياتهم.

وقد اعتبرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن هذا القانون هو “قانون بشع وعنيف ومتطرف وله تبعات مأساوية محتملة”.

قمع باسم القانون

إن هذه القوانين تهدف إلى الإحاطة بكل النشاطات الإعلامية والحقوقية أو حتى نشاطات المواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي التي قد تتضمن نقدًا أو معارضة لممارسات السلطة من خلال تجريم هذه تلك النشطات والآراء، وبالتالي منع الناس من إبداء الرأي المخالف مهما كان بسيطًا، وهو ما يفسر تراجع الإمارات في مؤشر الحرية من عام الى آخر وتزايد الانتقادات الحقوقية لها.

استعملت السلطات في تلك القوانين خاصة قانون مكافحة الإرهاب تعريفات وعبارات فضفاضة يمكن تفسيرها على هوى السلطة لمعاقبة النشطاء والتضييق عليهم وحتى حبسهم وتعريضهم للمحاكمات كما جرى في قضية “الإمارات 94” كما تتيح تلك القوانين حماية جهاز أمن الدولة وكل من يتورط في ملاحقة النشطاء وسجنهم باعتبار أنهم يمتلكون غطاء قانونيا لممارساتهم.

كما تتميز مواد المرسوم المتعلق بقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات بأنها فضفاضة ومبهمة و توفر السند القانوني لملاحقة من يستخدمون تقنية المعلومات أمام القضاء وسجنهم، رغم أن بعض المواد تهدف إلى منع تفشي الآراء العنصرية والطائفية على الإنترنت، إلا أن الأثر الأساسي للقانون هو التقييد الشديد لحقوق حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات وحرية التجمع وهو ماذهبت له منظمة “هيومن رايتس ووتش”.

وعلى الرغم من العيوب والمآخذ الكثيرة الواردة في تلك القوانين والغموض الذي يكتسي المواد المكونة لها فان السلطات الإماراتية ماضية في استعمالها كسلاح “مقنن” للإسكات الأصوات المعارضة والتي تدافع عن حقوق الإنسان.

العشرات من المعتقلين اليوم في السجون الإماراتية هم ضحية لتلك القوانين التي استهدفتهم ومكنت جهاز أمن الدولة من شن حملات اعتقال كبيرة منذ 2012 حيث اعتقل الأكاديمي، والمحامي والقاضي، والمهندس، والمعلم، والطالب، والشيخ، والناشط الحقوقي وغيرهم من فئات الشعب الإماراتي ممن طالبوا بالإصلاح ورفعوا صوتهم بشكل سلمي وعلني ضد الانتهاكات والقمع.

واعتبرت محاكمة مجموعة “الإمارات 94” القضية الأكبر التي هدفت إلى سحق مختلف أشكال المعارضة السلمية وامكانية ممارسة حرية التعبير والتي اختتمت في يونيو 2013، بمحاكمة كانت حافلة بالانتهاكات من التعذيب وانتزاع الاعترافات بالقوة ثم تم إصدار أحكام بالسجن من سبعة إلى خمسة عشر عاماً بحق 69 مدّعى عليهم، وتبرئة 25 آخرين.

واقع حقوقي قاتم وقضاء غير مستقلّ

عملت الإمارات على بناء صورة حديثة لها ترتكز على الاستثمارات والتحديث العمراني والبنى التحتية بما رسم لها واجهة براقة روجت لها بكل السبل على المستوى العالمي وذلك بكثافة تمويل ورعاية المؤسسات والمنتديات التي تهدف إلى إبراز صورة إيجابية عنها للعالم الخارجي.

في المقابل لم يواكب ذلك أي تطور ملموس على المستوى الحقوقي حيث واصلت انتهاكاتها ضد معتقلي الرأي وحرية التعبير وضيقت دائرة استعمال المواقع الالكترونية وسلطت القوانين القمعية على المواطنين وحظرت عدة مواقع كما أنها اتبعت سياسة التعتيم على أوضاع السجون ومعتقلي الرأي داخلها ومنعت حتى المقررين الأممين الخاصين من زيارتها ومعاينة أوضاعهم.

من جهة أخرى يواجه النشطاء ومعتقلو الرأي تحديا آخر عدى ملاحقتهم أو حبسهم واسكات أصواتهم وهو تعرّضهم للمحاكمات غير العادلة جراء ضعف مسار العدالة وغياب استقلالية القضاء الذي بات يخضع بصورة كبيرة للسلطات الإماراتية ولتغول جهاز أمن الدولة.

إلى اليوم تبقى جرائم التعذيب ضد معتقلي الرأي دون تحقيق أو محاسبة خاصة تلك التي تعرضوا لها في الاختفاء القسري وخلال التحقيق معهم وانتزاع اعترافات منهم بالقوة ولم يبدي القضاء الإماراتي اي تحرك في اتجاه فتح تحقيق رغم طلبات معتقلي الرأي التي تقدموا بها خلال المحاكمات مما يشجع على إفلات الجناة ويشكل انتهاكا لالتزامات الإمارات بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب.

ففي الوقت الذي كان من الأولى أن يضمن القضاء جلسات محاكمة عادلة و علنية أمام محكمة مستقلة، ورفض أي أدلة تقوم على التعذيب أو سوء المعاملة، حصل عكس ذلك وتم اصدار أحكام مجحفة بحق المعتقلين اثر محاكمات غير عادلة في ظل صمت قضائي ان لم نقل في ظل تواطؤ مقصود.