موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

فضيحة: الإمارات تتورط باستيراد غير قانوني للحيوانات البرية من إفريقيا

477

كشف تحقيق صحفي عن تورط دولة الإمارات باستيراد غير قانوني للحيوانات البرية من إفريقيا في إطار صفقات مالية مشبوهة تنتهك القواعد والقوانين الدولية.

وأظهر تحقيق لموقع The New Arab انتهاك عملية بيع أفيال ونقلها من ناميبيا إلى الإمارات، لمبادئ اتفاقية الاتجار الدولي بالأنواع المهدّدة بالانقراض (سايتس)، والتي تحث على عدم انتزاع الحياة البرية من بيئاتها الطبيعية وبقائها في موائلها.

وجاء في التحقيق: تمتد حديقة سفاري الشارقة على رقعة من ثمانية كيلومترات مربّعة، ما جعل القائمين عليها يصفونها بـ”أكبر سفاري في العالم خارج أفريقيا”، إذ تتسع لنحو 50 ألف حيوان من 120 فصيلة مختلفة، وتعِد الحديقة الجمهور بـ”محاكاة أصقاع أفريقيا الحقيقية” في قلب الصحراء العربية.

ويضم حوز الأفيال بالحديقة، والمسمّى “وادي النيجر”، 13 فيلًا أفريقيًّا برّيًّا، تراها معًا تحت أفياء مظلّات كبيرة، حيث راحتها الوحيدة من أشعة الشمس الساطعة، ومن حرارةٍ قد تناهز الـ 50 درجة مئوية خلال أيام الصيف العادية في الإمارات.

وتُعد تلك الأفيال جزءاً من مجموعة برية أكبر صُدِّرت من ناميبيا إلى الإمارات في مارس/ آذار من هذا العام، وتحديدًا من موطنها الطبيعي في كامنجاب، شمال غربي ناميبيا، بعد صيدها مطلع سبتمبر/ أيلول 2021، ثمّ احتجازها لستة أشهر في الحجر الصحي.

وخُدّرت الأفيال قبل تحميلها في حاويات شحن ونقلها على متن طائرة إلى وجهتها الأخيرة، حديقة سفاري الشارقة، وحديقة العين للحيوانات في أبوظبي، المملوكتين للدولة، والمروج لهما على أنهما ضمن جهود الإمارات الأوسع للحفاظ على الحياة البرية.

لكن عملية البيع تلك لم تخدم سوى غايات تجارية تحت غطاء الحفاظ على الحياة البرية، وانتهكت أيضًا مبادئ توجيهية دولية تحث على عدم انتزاع الحياة البرية من بيئاتها الطبيعية، كما يكشف التحقيق.

يأتي الاتجار بالحيوانات البريّة في المرتبة الرابعة عالميًا من حيث أكثر أنواع التجارة غير المشروعة درًّا للأرباح في العالم، بقيمة تقدّر بنحو 15 مليار دولار أميركي سنويًّا.

وبينما تُقدّم ناميبيا على أنها دولة ذات سياسات استثنائية لإدارة الحفاظ على الحيوانات البرية، ومن الممكن استنساخ نموذجها عبر القارة الأفريقية، لكنها خففت في الآونة الأخيرة القواعد المتعلقة بصيد وبيع الحيوانات البرية.

إذ أعلنت في الثالث من ديسمبر/ كانون الأول 2020، عن مزاد لبيع 170 فيلًا “تسبب المشكلات للسكان”، على أن تُقدم العروض حتى موعد أقصاه 29 يناير/ كانون الثاني 2021.

وحددت وزارة البيئة والغابات والسياحة متطلّباتها باصطياد عائلات الحيوانات مجتمعة، وعلى يد محترفين مؤهلين، وباتباع كلّ القواعد الإرشادية الدولية.

وفي 15 فبراير/ شباط 2022 أعلنت الوزارة رسميًّا أن 57 من الـ 170 فيلًا بيعت إلى مزايدين فائزين، 37 منها استُلم ثمنها بالفعل، بما فيها الـ 22 فيلًا المرصودة للإمارات.

وتقدّر قيمة الصفقة بالمجمل بنحو 50 مليون دولار ناميبي (2.76 مليون دولار أميركي)، كما يقول تاجر حيوانات بريّة من جنوب أفريقيا، مضيفًا: “هذا المبلغ معقول بالقياس إلى عدد الأفيال”.

يقول نائب مسؤول إدارة الموارد الطبيعية في وزارة البيئة والغابات والسياحة كولغار سيكوبو إن عدد الأفيال في ناميبيا ارتفع من 7000 في عام 1995 إلى 16 ألفًا بحلول 2004؛ ثم إلى 24 ألفًا في 2019، في ردّه على أسئلة للصحافي الناميبي جون غوبلر، وهو أحد معدّي التحقيق.

و”ينمو مجتمع الأفيال بنحو 3.3% سنويًّا”، كما يقول سيكوبو، لكن نسبة نمو تناهز 3.3% على مدار 24 عامًا، بدءًا من 1995، ستكون نتيجتها نحو 15 ألف فيل في المجموع وليس كما ذكر.

إذ تمثّل الأرقام التي استشهد بها سيكوبو نموًّا مرتفعًا بنسبة 5.3% القريبة من الحد النظري الأقصى للنمو لفصيلة الأفيال الأفريقية، والبالغ 7%.

وتحتاج الأرقام الحكومية الرسمية إلى التدقيق فيها، إذ شهدت الأفيال الناميبية تعدّيًا بشريًّا متزايدًا على موطنها، وجفافًا يتكرر مرّة كل جيل، وهو ما لا يحاكي الظروف المثالية التي تحتاجها للتكاثر، من أمطار غزيرة وسلام بعيدًا عن إزعاج البشر.

وإذا ما قارنّا تلك الأرقام بما نراه في كينيا، حيث يفاخر المسؤولون بتحقيق نجاح كبير في تقييد الصيد الجائر وزيادة قطعان الأفيال لديها؛ من ذروة الصيد الجائر في 2014 إلى 36 ألفًا و280 فيلًا في 2021، نجد أنها تعادل نسبة نمو بمقدار 2.76% سنويًّا، أي نحو نصف نسبة النمو المفترضة في ناميبيا.

زيادة على ذلك، فإن ناميبيا معروفة بامتلاكها عددًا صغيرًا وفريدًا من الأفيال “المتكيفة مع الصحراء”، والتي تطوف جداول الأنهار سريعةَ الزوال في منطقة كونين، حيث كامنجاب.

في تعليله أسباب نزع الأفيال من منطقة كامنجاب يقول مدير العلاقات العامة في وزارة البيئة والغابات والسياحة روميو مايوندا “حساباتنا تستند إلى القدرة الاستيعابية للمنطقة إزاء عدد الحيوانات. السبب وراء اختيار تلك المنطقة تحديدًا، ومن ضمنها كامنجاب، هو عدد الأفيال الكبير جدًّا هناك”.

لكن في المقابل، أظهرت الدراسات البيئية أن عدد الأفيال “المتكيفة مع الصحراء” في تلك المنطقة تراجع بشكل حاد في الأعوام الأخيرة، بسبب الجفاف الشديد والصيد وسوء إدارة الحماية البيئية، وعملية التصدير من شأنها أن تهدد وجود تلك المجموعة.

وتؤكد الحكومة الناميبية أن الدافع وراء بيع أفيال البلاد البريّة هو ارتفاع الاحتكاكات الخطرة بينها وبين السكان عبر البلاد، وهو ما يتعارف على تسميته بـ”صراع الأفيال والبشر”.

إذ تزعم الحكومة الناميبية أن الأفيال في الأقاليم التي أُخذت منها دُفعت بفعل الجفاف إلى المناطق الزراعية بحثًا عن الماء، ملحقة أضرارًا بالبنية التحتية والمحاصيل، ومشكّلة تهديدًا للمزارعين المحليين.

وتقول غيل تومسون، المستشارة لدى غرفة البيئة في ناميبيا، إنه “مع وجود 180 مزرعة يقدّر أنها تأثرت بحركة الأفيال يمكن أن تصل كلفة الأضرار في البنية التحتية إلى 9 ملايين دولار ناميبي (498 ألف دولار)؛ بالاستناد إلى تقديرات معتدلة تعادل 50 ألف دولار ناميبي للمزارع في السنة”.

لكن مزيدًا من المقارنة مع كينيا يطرح تساؤلات حول صحة كون “صراع الفيلة والإنسان” الدافع وراء البيع، ففي كينيا ثمة عدد أكبر من الأفيال (36.280 فيلًا في 2021) في مقابل (24.000 فيل ناميبي في 2019).

وعدد أكبر بكثير من البشر يصل إلى 53.77 مليون نسمة في كينيا مقابل 2.54 مليون نسمة في ناميبيا يعيشون في رقعة أكبر بمساحة 824.292 كم²، بينما مساحة كينيا 580.367 كم².

ومع أنهم يواجهون صعوبات في إدارة الحيوانات البرية، فإنهم لم يلجؤوا إلى التخلص من الأفيال، كما أنه بينما تحظر كينيا الصيد الترفيهي تسمح ناميبيا بذلك.

ويطعن دعاة الحفاظ على البيئة وخبراء الحيوانات البريّة كذلك بادعاءات الحكومة الناميبية بتفاقم “صراع الأفيال والبشر”، ويعتقدون أنها مجرد رواية للتغطية على البيع المدفوع بغايات مالية.

في حالات كتلك، فإن لوائح وبروتوكولات الحفاظ على الحياة البرية في معاهدة الاتجار الدولي بالأنواع المهددة بالانقراض (سايتس)، وهي المعاهدة الدولية الرئيسية الوحيدة بشأن الاتجار بالحيوانات البرية الموقّع عليها من قبل ناميبيا والإمارات.

تنص على أن مجموعات الأفيال التي تحدث المشكلات يجب أن تُنقل داخل البلد نفسه، أو على الأقل في مناطق جنوب القارة الأفريقية؛ وأن المساحات البريّة أو المحميات الخاصة يجب أن تكون وجهتها النهائية، حتى تبقى الأفيال قريبة من موطنها الأصلي قدر الإمكان، وهو ما يسمى بحماية الحيوانات البرية في مكانها الأصلي.

وفي حالة الأفيال المرسلة إلى الإمارات، تقول تومسون إن عمليات النقل المحلية كان يمكن أن تكون خيار الوزارة الأول، إذ أن عدة عروض قدّمت إلى الوزارة لإعادة نقل الأفيال داخل ناميبيا، ومن بينهم عرض روب روي رومي، ولاورا ماكلستر براون، وهما باحثان أميركيان يرأسان مشروع الحفاظ على أفيال الصحراء الناميبية، وقد درسا قطعانها منذ عقود.

وحينما طرحت الحكومة المزاد، قدّما عرضًا لإعادة توطين قطعان كامنجاب “المسبّبة للمشكلات” غربًا، بهدف تعزيز تجميع جينات القطعان هناك، لكنهما لم يتلقّيا أي جواب من الوزارة.

في أغسطس/ آب من عام 2019 صوّت 183 عضوًا في معاهدة “سايتس” تأييدًا لقرار بوقف عمليات تصدير الأفيال الأفريقية الحية، لكن ناميبيا صوّتت ضد القرار الذي أقر بأغلبية الثلثين، وبعد عام واحد أعلنت ناميبيا عن خططها لاصطياد 170 فيلًا بريًّا وبيعها في المزاد.

لم يكن هذا التصرف غريبًا على ناميبيا؛ فقد باعت في السابق أفيالًا برية للمكسيك وكوبا. وتقود زمبابوي الأجندة المؤيدة للتجارة في المنطقة، مع عمليات تصدير لـ 140 فيلًا إلى أسوجة مغلقة غير مفهومة في الصين على مدى سبع سنوات.

مع ذلك، فإن تلك الصفقات أجريت قبل القرار الذي صدر في 2019، وأكد أن تلك التبادلات لم تكن ولا يمكن أن تكون في مصلحة الحيوانات.

كل الأصناف التي تشملها معاهدة “سايتس” مدرجة في ثلاثة ملاحق يتوافق كل منها مع مستوى الحماية المطلوب، بحيث يشمل الملحق الأول الأصناف الأكثر عرضة للخطر.

وبالنظر لكونها أكبر كمًّا وأن أعدادها أكثر استقرارًا، تندرج الأفيال الناميبية ضمن الملحق الثاني، ما يعني أنها “ليست بالضرورة مهددة بالانقراض، ولكن ينبغي التحكم في الاتجار بها لتجنب استخدامها بشكل غير متناسب مع قدرتها على النجاة”.

ويتيح الملحق الثاني الاتجار بالحيوانات البرية، لكن التعديل الذي أقرّ في 2019 يمنع بشكل صريح تصدير الأفيال من ناميبيا، فضلًا عن بوتسوانا وزمبابوي وجنوب أفريقيا، إلى أي بلد لا توجد فيه الأفيال بشكل طبيعي، إلا في حالة وجود فائدة واضحة تتعلق بالحفاظ عليها.

ولا توجد أعداد كبيرة من الأفيال في الإمارات، وضمن تلك الشروط، سيكون من الصعب للغاية تبرير أن استيراد الأفيال الأفريقية إلى أحواز في حدائق الحيوان من شأنه أن يقدّم فائدة تتعلق بالحفاظ عليها.

وسعت العديد من مجموعات رعاية الحيوانات والحفاظ عليها بشكل مستقل للحصول على آراء قانونية بشأن ما إذا كانت صفقة الأفيال البرية غير قانونية بموجب أحكام “سايتس”.

وأكدت فتوى قانونية قدّمتها شركة المحاماة المختصة في قضايا البيئة ” Cullinan & Associates”، بالنيابة عن مجموعة “EMS Foundation”، وهي مجموعة للعناية بالحيوان مقرّها جنوب أفريقيا، توصل المحامون فيها إلى استنتاج مفاده أنه بالنظر إلى أن الأفيال جاءت على الأرجح من المجموعات المتكيفة مع الصحراء فإن ناميبيا والإمارات “لا يمكن أن تكونا مقتنعتين بشكل معقول بأن عملية التصدير المقترحة لهذا العدد الكبير من الحيوانات لن تعود بالضرر على تلك الأصناف”.

تبعًا لذلك، خلصت الفتوى القانونية إلى ما نصّه: “لا نعتقد أنه من القانوني أن تصدر إدارة اتفاقية (سايتس) في ناميبيا تصريح تصدير بموجب الملحق الأول أو الملحق الثاني من (سايتس). وبالمثل، لا نعتقد أن من القانوني لبلد خارج نطاق دول الأفيال الأفريقية أن يصدر تصريح استيراد”.

وخلصت فتوى قانونية أخرى أرسلت في مارس إلى “سايتس” للنظر فيها إلى أن: “أي تصدير سابق أو مستقبلي للأفيال التي تم الإمساك بها حيّة إلى وجهة خارج النطاق الطبيعي لأصنافها، لا يتوافق مع أحكام (سايتس)”.

وتعارض اتفاقية “سايتس” بوضوح أيضًا التخدير، والذي وفق لوائحها “ما زالت آثاره الجانبية غير معروفة بالكامل، وعلاوة على ذلك، فإن سبات الحيوانات العميق يعرضها بشكل كبير للإصابة عند أي حركة عنيفة للطائرة أو السفينة أو الشاحنة أو القطار”.