موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحليل/ وثيقة الأخوة الإنسانية.. الإمارات إذ تبرز نفسها في ثياب الواعظين

178

“بسم الله، يعلن الأزهر الشريف -ومن حوله المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها- والكنيسة الكاثوليكية -ومن حولها الكاثوليك من الشرق والغرب- تبني ثقافة الحوار دربا، والتعاون المشترك سبيلا، والتعارف المتبادل نهجا وطريقا”.

تلكم فقرة واحدة ضمن فقرات عدة احتوتها وثيقة الأخوة الإنسانية التي قام على كتابتها المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية الذي ينظمه “مجلس حكماء المسلمين” برعاية ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد.

وقع الوثيقة نيابة عن النصارى الكاثوليك في العالم بابا الكنيسة الكاثوليكية فرانشيسكو، وهو رمز ديني عند الكاثوليك، في حين اختير شيخ الأزهر أحمد الطيب، ليمثل المسلمين -دون إجماع من الأمة المسلمة- ويوقع على الوثيقة باعتبار الأزهر مؤسسة دينية علمية لكن لم تعد تمثل إجماع المسلمين اليوم، ولا سيما وقد تحول لمؤسسة تحت سيادة سياسية مصرية، ولم تعد بتلك المكانة المؤثرة كما عرف عنها في أوقات مضت من التاريخ حتى يجتمع المسلمون عليها.

ذلك استطراد سريع قبل أن نمضي ونتجول بين ثنايا وثيقة الأخوة الإنسانية التي انطلقت من أبو ظبي عاصمة الإمارات العربية المتحدة، وجعلت من 2019 عاما للتسامح، وروجت كثيرا لهذا المعنى أو هذه القيمة تمهيدا لزيارة البابا فرانشيسكو وربما لأهداف أخرى.

في موقع ما من الوثيقة تقول إحدى الفقرات “إننا نحن -المؤمنين بالله وبلقائه وبحسابه- ومن منطلق مسؤوليتنا الدينية والأدبية، وعبر هذه الوثيقة نطالب أنفسنا وقادة العالم وصناع السياسات الدولية والاقتصاد العالمي بالعمل جديا على نشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام، والتدخل فورا لإيقاف سيل الدماء البريئة، ووقف ما يشهده العالم حاليا من حروب وصراعات وتراجع مناخي وانحدار ثقافي وأخلاقي”.

دعوة جميلة نظريا، لكن الواقع المحيط بالمؤتمر وعلى بعد أمتار قليلة منه لا يوجد ما يشير إلى إمكانية قبول فكرة نشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام.

ولنأخذ من أبو ظبي مثالا، وهي العاصمة التي تم الإعلان عن هذه الوثيقة الإنسانية منها، فأين أبو ظبي وسياسيوها من أقرب الجوار إليها؟ التسامح غائب عن قاموسها السياسي في كل ما يرتبط بقطر منذ أكثر من ستمئة يوم على حصارها، دون أدنى اعتبار لعلاقات ووشائج القربى والدين والأخوة الإنسانية.

كيف تريد أبو ظبي من العالم أن يتبنى مواد هذه الوثيقة في وقت لا تزال تدعم الفوضى الحاصلة باليمن عبر الإصرار بالبقاء في سمائه وأرضه الذي صار قاب قوسين أو أدنى من كارثة إنسانية حقيقية واقعة، أو دعم فوضى ليبيا عبر احتضان اللواء المتقاعد خليفة حفتر ومليشياته، وغيرها من مواقع عربية لا تزال تلعب “اليد الظبيانية” الخفية والجهرية في سياساتها التي لم تزدها غير تخسير.

ثم في موضع آخر من الوثيقة تأتي كلمات جميلة تفيد بأن “الحوار والتفاهم ونشر ثقافة التسامح وقبول الآخر والتعايش بين الناس من شأنه أن يسهم في احتواء كثير من المشكلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية التي تحاصر جزءا كبيرا من البشر”.

نعم كلنا يقول ذلك لكن وكي لا نبتعد كثيرا عن أرض الواقع فإن أبو ظبي التي أعلنت ودعمت وكتبت هذه الوثيقة هي أكثر من ضاق أفقها وصدرها بالرأي الآخر، وأحرارها خلف القضبان من أبرز الأدلة، وبالمثل حين يوقع شيخ الأزهر أحمد الطيب على مواد هذه الوثيقة يدرك أنه قد أتى من العاصمة التي فيها الأزهر وصدور عسكرها وساسة أمرها أشد ضيقا وحرجا من نظرائهم في أبو ظبي، فأي ثقافة يدعون إليها وهم غاية في التناقض؟

وفي فقرة أخرى، تشدد وثيقة الأخوة الإنسانية وتعلن بحزم “أن الأديان لم تكن أبدا بريدا للحروب أو باعثة لمشاعر الكراهية والعداء والتعصب، أو مثيرة للعنف وإراقة الدماء، فهذه المآسي حصيلة الانحراف عن التعاليم الدينية، ونتيجة استغلال الأديان في السياسة”.

نعم لا لاستغلال الأديان في أغراض السياسة، لكن الجهة القائمة على مؤتمر الأخوة الإنسانية -وهي مجلس حكماء المسلمين ومقره أبو ظبي- هي نتاج استغلال واضح ومفهوم للدين في أغراض سياسية، خاصة بعد تصادم أبو ظبي مع أكبر الجماعات الإسلامية وهي الإخوان المسلمون، ورفعها راية التصدي لها في كل مكان، فكانت إحدى نتائج تلك العداوة غير المبررة ذاك المجلس الذي لم يظهر إلا حديثا (2014)، حيث لا يمكن تفسير ظهوره إلا ليكون أداة شق صفوف العلماء المسلمين الذين تجمعوا منذ 2004 تحت اسم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ليكون “مرجعية شرعية أساسية في تنظير وترشيد المشروع الحضاري للأمة المسلمة، في إطار تعايشها السلمي مع سائر البشرية”.

ولأن أغلب المنتمين إليه من رموز الإخوان وجبت محاربته، بل وإنشاء كيان بديل عنه، وهو أمر لا يمكن أن يكون خارج الأجندات السياسية لعاصمة المقر أبو ظبي مثلما في الوقت ذاته وثيقة الأخوة الإنسانية التي لا يمكن أن تخرج عن إطار “التكتيكات الظبيانية” ضمن استراتيجية بعيدة المدى تسعى إليها الإمارة منذ قيام الثورات المضادة للربيع العربي التي لم تعد خافية على أي متابع لنشاطاتها في أي اتجاه يمكن للبوصلة المغناطيسية أن تشير إليها.