أظهرت معطيات رسمية أن أكثر من نصف مليون شخص من الجاليتين الهندية والباكستانية فقط في دولة الإمارات سجلوا طلبات المغادرة من الدولة حتى الآن، وسط تحذيرات من أن القادم أسوأ.
ووصل عدد مسجلي طلبات العودة لبلادهم من دولة الإمارات، من الهنود والباكستانيين نحو 510 آلاف شخص حتى الآن، بحسب السفارتين الهندية والباكستانية في أبوظبي.
وأكدت السفارة الهندية في الإمارات، أن 90 ألف هندي في الإمارات سيعودون بحلول نهاية حزيران/يونيو الجاري إلى الهند، بعد موافقة حكومتي الدولتين على مزيد من رحلات السفر بينهما.
وأشارت السفارة إلى أن أعداد الهنود الذين سجلوا إلكترونياً للعودة إلى بلادهم بلغ 450 ألفاً، (يشكّلون نحو 15 % من إجمالي الهنود في الإمارات الذين يقارب عددهم 3 ملايين نسمة)، عبر السفارة في أبوظبي والقنصلية في دبي.
ونوهت إلى أنه اعتبارا من 20 يونيو سترتفع الرحلات اليومية بمعدل 4 رحلات حتى نهاية الشهر، فضلاً عن الرحلات الموجودة مسبقاً وهي 80 رحلة، مشيرة إلى أنه في يوم الأربعاء الماضي عاد 3 آلاف هندي.
ولفتت إلى أن أولوية العودة للمسنين والحوامل ومن فقدوا وظائفهم، وذوي الأمراض الصعبة.
وكانت السفارة الباكستانية في أبوظبي، صرحت في 11 حزيران/يونيو الجاري أنها تخطط لإعادة أكثر من 10 آلاف باكستاني عالقين بسبب كورونا في الإمارات عبر 46 رحلة جوية خاصة، بعد إعادة نحو 20.4 ألف باكستاني منذ بدء عمليات الإجلاء من أصل 60 ألف فرد تم تسجيلهم في دولة الإمارات.
ويٌشكّل هذا العدد الكلي للراغبين بالعودة من الإمارات، من الهنود والباكستانيين فقط (دون باقي الجنسيات)، نحو 5 % من عدد سكان دولة الإمارات، البالغ عددهم وفق آخر الإحصاءات نحو 10 ملايين نسمة، ويُرجّح أن معظم العائدين هم من العمالة منخفضة الدخل.
وكانت عمليات الإجلاء والسفر قد بدأت منذ نحو شهر، ويتم تسيير رحلات جوية إلى عدد من الوجهات من أجل ذلك.
ومع تزايد عمليات الهجرة للوافدين في دولة الإمارات إلى بلادهم تأثراً بتدايعات مواجهة وباء” كورونا”، تبرز تساؤلات حول أثر تزايد أعدادا المغادرين من العمالة الوافدة في الإمارات على اقتصادها لا سيما وانهم يشكلون نحو 90% من السكان.
ويقوم اقتصاد الإمارات وخاصة إمارة الاقتصادي على وجود المقيمين الأجانب الذين يشكلون حوالي 90% من السكان، وتقدر “أكسفورد إيكونوميكس” أن الإمارات العربية المتحدة، يمكن أن تفقد 900 ألف وظيفة، وهو أمر مرهق لدولة يبلغ عدد سكانها 9.6 ملايين نسمة.
وناقشت مجلة “بلومبيرغ” الامريكية هذا الملف مستعرضة قضية سارة سيسونز التي قدمت إلى دبي عندما كانت فتاة مراهقة ولم تغادرها أبدا تقريبا، لكنها بعد 25 عاما قررت وضع حد لإقامتها في هذا البلد في أقل من شهر، لتعود إلى وطنها أستراليا رفقة زوجها وابنتها.
حيال هذا الشأن، قالت سيسونز التي كانت تملك مقهى صغيرا وتعمل مستشارة مستقلة للموارد البشرية، “تمثل دبي وطنا لي ولكن تكاليف المعيشة هنا باهظة ولا يوجد أمان للمقيمين، إذا أخذت الأموال ذاتها إلى أستراليا وخسرناها ولم يبق لنا شيء، فسيكون لدينا على الأقل تأمين صحي وتعليم مجاني”.
وقالت الكاتبتان زينب فتاح وعبير أبو عمر في تقريرهما بالمجلة إن سارة حالها كحال ملايين الأجانب في جميع أنحاء الخليج، لم يبق أمامهم سوى هذا الخيار لأن التداعيات الناجمة عن تفشي الوباء وانخفاض أسعار الطاقة تفرض إجراء تعديلات اقتصادية.
ولطالما اعتمدت الدول الخليجية، على مدى عقود، على العمال الأجانب لتحويل القرى النائمة إلى مدن عالمية، وبناء على ذلك، أنشأ هؤلاء العمال عائلات هناك ولكن في ظل غياب طرق رسمية للحصول على الجنسية أو الإقامة الدائمة بات وجودهم محفوفا بالمخاطر.
وحسب محلل شؤون الشرق الأوسط في “ستراتفور” ريان بول، فإن نزوح سكان الطبقة الوسطى يمكن أن يخلق دوامة موت للاقتصاد، حيث ستعاني القطاعات التي تعتمد على هؤلاء المهنيين وعائلاتهم مثل المطاعم والسلع الفاخرة والمدارس والعيادات. ودون دعم الحكومة، يمكن لهذه الخدمات تسريح بقية الموظفين الذين سيغادرون بدورهم البلاد بعد ذلك ويخلقون مزيدا من موجات الهجرة.
ومع اضطراب الاقتصاد العالمي، فإن قرار المغادرة ليس واضحا، وتقول منظمة العمل الدولية إن أكثر من مليار عامل على مستوى العالم معرضون لخطر كبير فإما خفض الأجور أو فقدان وظائفهم بسبب الجائحة.
ومن المرجح أن تسرّع الأزمة جهود الإمارات العربية المتحدة للسماح للمقيمين بالبقاء بشكل دائم، مقارنة بالمزايا الواسعة التي اعتاد المواطنون الحصول عليها منذ اكتشاف النفط.
وفي الوقت الحالي، تمنح الإمارات العربية المتحدة تمديدات تلقائية للأشخاص الذين لديهم تصاريح إقامة منتهية الصلاحية، إلى جانب تعليق رسوم تصاريح العمل وبعض الغرامات المفروضة عليهم، كما تشجع على التوظيف المحلي للعاطلين حديثا عن العمل وتدفع البنوك إلى تقديم قروض دون فوائد مع إعفاء من سداد الأقساط للأسر والشركات التي تواجه مشاكل.
ويكمن التحدي الرئيسي الذي تواجهه دبي في القدرة على تحمل التكاليف، فقد أصبحت المدينة التي بنت سمعتها كملاذ ضريبي قاعدة مكلفة بشكل متزايد للشركات والمقيمين على حد سواء.
في عام 2013، صُنفت دبي في المرتبة 90 من حيث التكلفة بالنسبة للمغتربين وفقا لمؤشر ميرسر، وهي تحتل الآن المرتبة 23، مما يجعلها أغلى مدينة في الشرق الأوسط، رغم تراجعها من المرتبة 21 عام 2019 على خلفية انخفاض أسعار الإيجار بسبب زيادة العرض.
من جانب آخر، يعد التعليم عاملا حاسما بالنسبة للأسر، خاصة أن مزيدا من أرباب العمل يتخلصون من الباقات التي تغطي الرسوم الدراسية، مع العلم أن دبي سجلت أعلى متوسط تكلفة للمدارس في المنطقة في العام الماضي بواقع 11 ألفا و402 دولار، وفقا لقاعدة بيانات المدارس الدولية، ومن المرجح أن يدفع ذلك الأولياء إلى نقل أطفالهم إلى مدارس أرخص.
ولعقود من الزمان، كانت دبي رائدة في بناء أكبر مراكز التسوق في العالم وأطول المباني، لكن الضغط كان يتصاعد قبل 2020 بوقت طويل، فقد كانت مراكز التسوق مكتظة، بيد أن المتسوقين لم ينفقوا الكثير، وبنيت العقارات السكنية ولكن كان هناك عدد أقل من المشترين.
لم يعد الاقتصاد أبدا إلى الوتيرة المحمومة التي كان يتبعها قبل أزمة الائتمان العالمية لعام 2008 التي ولدت الجولة الأخيرة من مغادرة المغتربين. وفي عام 2014، عادت أسعار النفط إلى الانخفاض، أما معرض إكسبو 2020 الذي كان من المتوقع أن يتواصل لستة أشهر ويجذب 25 مليون زائر، تأجل بسبب الجائحة.
تسريح الموظفين
ذكرت الكاتبتان أن الطلب الضعيف يعني أن الاقتصاد سيستغرق بعض الوقت ليتعافى، وعلى عكس بعض دول الشرق الأوسط، لن تشهد الإمارات العربية المتحدة موجة جديدة من عدوى “كوفيد-19” بعد إعادة فتحها، ولكن اعتمادها على التدفقات الدولية للأشخاص والسلع يعني أنها عرضة للاضطرابات العالمية.
وتقوم مجموعة الإمارات -أكبر شركة طيران في العالم لمسافات طويلة- بتسريح الموظفين، ومن المرجح أن تخفض فنادق دبي 30% من طاقتها التشغيلية، كما قام مطورو الجزر الاصطناعية في دبي وأطول برج بتخفيض الأجور، وألغت وحدة كريم التابعة لشركة أوبر في الشرق الأوسط ما يقرب من ثلث الوظائف في مايو/أيار الماضي.
وفي الختام، قالت الكاتبتان إن شركة “موف إت كارغو أند باكجينج”، ومقرها دبي، صرحت بأنها تتلقى حوالي سبع مكالمات في اليوم من سكان يرغبون في شحن ممتلكاتهم إلى الخارج، مقارنة باثنين أو ثلاث مكالمات أسبوعيا في الوقت ذاته من العام الماضي.
كما أعلنت شركة طيران الاتحاد وطيران فلاي دبي عن تسريح مجموعات عدة دفعات من الموظفين وغيرها من كبار الشركات في الإمارات تأثراً بتداعيات وباء كورونا.
ويوجد في منطقة الخليج نحو 35 مليون أجنبي يشكلون العمود الفقري لاقتصاد هذه المنطقة، غير أن إعادتهم إلى بلدانهم أصبحت اليوم تمثل حماية لوظائف ورواتب مواطني هذه الدول.
إجراءات حكومية
أعلنت الحكومة أنها ستراجع سياستها بشأن العمالة مع الدول التي ترفض قبول عودة مواطنيها، ومن ضمن ذلك من فقدوا وظائفهم أو اضطروا إلى أخذ إجازات نتيجة تفشي “كورونا”.
وتدرس أبوظبي إيقاف العمل بمذكرات التفاهم المبرمة بين وزارة الموارد البشرية والتوطين والجهات المعنية في الدول غير المتجاوبة، وتخطط الحكومة لوضع قيود مستقبلية صارمة على استقدام العمالة من الدول الرافضة لإجلاء رعاياها، وكذلك تطبيق نظام الحصص في عمليات الاستقدام.
وبلغ عدد الباكستانيين الذين سجلوا رغباتهم بالعوة إلى الديار، خلال أبريل الماضي، أكثر من 20 ألف باكستاني، بعد أن انتهت إقامتهم أو فقدوا وظائفهم، حسب متحدث باسم القنصلية الباكستانية.
ومطلع مايو، قالت سفارة جمهورية الهند لدى الإمارات إن 203 آلاف و660 مواطناً هندياً سجلوا إلكترونياً تمهيداً لعودتهم قريباً إلى بلادهم.
وارتفع حجم العمالة الهندية في دول الخليج في غضون أربعة عقود من نحو 250 ألف عامل في عام 1975 إلى قرابة 8 ملايين عامل في الوقت الحاضر، مستفيدين من فرص العمل في السوق الخليجية.
ويُعَدُّ عمل الجالية الفلبينية في دول مجلس التعاون الخليجي لافتاً؛ إذ تستقطب السعودية والإمارات معاً نحو 40% من العمالة الفلبينية العاملة في خارج الفلبين. وفيما يخص العمالة الوافدة من الدول العربية تستقطب السعودية على وجه الخصوص أعداداً ضخمة من العمالة من مصر واليمن والسودان.
على الرغم من ذلك يشكِّل عامل البطالة أو معضلة إيجاد فرص عمل مناسبة للمواطنين في بعض دول مجلس التعاون تحدياً لبقاء العمالة الوافدة بالمستويات الحالية.