قدمت آلاء الصديق أبنة معتقل الرأي في سجون النظام الحاكم في دولة الإمارات محمد عبدالرزاق الصديق شهادة صادمة عن معاناة والدها وعائلتها بفعل مطالبته بالإصلاح في الدولة.
وروت آلاء ضرب والدها وتعذيبه عند اعتقاله في نيسان/أبريل من العام ٢٠١٢، وما تعرضت له العائلة من سحب جنسيته وتعرض للإخفاء القسري ومن ثم الحكم عليه بالسجن ١٠ سنوات في محاكمة غير عادلة.
واشتكت آلاء من أنها لم تتمكن من التواصل مع والدها منذ ثمانية أعوام، علما أن والدها أستاذ شريعة ولم ينشئ تنظيم سري كما اتهمته زورا السلطات الإماراتية بغرض إدانته وسجنه ظلما.
وأبرزت تعرض العائلة لعقوبات جماعية بينها المنع من العمل والسفر ومصادرة الأملاك والتحريض الإعلامي المسيء، فضلا عن تجاهل دعوى قانونية رفعتها العائلة للمطالبة بحقوقهما.
وعبرت آلاء عن المخاوف من أن لا يتم الإفراج عن والدها بعد أن ينهي محكوميته بسبب أن مراكز المناصحة التي أوردها قانون مكافحة الإرهاب في العام 2014 والذي يعطي الصلاحية لاحتجاز سجناء قضايا الإرهاب بعد انتهاء مدة محكومياتهم دون مدة محددة
وطالب آلاء المنظمات الحقوقية الدولية الداعمة للحريات والعدالة والعالم الحر بشكل عام والنظام الإماراتي وكل من يتعامل معه بشكل خاص من أجل الإفراج عن والدها وكل معتقلي الرأي في الإمارات.
ومؤخرا أدان مركز الإمارات لحقوق الإنسان (ECHR) استمرار حبس معتقلين للرأي في السجون الإماراتية رغم انقضاء أحكامهم وترفض السلطات الإفراج عنهم دون سند قانوني واضح أو تهمة مثبتة، معتبرا أن هذا التعنّت تنكيلا بالمعتقلين واعتداء على حقهم في الحرية والعودة لحياتهم الطبيعية.
وقال المركز الحقوقي في بيان تلقت “إمارات ليكس” نسخة منه، إنه يتعيّن على السلطات احترام القانون الإماراتي وتطبيق بنوده بعيدا عن سياسة التشفي والانتقام من معتقلي الرأي حيث تنص المادة 13 من قانون المنشآت العقابية على أنه “لا يجوز أن يبقى أي إنسان في المنشأة العقابية بعد المدة المحددة”.
وأشار المركز إلى أن الإمارات مددت حبس 11 معتقل راي منذ فترات تتراوح بين ثلاثة أشهر وثلاثة سنوات حيث ترفض السلطات الإفراج عنهم بذريعة أنهم قد “يشكلون خطورة ارهابية”.
وقد استندت الإمارات في هذا الإجراء الى المادة 40 من القانون رقم 7 لسنة 2014 بشأن الجرائم الإرهابية الذي يسمح بتمديد حبسهم في مراكز مناصحة دون تحديد الخطورة الإرهابية بشكل واضح كما لم يحدد مهلة زمنية للاحتجاز المستمر وهو ما يعد حرمانا تعسفيا واضحا من حق المعتقلين في الحرية وفيه انتهاك صارخ لمبادئ حقوق الإنسان وتحديدا “العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
وذكر المركز أن عملية “المناصحة” التي تزعم السلطات القيام بها مع المتعقلين تتم بالسجون كسجن الرزين وذلك دون تحديد لسقف زمني واضح وهم محرمون من حق الطعن والتظلم قضائيا وإداريا ضد قرارات الإيداع.
وشدد على أن تمديد حبس المعتقل سعيد البريمي وعبد الواحد البادي الشحي وفهد الهاجري وعبد الله الحلو وأحمد الملا وخليفه ربيعه وفيصل الشحي وعبد الله الهاجري وعمران الرضوان الحارثي ومنصور الأحمدي ومحمود الحوسني وتعمّد عدم الإفراج عنهم يمثل ضربا من الاعتقال التعسفي وهو جريمة مخالفة تماما للقانون الدولي الذي يحمي الحقوق الأساسية، بما فيها الحق في عدم الحرمان التعسفي من الحرية.
وأكد أنه في هذا الإطار فإن دولة الإمارات مطالبة بتقديم موجب قانوني واضح ومقنع لسبب التمديد في الاعتقال أو الإفراج فورا عن المعتقلين دون قيد أو شرط.
ونبه مركز الإمارات لحقوق الإنسان إلى أن دولة الإمارات بالتزاماتها الحقوقية والقانونية تجاه معتقلي الرأي، مطالبا إياها بوقف سياسة إيداع معتقلي الرأي الذين أنهوا فترة حكمهم في السجون بحجة المناصحة والإفراج عنهم لأن ذلك يعدّ اعتقالا تعسفيا وانتهاكا للقانون ولحقهم في الحرية.
كما طالبها بالكفّ عن انتهاك حقوق معتقلي الرأي منذ لحظة اعتقالهم ومحاكمتهم وقضائهم لفترة الحكم الصادر بحقهم ثم الإصرار على معاقبتهم وإبقاءهم في السجن ومعاملتهم كإرهابيين.
وأكد على ضرورة احترام حق النشطاء و المدافعين عن حقوق الإنسان في ممارسة حرية التعبير والمطالبة بالإصلاح والحق في الوصول إلى المعلومة باعتبارها حقوق منصوص عليها في القانون الإماراتي والدولي على حد السواء.
انتهاكات حقوقية
وتستمر سلطات دولة الإمارات في ممارسة انتهاكات وخروقات حقوقية وقانونية بحق النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين لم تكتف باعتقالهم وإخفائهم قسريا لأشهر ثم تقديمهم لمحاكمات جائرة وإصدار أحاكم قاسية ضدهم بل عمدت الى تمديد احتجاز عدد منهم رغم انقضاء فترة أحكامهم كاملة وهو ما يعد ودون شك اعتقالا تعسفيا.
ولم تقدم السلطات سندا قانونيا واضحا لهذا الإجراء التعسفي (تمديد حبس المعتقلين المنتهية محكوميتهم) وقامت بإيداع المعتقلين بمراكز للمناصحة للتغطية على الاستمرار التعسفي في حبسهم وعدم ترك سبيلهم بعد انتهاء محكوميتهم ويحتفظ بهم في سجن الرزين دون تحديد لسقف زمني واضح ودون أي برنامج واضح للحوار أو للمناصحة.
وتزعم السلطات أنّ المقصود بإيداع المحكوم عليهم في جرائم إرهابية أو من توافرت فيهم الخطورة الإرهابية بمراكز للمناصحة هو هدايتهم وإصلاحهم وتكفلها بعقد جلسات نفسية واجتماعية ودينية للغرض تضمّ أطباء نفسيين وأخصائيين اجتماعيين ووعاظا وتخضع لرقابة لجان مشكلة من النيابة العامة ومن جهات أمنية. لكن السلطات تتناسى أن معتقلي الرأي في سجونها هم محتجزون على خلفية نشاطهم الحقوقي وممارستهم لحرية التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي.
ومنذ سنوات، وبزعم تشكيلهم تهديداً استراتيجياً على أمن الإمارات، يقبع في سجون أبوظبي معارضون طالبوا بإجراء إصلاحات ديمقراطية في البلد الذي لا توجد فيه أحزاب سياسية ولا انتخابات حقيقية.
وتحاول الإمارات، منذ سنوات، إظهار نفسها بصورة “الدولة المتسامحة”، لكنها تبرز على الساحة حالياً بسياساتها القمعية تجاه مواطنيها ومقيميها، وتدخلاتها العسكرية باليمن وليبيا.
ووفقاً لمنظمات حقوق إنسان دولية وتقرير للبرلمان الأوروبي، فإن الإمارات “دولة راسبة” بملف الحقوق والحريات؛ بسبب سياساتها القمعية تجاه المطالبين بإصلاحات ديمقراطية، بينها ضمان حرية التعبير.
ومنذ سنوات، تزج السلطات الإماراتية في السجون بالمئات من النشطاء السلميين ونشطاء حقوق الإنسان، المطالبين بإصلاح سياسي يفتح المجال أمام انتخابات ديمقراطية حقيقية.
وعادة ما تنفي السلطات الإماراتية صحة اتهامات متكررة لها بارتكاب انتهاكات حقوقية.
وقال مايكل بيج، مدير منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية في الشرق الأوسط، للأناضول، إن الإمارات تنتهج سياسة صارمة للغاية في مجال حقوق الإنسان، رغم أنها قامت باستثمارات جادة لتحظى بصورة “الدولة المتسامحة والديمقراطية”.
وتابع: “توجد جهود واستثمارات جادة من شيوخ الإمارات لإظهار دولتهم كأنها متسامحة تحترم حقوق الإنسان، حتى أنهم أعلنوا 2019 “عام التسامح”، لكن وضع حقوق الإنسان في الإمارات مخيف للغاية”.
وأضاف أن الإدارة الإماراتية تهاجم منذ 2011، باستمرار، النشطاء والمنظمات المدافعة عن حرية التعبير.
واستطرد: “الحكومة الإماراتية تمارس الاعتقال التعسفي والجبري ضد مواطنيها، الذين ينتقدون الإدارة داخل الدولة. جميع مواطني الإمارات الذين يرفعون أصواتهم بشأن حقوق الإنسان يواجهون مخاطر، كالاعتقال التعسفي والسجن والتعذيب”.
وأفاد بيج بأنه ليس لديهم معلومات عن عدد السجناء السياسيين بسجون الإمارات، لكن من المعلوم جيداً أن أشخاصاً عديدين حُكم عليهم بالسجن لسنوات أو اضطروا لمغادرة الإمارات؛ بسبب ضغوط مُورست عليهم.
قمع الحركة الإصلاحية
في 1974، وبموافقة حاكم دبي آنذاك، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، تم تسجيل منظمة “الإصلاح والتوجيه الاجتماعي”، المعروفة باسم “الحركة الإصلاحية”، لأول مرة في الإمارات كمنظمة حكومية مدنية.
وواصلت حركة الإصلاح أنشطتها لأكثر من 20 عاماً في المجالات الرياضية والثقافية والأعمال الخيرية.
كما بدأت الحركة أنشطة سياسية في الإمارات، وكان الهدف من الحركة إنشاء مجلس منتخب يمثل المواطنين الإماراتيين بشكل مباشر.
وفي عام 1994 أبعدت الحكومة أعضاء مجلس إدارة الحركة الإصلاحية؛ بسبب مطالباتهم بإصلاح سياسي، وعينت مجلس إدارة جديداً، وتم تقييد جميع أنشطة الحركة داخل الإمارات.
وجرى استبعاد المنتسبين للحركة من وظائفهم، وفي مقدمتهم العاملون بالمجال الأكاديمي والإعلام والصحة.
وفي مارس/آذار 2011، اعتقلت السلطات الشيخ سلطان بن كايد القاسمي، رئيس الحركة؛ لتوقيعه طلباً لإصلاح الهيكل السياسي بالبلاد.
وبعد ثورات الربيع العربي، تم اعتقال وسجن نحو 60 آخرين من أعضاء الحركة الإصلاحية.
وأطلقت السلطات الإماراتية حملة لتشويه الحركة أمام الرأي العام، زاعمة أنهم يشكلون “خطراً استراتيجياً على الأمن في البلاد”؛ بسبب ارتباطهم بجماعة الإخوان المسلمين.
ووفقاً لتقرير أعده البرلمان الأوروبي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، فإن حركة الإصلاح ليس لديها دعم خارجي أو جناح مسلح، وترفع حزمة مطالب مشروعة، كالإصلاح السياسي، وإنشاء برلمان منتخب، وهي تتعرض باستمرار لاتهامات من الدولة بزعم أنها منظمة مدعومة من الخارج، ولها جناح مسلح وأنشطة سرية.
وفي تصريح بخصوص المطالب المتصاعدة بشأن الإصلاحات السياسية في الإمارات بعد الربيع العربي، قال أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، إنهم لا يهدفون للانتقال إلى نظام التعددية الحزبية، بحجة أن هذا النظام لا يتوافق مع التركيبة الثقافية والتطورات التاريخية للإمارات.
وبعد فترة الربيع العربي خاصة، قامت إدارة أبوظبي، التي تنتهج سياسة قمعية تجاه المنظمات والمدنيين المطالبين بوجود معارضة وإجراء إصلاح سياسي، برفع دعوى قضائية ضد 94 شخصاً وقعوا على إعلان “الإصلاح الديمقراطي”، عام 2013.
ووفقاً لتقرير منصة الحملة الدولية للحرية في الإمارات (ICFUAE)، ومقرها في إنجلترا، تم اتهام النشطاء الـ94، وهم طلاب وأكاديميون وصحفيون ومدرسون، بـ”محاولة الإطاحة بالحكومة”، في 27 يناير/كانون الثاني 2013.
وأُدين 69 من النشطاء، وحُكم عليهم بالسجن بين 7 سنوات و15 سنة. ويفيد التقرير بأن بعض المدانين لم يُفرج عنهم حتى الآن، رغم انتهاء فترة عقوباتهم.
استهداف حقوقيين وأكاديميين
في مارس/آذار 2017، تم اعتقال أحمد منصور الشحي، وهو ناشط إماراتي مدافع عن حقوق الإنسان وحاصل على جائزة “مارتن أنالز” الحقوقية الدولية، وذلك بتهمة “نشر معلومات تضر بالوحدة الوطنية، على وسائل التواصل الاجتماعي”.
لمدة عام تقريباً بعد اعتقاله، لم يتم الكشف عن مكان احتجاز منصور، ثم أُعلن أنه حُكم عليه بالسجن 10 سنوات، في 27 مايو/أيار 2018.
وفي أغسطس/آب 2015، اعتُقل بشكل تعسفي ناصر بن غيث، وهو أكاديمي بارز وجه انتقادات للمسؤولين الإماراتيين والمصريين، ولم يتم تحديد مكان احتجازه.
ولم يتم تقديم بن غيث إلى المحكمة إلا بعد عامين على اعتقاله، وذلك في مارس/آذار 2017، وحُكم عليه بالسجن 10 سنوات.
“غوانتانامو الإمارات”
ويتم احتجاز المفكرين والنشطاء في سجن “الرزين”، وهو يتمتع بإجراءات أمنية مشددة للغاية، ويقع على بعد 120 كم من أبوظبي.
وبحسب تقرير الحملة الدولية للحرية في الإمارات، فإن هذا السجن يوصف بأنه “غوانتانامو الإمارات”، في إشارة إلى السجن الأمريكي سيئ السمعة.
وأفاد التقرير بأن السجن الموجود وسط الصحراء يسجل درجات حرارة قياسية في أشهر الصيف، وأقل بكثير من حيث المعايير التي حددتها الأمم المتحدة للسجون.
وتابع أنه يتم اختيار الحراس غالباً من دول أجنبية وغير الناطقة بالعربية، مثل نيبال.
وشدد على أن السجناء في “الرزين” يتعرضون للتعذيب الشديد، ولا يُسمح لهم حتى بأداء صلاة الجمعة في جماعة.