موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: شلل وتهميش ينتظر المجلس الوطني المنتخب في الإمارات

341

تسيطر السلطة التنفيذية وجهاز الأمن في دولة الإمارات على المجلس الوطني الاتحادي ما يبقيه في حالة شلل وتهميش رغم أنه سلطة من المفترض أن تكون مستقلة تماما في توزان دقيق مع بقية سلطات النظام السياسي في الدولة.

وطوال أربعة عقود ظل المجلس الوطني الاتحادي في قبضة السلطة التنفيذية تتحكم فيه كيفما تشاء وتوجهه أينما تشاء فصادرت اختصاصاته، وقلصت صلاحياته، وكبلت أعضاءه ومهامه، وقزمت أدواره وعزلته عن الشعب الإماراتي، وتدخلت في كل تفاصيل عمله، وصولا إلى الانتخابات الأخيرة في أكتوبر الجاري.

والمجلس الوطني، بذاته وأعضائه وطريقة انتخابه يمثل أحد أشكال المشاركة السياسية للإماراتيين، وهو ما يعني أن يكون الإماراتيون شركاء في صنع القرار السياسي والاقتصادي والأمني لبلادهم ويمنعون تعسف السلطة التنفيذية واستبدادها ويراقبون سلوكها وأداءها المحلي والخارجي.

لذلك فإن النظام الإماراتي حرص تماما على تجريد الإماراتيين من هذا الحق ومن هذه الصلاحيات والسلطات لتظل متفردة مستبدة في صنع القرار، بحسب ما يقوله ناشطون.

ومر تاريخ منع المشاركة السياسية في عدة مراحل. إذ ظل المجلس الوطني منذ عام 1972 وحتى عام 2005 يتم اختيار أعضائه بالتعيين، وينحصر دوره بالمهمات الاستشارية، بحسب وصف الخارجية الأمريكية.

وفي عام 2005 روجت الإمارات زورا وبهتانا لتوجهها إلى تطوير المجلس الوطني، ولكن التسلط الأمني وسيطرة جهاز أمن الدولة عرقلت مشروع رئيس الدولة، إذ قام بالتنسيق مع السلطات التنفيذية بعدد من الخطوات.

من ذلك استحداث النظام عام 2006 “وزارة شؤون المجلس الوطني الاتحادي” في علاقة غير مبررة وغير واضحة بين سلطة تنفيذية وأخرى من المفترض أنها تشريعية، إذ لا يجوز أن تكون الأولى “سيدة” على الثانية بحسب أصول الأنظمة السياسية الحديثة.

تبع ذلك، قرار المجلس الأعلى للاتحاد رقم (4) لسنة 2006 في شأن تحديد طريقة اختيار ممثلي الإمارات في المجلس الوطني الاتحادي. وقضى القرار بتشكيل 7 هيئات انتخابية، بعدد إمارات الاتحاد. يعين حاكم كل إمارة الهيئة الانتخابية فيها، ويتمتع بحق الترشح والانتخاب كل مواطن أدرج اسمه في الهيئة الانتخابية الخاصة بإمارته. وتتولى كل هيئة انتخابية، فيما بينها: إما ترشيحا أو اقتراعا، اختيار نصف عدد المقاعد المحدد لكل إمارة، ويعين حاكم الإمارة النصف الآخر.

بالتالي تمثل التطوير فقط، بانتخاب نصف أعضاء المجلس الوطني، من جانب عدد محدود من الإماراتيين، وظل تعيين النصف الآخر من جانب حكام الإمارات. وهذا هو كل التطور الذي لامس المجلس الوطني حتى الآن.

كان التطوير الذي قامت به الحكومة في انتخابات 2019 وما قبلها، هو فقط زيادة أعداد الهيئة الانتخابية، وصل إلى حرمان 65% من الشعب الإماراتي من حقه بالاقتراع والانتخاب.

إضافة إلى جعل المجلس مناصفة بين الرجال والنساء بزعم تمكين المرأة والمساواة، وهو ما نتج عنه مشكلات كبيرة جدا في الانتخابات الأخيرة كونه سمح مثلا لامرأة حصلت على 300 صوت أن تفوز على مرشح رجل حصل على 1000 صوت، وهكذا.. وقد ترتب على ذلك استياء وانتقادات شعبية ونخبوية واسعة النطاق.

وما يؤكد أن المجلس الوطني يخضع للسلطة التنفيذية، ما قالته رئيس المجلس الوطني أمل القبيسي بمناسبة الذكرى ال45 لتأسيس المجلس، في 7 فبراير 2017: فيما يتعلق بتوسيع صلاحيات المجلس الدستورية فهو “وفق ما يتراءى للقيادة الرشيدة عقب كل مرحلة من مراحل التمكين السياسي”، على حد قولها، متجاهلة أن المجلس الوطني سلطة مستقلة ويجب أن يكون سيد نفسه.

ولم يكتف جهاز الأمن والسلطة التنفيذية بعدم منح المجلس صلاحيات دستورية في الرقابة والتشريع، بل قاما بتضييق الجزء اليسير مما كان يمارسه المجلس إلى حدود دنيا.

فالمرحلة الأحدث في مسار احتواء المجلس الوطني كان إقرار المجلس الأعلى للاتحاد قرار رقم (1) لسنة 2016 اللائحة الداخلية للمجلس الوطني.

فاللائحة أسندت دور التشريع ومناقشة القوانين إلى لجنة واحدة في المجلس، وجعلت مشاركة بقية أعضاء المجلس ممكنة ولكن مقيدة وفي حدود ضيقة، إذ أعطت مقرر اللجنة حق إبداء “رأيه فيها”، وأن تكون اقتراحات الأعضاء مكتوبة، ويشترط موافقة المجلس للنظر في تعديلات الأعضاء. وهذا يعني نزع صلاحية التشريع من 40 عضوا إلى بضع أعضاء فقط.

أما في الرقابة ومناقشة الموضوعات العامة، فقد شهدت هذه الصلاحية قيدا جديدا، يتضمن شرط موافقة المجلس على طلب مناقشة أي موضوع يطلبه 5 أعضاء من المجلس فأكثر، وهو ما يعني أن المجلس قد يرفض مناقشة موضوع ما، وهذا أحد القيود الجديدة على المجلس.

وفي الاستجواب وطرح الأسئلة، اشترطت اللائحة ألا “يضر بالمصلحة العليا بالبلاد”، دون أن تفسر معنى المصلحة العليا، إلى جانب منع المجلس من حرية القيام بأعماله دون أي قيود، ويحق لمكتب المجلس الوطني استبعاد السؤال إذا لم يتوفر فيه الشرط السابق.

وفي مناقشة الميزانية، فقد نصت المادة (138) من اللائحة، على أن كل تعديل تقترحه اللجنة المالية في الميزانية “يجب أن تأخذ رأي الحكومة فيه”، وإذا تضمن مقترح المجلس زيادة في النفقات “وجب أن يكون ذلك بموافقة الحكومة أو بتدبير ما يقابل هذا التعديل من إيراد آخر أو نقص في النفقات الأخرى”. أي أن المجلس عليه تحمل تدبير الميزانية والاعتمادات وليس فقط قيود موافقة الحكومة على مقترحاته.

إحدى القضايا الرئيسية المرتبطة بالمشاركة السياسية، وظلت السلطات ترددها، هي: أن الإماراتيين لا يرغبون بالمشاركة السياسية وأنهم لا يكترثون بالانتخابات.

غير أن الواقع يؤكد أن الإماراتيين حريصون على تحمل المسؤولية والمشاركة السياسية، ولكن طريقة إدارة السلطات للمجلس الوطني تمنع الإماراتيين من المشاركة سواء المسموح لهم بالانتخاب والاقتراع أو الممنوعون أصلا من هذا الحق في أحد أكثر صور التمييز بشاعة في الدولة.

وقال معهد واشنطن في دراسة للباحثة “لوري بلوتكن بوغاردت”: المجلس الوطني الاتحادي في حد ذاته هو قصة إصلاح محدود، ولا يزال مجلسا استشاريا”، في توصيف حقيقي لسبب عزوف الإماراتيين للمشاركة السياسية، كونهم لا ينظرون بجدية إلى مصداقية السلطة التنفيذية في تمكين المجلس والشعب من حقوقهم.

وأظهر الإماراتيون المزيد من الاهتمام الواسع للمشاركة في النشاط المدني والسياسي العام. وجاءت العلامات المبكرة للوعي السياسي الجماعي في شكل عرائض للحكام تركز على المعضلات الحضرية، مثل النقل والإسكان، وكذلك مطالب لتوزيع الموارد على نحو أكثر إنصافا عبر الإمارات السبع، إضافة إلى عريضة الثالث من مارس 2011.

وليس من المبالغة اعتبار أن كل ما تعانيه دولة الإمارات من مشكلات في الحقوق والحريات وأزمات سياسية واقتصادية إنما ينطلق بداية من مصادرة حق الإماراتيين في المشاركة السياسية بصفة عامة، وفي الترشح والاقتراع بصفة خاصة.

هذا المنحدر الذي أدخلت السلطة التنفيذية وجهاز الأمن الدولة فيه، دفع بمئات المثقفين والأكاديميين في الثالث من مارس 2011 إلى رفع عريضة لرئيس الدولة تضمنت مطلبين شعبيين عادلين: تعزيز استقلال القضاء وتمكين الشعب الإماراتي من حقه بلا قيود في الترشح والانتخاب للمجلس الوطني.

جهاز الأمن واجه العريضة والموقعين عليها بعنف مفرط، إذ استغلت السلطة التنفيذية القضاء كأداة عقابية لسجن عشرات من الموقعين على العريضة بزعم “التخطيط لقلب نظام الحكم”، وهي المزاعم والاتهامات التي عجزت النيابة والقضاء عن إثبات أي منها، ويدرك الإمارايتون أنها اتهامات باطلة مزورة وملفقة لا تصمد أمام القضاء النزيه والمستقل ولا يقبل بها مجلس وطني اتحادي منتخب بصورة ديمقراطية حقيقية دون مصادرات أو قيود.

ولكن الإنجاز الكبير من هذه الانتخابات رغم عوارها الكبير، هو زيادة وعي الإماراتيين بحقيقة ما يجري، وكيف أن الجزء الأعظم منهم يواجه الإقصاء والتهميش والحرمان من حقوقه السياسية والمدنية لا بيد سلطات احتلال ولا تدخلات خارجية وإنما بقرارات وسياسات محلية صادرة عن السلطة التنفيذية وجهاز الأمن، وهو ما يعتبره الإماراتيون تحديا يفوق جور الاحتلال وعبث الخارج.

فهل نضجت تجربة الإماراتيين، وأدركوا حجم الاستهداف والتغييب المفروض عليهم، وهل سيبعث الإماراتيون الروح من جديد في عريضة الثالث من مارس 2011؟! كل الدلائل والمؤشرات تؤكد ذلك، وما الجدل الصاخب على مواقع التواصل الاجتماعي احتجاجا واعتراضا على الانتخابات الأخيرة إلا أحد النذر الشعبية الكثيرة التي ستجد طريقها للتعبير المادي بشكل وآخر في وقت يفاجئ الجميع!.