موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

خلل التركيبة السكانية: الهنود ثلاثة أضعاف الإماراتيين

475

في تكريس لواقع خلل التركيبة السكانية، أظهرت إحصائيات رسمية نتائج صادمة بأن الهنود يشكلون ثلاثة أضعاف المواطنين الإماراتيين.

إذ نشرت الحكومة الهندية تقريراً حول مواطنيها المتواجدين خارج البلاد، أظهر أن الإمارات تعد ثاني دولة حول العالم تحتضن جالية هندية، بأكثر من 3.4 مليون وافد، بعد الولايات المتحدة التي تحتضن حوالي 4.4 مليون وافد.

وتشكل العمالة الهندية في الإمارات أكثر من ثلاثة أضعاف المواطنين الإماراتيين الذين يبلغ عددهم حوالي مليون نسمة نهاية العام الماضي 2021، وفق الحكومة الإماراتية.

وأثارت أرقام الحكومة الهندية جدلاً واسعاً وسط الإماراتيين الذين أبرزوا مجددا مخاطر استمرار تدهور واقع التركيبة السكانية والوظائف في الدولة.

وحذرت دراسة نشرها مركز الفكر الخليجي من أن العبث بالتركيبة السكانية في الدولة يهدد الشعب الإماراتي ومستقبله في ظل تواطؤ حكومي فاضح.

وقالت الدراسة إن التوازن في التركيبة السكانية يمثل أحد المتطلبات الأساسية للتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهو يأخذ أبعاد مختلفة منها توازن النوع والعمر والجنسية.

وبحسب الدراسة تواجه دولة الإمارات تحديا في تركيبتها الديموغرافية يتمثل في انخفاض نسبة المواطنين والتنوع الكبير في جنسيات السكان إلى جانب ارتفاع نسبة الشباب الذكور الوافدين من أقطار مختلفة.

فهناك خلل شاسع في التركيبة السكانية، والتي تفتقد إرادة سياسية جادة لحلها، وبالرغم من سعى معظم دول الخليج لمواجهة هذه الإشكالية من خلال وسائل عدة أبرزها إحلال العمالة الوطنية كبديل للوافدين والأجانب، إلا أن الإمارات كان لها شأن آخر.

وبرز خلل التركيبة السكانية في الإمارات منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي نتيجة ظهور النفط وزيـادة معدلات الهجرة إليها لتحقيق الأهـداف التنموية التي كانت تسعى لها لتعويض النقص في الأيدي العاملة الوطنية اللازمة لتحقيق تلك الأهداف، مما أدى إلى تدفق الخبرات الوافدة وتراكمها عبر السنوات، الأمر الذي أدى إلى حدوث الخلل في التركيبة السكانية.

ورغم كثرة الحديث عن ظاهرة الخلل السكاني في بلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ أكثر من أربعة عقود، فإن هذه المشكلة الهيكلية في دولة الامارات مازالت تتفاقم حتى وقتنا الحاضر وتنذر بمخاطر مصيرية.

فيما تقف الإجراءات التي تم اتخاذها بهذا الشأن على المستويين الأهلي والحكومي، والتي تبدو في ظاهرها مشددة، عاجزة عن إيقاف تفاقم مشاكل الخلل السكاني، ومعالجة المشكلات الناجمة عنهما، والتي من أهمها:

انتشار البطالة بين المواطنين، ونشوء نمط جديد من الاحتياجات الاستهلاكية الهامشية التي تعتمد على العمالة الوافدة، فضلاً عن تأثير ذلك على الهوية الوطنية.

وحذرت كثير من الدراسات من الأثار السلبية لزيادة أعداد الوافدين منذ بداية الثمانينيات ولكن الخلل استمر في التفاقم حيث ارتفع عدد السكان بدولة الإمارات من أربعة ملايين عام 2005 إلى عشرة ملايين تقريباً عام 2020 على إثر الهجرة الأجنبية مما خفض نسبة المواطنين من 21 %الى 12 % تقريباً.

وقدرت الأمم المتحدة عدد الوافدين (غير الإماراتيين) بنحو 8.587 مليون نسمة في عام 2020م، وبنسبة 87.9% من إجمالي عدد سكان البلاد.

وجاء قرار السلطات الإماراتية في الآونة الأخيرة بتعديل قانون الجنسية وفتح باب التجنيس أمام الصهاينة وغيرهم ليثير الشكوك حول هذه الخطوة وما المغزى وراءها ولصالح من؟ ومدى تأثيرها على مستقبل الإمارات كدولة وعلى المنطقة ككل.

وقد شهدت التركيبة السكانية في الإمارات منذ نشأتها عام 1971 تحولات عديدة ولكن ربما كان التحول الأساسي التي مرت بها الدولة هو الخلل في التركيبة السكانية الذي مازال يتفاقم بشكل كبير، والذي يشير وفق بعض المراقبين أن الدولة لم تسع لوقف الخلل بل ساعدت عليه لتحقيق أهداف وسياسات خاصة لمشايخ الإمارات وهذا ما ستتناوله الدراسة بمزيد من التفصيل.

وارتبط النمو السكاني في الإمارات بالتحولات الاقتصادية فمع ارتفاع ظهور النفط وتبني الدولة لخطط تنموية وإن كانت قاصرة وغير محسوبة قامت باستقدام عمالة ماهرة وغير ماهرة من الدول العربية والأجنبية.

ويمكن تعريف الخلل في التركيبة السكانية أنه طغيان نسبة العمالة المقيمة على نسبة المواطنين على إثر الهجرة الخارجية، بمعنى تناقص نسبة المواطنين من جملة السكان وأثر ذلك في أحوالهم الاجتماعية.

وكذلك تغير ملامح الواقع البيئي والثقافي المحيط بهم، ولاختلال التركيبة السكانية أثار سلبية على التنمية الاقتصادية ويؤدي لنتائج متعددة على المستوى الاجتماعي.

وأهمها ضياع الهوية الثقافية للدولة وعلى المستوى الاقتصادي تقليص فرص العمل للمواطنين وارتفاع الإنفاق العام على الخدمات والبنية الأساسية ناهيك عن ارتفاع الإنفاق على الأمن على أثر ارتفاع معدل الجريمة لعدم وجود تجانس في المجتمع متعدد الأعراق والديانات واللغات.

وقد مر النمو السكاني في دولة الإمارات بمرحلتين أساسيتين؛ الأولى: قبل اكتشاف النفط بكميات تجارية؛ حيث كان النمو السكاني بطيئاً وبمعدل لا يتعدى 1% سنوياً.

أما الثانية فهي الممتدة من 1975م حتى الآن، وقد شهدت هذه المرحلة طفرات واسعة في معدلات النمو السكاني؛ ففي السبعينات وصل معدل النمو إلى 15% سنوياً؛ ويجد الباحث تضارب أحياناً في تقديرات عدد السكان وخاصة في السنوات الأخيرة، في ظل غياب تعددات رسمية فكان آخر تعداد رسمي عام 2005، واعتمد البحث في بياناته على تقديرات البنك الدولي بصفة أساسية وبعض المصادر الأخرى.

وبالرجوع إلى التقديرات الإحصـائية للأمـم المتحدة عن عدد السكان في الإمارات في منتصف عام 1958، م فقد قدر سـكان الإمارات ب 86 ألف نسمة، وبعد خمس سنوات ظهر تقدير لعدد سكان الإمارات في الدورية البريطانية المعروفـة باسم Yearbook s Man States The يصل إلى 95 ألف نسمة في عام 1963 أي بزيـادة مقدارها 9 آلاف نسمة خلال خمس سنوات، وهذه الزيادة تتفق مع بداية إنتاج النفط الخام وبداية عودة المهاجرين إلى البلاد.

وفي عام 1968م جرى أول تعداد عام للسكان كشف عن زيادة كبيرة جدا في معدل نمو السكان في مختلف الإمارات منذ أوائل الستينات، فقد ارتفع عدد السكان إلى أكثر من 180 ألف نسمة أي بزيادة مقدارها 85 ألف نسمة خلال خمس سنوات.

وتم اجراء أول تعداد للسكان بعد نشأة الاتحاد عام 1975، وبلغ عدد السـكان حوالي 548,301 ألف نسمة أي بزيادة تقرب من 378 ألـف نسـمة خلال مدة لا تزيد على سبع سنوات، وترتبط هذه الزيادة ارتباطا وثيقا بالنهضـة العمرانيـة، وما صاحب ذلك من تدفق للعمالـة الوافـدة.

هذا فضلا عن صـدور قانون الجنسية في عام 1972، م والذي أتاح لمواطني قطر والبحرين وعمان جنسية الاتحاد بعد إقامة ثلاث سنوات، كما أتاحها للعرب بعد عشر سنوات وللمهاجرين الأجانب بعد ثلاثين سـنة بشرط إجادة اللغة العربية.

وأظهر تعداد عام 1995م عن زيادة سكانية كبيرة، حيث بلغ عدد سكان الدولة 2,415,090 نسمة وقد بلغت الزيادة في السكان خلال العشر سنوات التي تلت التعداد الأخير نحو 1,048,926 نسمة.

وهكذا استمر زيادة الطلب على الأيدي العاملة، وزيـادة عـدد السكان التي ظهرت بشكل جلي في إحصاءات 2005، حيث بلغ عدد السكان 4,588,225 نسمة بزيادة عن التعداد في سنة 1995 تبلغ 2,173,135 نسمة أي تضـاعف عـدد السـكان، وبالمقارنة مع تعداد 1975 فإن عدد السكان تزايد بنسـبة 736.1% أي تضـاعف بمقدار سبعة أضعاف عن أول تعداد.

وكشفت إحصائيات المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء عن ارتفاع أعدد السكان إلى 9 ملايين و503 آلاف و738 نسمة في نهاية العام 2019، بزيادة قدرها 1.46%، مقارنة بنحو 9 ملايين و366 ألفاً و828 نسمة في نهاية 2018، فيما قال المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء إن العدد الإجمالي للسكان بلغ عام 2020 تسعة ملايين و282 ألفاً و410.

ورافق النمو السكاني ارتفاع الخلل في التركيبة السكانية فكانت هذه الزيادة نابعة من كثرة الوافدين وليس النمو السكاني للمواطنين، فكانت نسبة المواطنين في الستينات تشكل أكثر من 60% من مجموع السكان.

أما في السبعينيات وبداية الثمانينات تراجعت نسبة المواطنين إلى أقل من 20% من مجموع السكان، وهو الوضع الذي استمر كذلك في حقبة التسعينيات وحتى الإحصاء الرسمي الأخير الذي نفذته وزارة الاقتصاد في العام 2005م.

ففي سنة 1975م كانت نسبة المواطنين 36% من إجمالي عدد السكان، ثم انخفضت إلى 27.1% في العام 1980م، أما في تعداد عام 1985م فقد مثل المواطنون ما نسبته 28% فقط، فيما مثل الوافدين 72%، كان نصيب الهنود والباكستانيين وأبناء جنوب شرق آسيا النسبة الأكبر منها.

أما في تعداد 1995 فكانت نسبة المواطنين 24.36% تقريباً مقابل 57.64% للوافدين، واستمر تراجع نسبة المواطنين ففي تعداد 2005 بلغت نسبة المواطنين، 20.10%، وكانت الفجوة الكبرى عام 2010، فكانت نسبة المواطنين 11.47% بينما نسبة الوافدين 88.53%، وفي 2018 بلغت نسبة المواطنين 12.09% مقابل 87.01% للوافدين حسب تقديرات غير رسمية.

وتزايد عدد الوافدين بمعدل خمس مرات ونصف خلال عشرون عاما 1975 – 1995م (بنسبة زيادة بلغت 211%، 276%، 512% لأعوام 1980 و1985 و1995 على التوالي.

وكان عام 2007 الأكثر استقطاباً للمقيمين من خارج الدولة، بواقع 1,79 مليون مهاجر جديد، تلاه عام 2006 بواقع 1,15 مليون مهاجر إلى الإمارات.

وبالرغم من عدم وجود تعداد رسمي يبين وضع المواطنين مقارنة بالوافدين خلال السنوات الأخيرة إلا أن كافة التقديرات تدور حول أن نسبة المواطنين تتراوح بين 11، 13% وهي نسبة تنم عن حجم الخلل السكاني ومدى خطورة الأمر على الدولة ومواطنيها.

وبالرغم من أن الخلل السكاني بدأ مبكراً في تاريخ الدولة إلا ان بعض المراقبين يرى أنه كان لمحمد بن راشد آل مكتوم دور كبير في هذه الطفرة في استقبال الوافدين، فعندما تولى منصب ولاية عهد إمارة دبي عام 1995، سعى لتحويل دبي إلى مركز تجاري وسياحي عالمي.

وانتهج بن راشد لتحقيق ذلك سياسة جذب المزيد من الوافدين، وزاد هذا النهج عندما تولى ولاية دبي ورئاسة الحكومة الاتحادية عام 2006، والتي تزامنت مع صعود محمد بن زايد وسيطرته على مقاليد الدولة، والذي ساعد بدوره على استمرار هذه السياسة والتي أدت إلى هذا التفاقم الكبير في الخلل السكاني.

وقد تعددت أسباب خلل التركيبة السكانية ولكن يُعد أهم هذه الأسباب هو التجاهل الحكومي المتعمد لهذه الظاهرة على أفضل تقدير إن لم يكن كما يرى بعض الباحثين أن الحكومة تسعى لاستمرار هذا الخلل لأهداف مختلفة، أهمها:

أهداف سياسية

1-تسعى الحكومة الإماراتية إلى إظهار نفسها كنموذج للتسامح واستيعاب الجنسيات والأعراق المختلفة، وتسعى لتطبيق هذا النموذج من خلال فتح البلاد أمام جميع الجنسيات والأعراق والأديان، وذلك للتغطية على ممارستها القمعية تجاه مواطنيها أو تدخلاتها السياسية والعسكرية في الدول المختلفة.

2-إبعاد المواطنين عن المشاركة في القرار السياسي أو الاقتصادي من خلال مشاركتهم في إدارة القطاع الخاص الذي يمثل الجزء الأكبر من الناتج المحلي الإماراتي، وترك هذا القطاع تحت سيطرة المستثمرين والمقربين من الحكومة.

3-تسعى الحكومة لتغيير التركيبة السكانية بما يتواءم مع أهدافها واستراتيجيتها الجديدة وتوسعاتها وتحالفاتها الخارجية والتي تستلزم التخفف من أي ضغوط داخلية تتعارض مع تلك الاستراتيجية.

هدف اقتصادي

-تهدف الحكومة ورجال الأعمال المقربين إلى تنفيذ الرؤي الاقتصادية الخاصة بهم وتحقيق المزيد من المكاسب المادية عبر استقدام العمالة الأجنبية الرخيصة، لذا اتجهت إلى دول شرق آسيا، بعيداً عن العمالة العربية، أو فتح المجال أمام المواطنين على اقتحام القطاع الخاص.

لذا سعت الحكومة لتحقيق هذه الأهداف من خلال القرارات والقوانين التي تم وضعها ورسمت السياسات من أجل تحقيقها مثل التوسع في بيع الأراضي العامة، وتشجيع المستثمرين الأجانب على الاستثمار، وتسهيل الإقامة الدائمة ثم الجنسية للوافدين، ورفع الحواجز عن استقدام العمالة الأجنبية اللازمة لبناء المدن والمناطق العقارية الجديدة، دون مراعاة لأبعاد وتداعيات الخلل السكاني.

فاستراتيجية التنمية التي انتهجتها السلطات في الإمارات بناء على استشارات وخطط وضعتها شركات ومعاهد أجنبية، نظرت إلى الدولة كمشروع تجاري وليس كدولة وطنية عليها واجب بناء الدولة وتأهيل المواطن وتفعيل دور المجتمع وتحقيق التماسك الاجتماعي من خلال عملية تنمية وطنية مستدامة ذات بعد إنساني، وباتت الدولة تقع تحت تصنيف “الدولة الوظيفية” وفقاً لتعريف الدكتور عبد الوهاب المسيري “.

ويمكن إجمال أسباب خلل التركيبة السكانية إلى عدة نقاط منها:

المشاريع العقارية الدولية وتفاقم الخلل السكاني

تمثل ظاهرة العقار الدولي نقلة نوعية وجوهرية في سياسة الإمارات حول التركيبة السكانية، فحتى ظهور الألفية الجديدة كانت التركيبة السكانية ناتجة بشكل رئيسي من تدفق العمالة الوافدة إلى المنطقة.

وكانت نظرة متخذي القرار والمستثمرين إلى الأعداد المتزايدة للوافدين مبنية على أنه “أمر لابد منه” لتفعيل النمو الاقتصادي، وبحجة أن قوة العمل المحلية غير قادرة على تلبية احتياجات رؤوس الأموال المتسارعة في المنطقة.

أما مع ظهور الألفية الثالثة وتبلور السياسة العقارية الجديدة، فقد تحولت رؤية متخذي القرار إلى التركيبة السكانية من عنصر إنتاجي يتطلب تنظيمه وتقنينه، إلى مصدر طلب ليس على الدولة استيعابه فقط، بل اجتذابه فعلياً وتصميم سياساتها ورؤاها حوله.

وبهذا تبلورت على أرض الواقع مشاريع عقارية ضخمة تعبر عن رؤية اقتصادية جديدة، هدفها استقطاب مشترى العقار الأجنبي وتوطينه، وجعله شريكاً أساسياً في اقتصاديات الدولة، كما أنها منحته ميزات أخرى مثل الإقامة طويلة المدى وأخيراً ويبدو أنها ليس آخراً، منحه الجنسية.

وأهم ما ميز هذه الرؤى الاقتصادية والمخططات الهيكلية هي أنها كتبت بأيد أجنبية، أما مساهمات المواطنين فيها فهي محدودة جداً، وهذه الظاهرة تنفرد بها دول الخليج وخاصة الإمارات، فمن النادر أن تعتمد الدولة على نهضتها ورسم سياساتها واستراتيجيتها على أيدي اجنبية.

وقد لعب النشاط العقاري خاصة بعد اصدار تشريعات التملك الحر للأجانب في عام 2002 بدبي وتبعته بقية الإمارات – مع التباين في تجربة كل امارة-، دورا كبيرا في رفع أعداد العاملين في نشاط التشييد والبناء من جانب وفى جذب أعداد كبيرة لشراء العقارات والاستقرار بالدولة.

ربط المواطنين بالدولة من خلال نموذج الدولة الريعية

أسفر نموذج الدولة الريعية عن تدني قدرة وجاذبية المواطنين على تلبية احتياجات رؤوس الأموال المحلية من حيث كمية ونوعية الأيدي العاملة، مفسحة المجال لاستقطاب العمالة الأجنبية بشكل موسع بناء على الخبرة المكتسبة في هذه الظاهرة من حقبة التواجد البريطاني والأمريكي.

فالمشاريع الاقتصادية التي انبثقت من الثروة النفطية والتي ارتبطت بأصحاب النفوذ والعلاقات مع السلطة، زادت الحاجة إلى الأيدي العاملة المطلوبة لتفعيل الاستثمارات على أرض الواقع، وكان الخيار التقليدي لتلبية هذه الحاجة، هو الاعتماد على المواطنين، ولكن هذا الخيار خلق مشكلتين رئيستين أمام السلطة ورجالها المرتبطين بها، أولها، أن كمية رأس المال المنبثقة من العوائد النفطية كانت تفيض على القوى العاملة الوطنية.

بالإضافة إلى ترفع المواطنين عن العمل في بعض الأعمال الخاصة مثل عمال البناء والسياحة والخدمات وغيرها، ثانياً التخوف من الوعي العمالي والسياسي للمطالبة بجزء من هذه العائدات والمشاركة في المجريات الاقتصادية والسياسية للدولة، لهذا لم يكن الاعتماد على العمالة الوطنية والعربية خياراً محبباً لا لمتخذي القرار المحليين أو الطبقة المتنفذة اقتصاديا على الصعيد المحلي، ولا للدول العظمي ذات النفوذ في المنطقة التي رأت في تطور الوعي السياسي الشعبي خطراً قد يهدد مصالحها الاقتصادية والسياسية.

الحل الآخر والذي طبقته السلطة، تمثل في استقدام الأيدي العمالة الأجنبية غير العربية بشكل متزايد، حيث قدم هذا الخيار مزايا متعددة لمتطلبات رأس المال ومتخذي القرار أولها كان توفر العرض كماً ونوعاً، كذلك فك الاعتمادية التاريخية على المواطنين وإضعاف نفوذهم الاقتصادي وقدرتهم على المطالبة بالمشاركة الفعلية في الحقوق الاقتصادية والسياسية الذي كان يسبب تهديداً لمصالح رؤوس الأموال، والمتحكمين فيها، بالإضافة إلى الخطر السياسي المترتب على ذلك.

3-التواطؤ والتراخي في تنفيذ التشريعات

بالرغم من وجود القوانين المنظمة لدخول الوافدين منذ وقت مبكر، فقد أصدرت الدولة أول قانون لتنظيم دخول العمالة لديها في 1973 وهو القانون رقم 6 ولكن الخطوة الفعلية لتنظيم دخول الوافدين كانت في إصدار قانون عام 1980.

إذ بين فيه شروط التعاقدات الشخصية والجماعية، كما حدد القانون أن أولوية الفرص الوظيفية للمواطنين ثم لقوة العمل العربية ولكن اعتماد تصاريح الدخول لم تدقق على هذه الشروط، فساهم التساهل في منح تصاريح العمل إلى جانب تصاريح الدخول المتعددة من زيارة وسياحة وتراخيص تصدر من المناطق الحرة إلى الارتفاع الكبير في أعداد الوافدين، فالمناطق الحرة من أكثر المناطق كثافة سكانية من الوافدين.

وتعتبر دبي أول إمارة تطبق نموذج المناطق الحرة التي تقدم للشركات الأجنبية امتيازات جذابة والعديد من حوافز الاستثمار، وتمنح المناطق الحرة في دبي على حق التملك 100% للأجانب بالإضافة إلى الإعفاء الكلي من الضرائب، وتحتضن الإمارات نحو 37 منطقة حرة منها 23 منطقة حرة في دبي وحدها.

وتستحوذ المناطق الحرة في دبي على 39% من صادرات الإمارة وتشكل نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي فضلاً أنها مصدر أساسي للاستثمار الأجنبي المباشر إذ يوجد بها ما يزيد على 38000 شركة تتضمن 330000 موظف.

4- التنافس بين الحكومات المحلية

يتيح الدستور لكل إمارة حق التصرف في مواردها الاقتصادية، ومع الانتعاش الاقتصادي اتجهت كل إمارة لتعزيز حكومتها المحلية وتوجهت لإقامة مشروعاتها الخاصة وخاصة في قطاع التشييد والبناء مما أدى لتضخم الحكومات المحلية، واتساع حجم المنافسة بين الإمارات وخاصة أبو ظبي ودبي، مما زاد حجم الطلب على العمالة الأجنبية.

5- غياب التأثير المجتمعي بخطورة المشكلة

بالرغم من المطالبات العديدة بالحد من الهجرة إلا أن الزيادة الكبيرة في نسبة الوافدين وفي ظل غياب أي تأثير مجتمعي على السلطة وتجاهل السلطة للتحذيرات المتعددة التي ترتفع بين الحين والآخر ولكن على استحياء في ظل الخوف من بطش السلطة ومعارضتها، تتفاقم الأزمة وتستمر إلى مدى غير محدود والذي يشكل تهديد مباشر على استمرار الدولة وبقاؤها.

6-ارتفاع عوائد الأنشطة المرتبطة بالهجرة

أصبحت عملية استقدام العمالة الأجنبية تجارة مربحة، حيث يتم تسهيل الهجرة من خلال مؤسسات وأفراد وشركات طيران تجني الكثير من هذه التجارة، فالهجرة تعتبر من أنواع الأعمال التجارية حيث كانت المؤسسة تحصل على أموال من الشخص الذي يطلب عمال إلى جانب الحصول على أموال من العامل نفسه وقد انتشرت مؤسسات توريد العمالة بشكل سريع حيث ركزت في البداية على الهجرة الفردية ثم التركيز على أذونات الدخول الجماعية وبات استقدام العمالة تجارة مربحة ودون مخاطر في ظل دعم بعض الشيوخ والمتنفذين المرتبطين بالسلطة لها.