كشفت منظمة Migrant-Rights.org المختصة بالدفاع عن العمال الوافدين، أن عمالا مهاجرون يقدمون على الانتحار في الإمارات هربا من جحيم أوضاعهم.
وبحسب المنظمة أقدم على الأقل 579 مهاجر نيبالي على الانتحار في الإمارات وبقية دول مجلس التعاون الخليجي خلال الـ 11 عاما الماضية بسبب مواجهتهم الضغوط الجسدية والنفسية.
وأظهرت بيانات التي تم الحصول عليها من مجلس العمالة الخارجية أن الوفيات بسبب الانتحار تشكل 11% من إجمالي 5,511 حالة وفاة في المنطقة.
وسجلت الإمارات وحدها 138 حالة انتحار في صفوف العمال المهاجرين، ويعتقد أن عشرات حالات أخرى لم يتم الكشف عنها.
وتؤثر الأعباء المالية، وأوضاع العمل السيئة، والعزلة، وخيبة التوقعات بسبب عدم تلبية ما تنص عليه عقود العمل، وأمور أخرى، بالإضافة إلى الافتقار للدعم الاجتماعي، على جودة حياة العمال في الخليج.
ويخشى الخبراء ألا يتحسن هذا الوضع قريبا، في ظل الجهود القليلة التي تكاد تكون معدومة لتحسين أوضاع الصحة الجسدية والعقلية للعمال في الإمارات.
يقول البروفيسور ساروج براساد أوجا، رئيس الصحة العقلية والطب النفسي في جامعة تریبهوان، إن حالات الانتحار أو تلك المتعلقة بمشاكل الصحة العقلية بين العمال المهاجرين النيباليين أصبحت أكثر شيوعاً خلال السنوات الأخيرة.
وتابع “لقد شاهدت مئات من العمال المهاجرين وأزواجهم ممن يعانون من الأرق، والقلق، والاكتئاب الحاد، وإذا لم تحصل هذه الحالات على الرعاية الصحيحة في الوقت المناسب فمن الممكن أن تدفع هذه الأعراض للأمراض العقلية، هؤلاء الأشخاص للانتحار”.
كانت دول الخليج الست موطناً لـ1,1 مليون عامل نيبالي في السنة المالية 2017/2018 عندما أقدم 67 عامل نيبالي على الانتحار.
وأكّدت مقابلات أجريت مع عائلات ثمانية من العمال الذي ماتوا منتحرين، إن العمال كانوا تحت عبء الدين خلال فترة عملهم في الخارج.
كما ذكروا أنهم كانوا يستلمون أجور أقل من تلك التي تم الاتفاق عليها قبل مغادرتهم أوطانهم، أو أنهم غير راضين عن عقود عملهم. وكانوا قد عملوا ساعات عمل أطول لكسب المزيد من المال برغم قسوة ظروف العمل.
وبشكل عام، تشير البيانات إلى أن وفيات الانتحار أصبحت أكثر تكراراً من دول الخليج خلال السنوات الأخيرة.
ففي خلال 11 سنة الماضية، كان الانتحار هو ثالث الأسباب المؤدية للوفاة بين العمال النيباليين في السعودية، بعد الوفاة الطبيعية وحوادث الطرق.
وفي الإمارات، وعمان والكويت، يعتبر الانتحار ثاني الأسباب المؤدية للوفاة (بعد السكتة القلبية، وأسباب الوفاة الطبيعية والنوبات القلبية على التوالي).
ومؤخرا نشرت منظمة Migrant-Rights.org شهادة صادمة لصحافي رُحّل من دولة الإمارات بسبب تقاريره عن وفيات العمال المهاجرين، مبرزة أنه “يعيش صراع ذكريات قصص لم تُروى”.
وكشف الصحفي “ياسين ككاندي” وهو أوغندي الأصل، يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية، كيف طردته السلطات الإماراتية من البلاد بسبب تأليفه كتابا يتناول مقالات عن سوء معاملة العمال المهاجرين وتركهم ضحية للموت.
وجاء في شهادة ككاندي: بدأت رحلتي المعقدة إلى بوسطن عندما كُلفت، كمراسل صحافي أعمل في الإمارات العربية المتحدة، بتغطية حريقا كبيرا اندلع في مصنع الدهانات الوطنية (National Paints) الواقع في مدينة الشارقة في 2010.
وفي اليوم التالي لنشر مقالي، تلقيت معلومة عن وفاة رجل إطفاء تابع للشركة في حادث الحريق. في حين لم يكشف صاحب الشركة أو مسئولو الشرطة عن أية إصابات.
ذهبت إلى موقع الحادث وقابلت تابير أحمد، الذي أخبرني أن أخوه، خورشيد، لقى حتفه بينما كان يحاول محاصرة النيران. قدم لي صوره أخيه المتوفي، وتبادلنا أرقام الهاتف.
رفض مسئولو الشركة ذلك، وأنكروا وفاة أي من الموظفين اثناء الحادث. وأخبرت الشركة أحمد، أنها حسبت حساب كل شخص، وأن الجميع بأمان، واقترحوا عليه تقديم بلاغ عن أخيه كشخص مفقود.
وأخبرتني الشركة بالمعلومة ذاتها. وبشكل مشابه، أنكر الشرطة والدفاع المدني وجود اية وفيات. وفي هذا الوقت، مرّر أحمد رقم هاتفي إلى عائلتين زعمتا وفاة أبنائهما في حادث الحريق.
ناقشت قصة الضحايا مع المحرر، الذي أخبرني أنه لن يتم نشر أي شيء إذا ما أنكر المسئولون الوفيات. لقد شعرت بالفزع من ايمان المحرر، بمصداقية المسئولين المفترضة أكثر من أفراد العائلة الذين يعرفون أن أحبائهم قد رحلوا.
ظلت المأساة تعاودني في قلبي وعقلي. لم أتمكن من استيعاب كيف يمكن لأي شخص أن يلغي، ببساطة، وجود ثلاث ضحايا حاربوا من أجل محاصرة النيران. شعرت بأنني مديونا لهم بنشر قصتهم على الملأ.
فقدمت القصة لجهتين إعلاميتين أوربيتين، كتبت عن حادث الحريق وعرضت القيام بتغطيته دون استخدام اسمي. لكن لم تقبل أي منهما، وأكدتا على أن أنهما لن تقبلا أي موضوع صحافي عن الحريق بدون ذكر اسم الكاتب.
لقد شعرت بالفزع من ايمان المحرر، بمصداقية المسئولين المفترضة أكثر من أفراد العائلة الذين يعرفون أن أحبائهم قد رحلوا.
تابع أحد المحررين استفساري، وطلب مني مساعدة مراسلهم الذي كان موجودا في الإمارات في ذلك الوقت، بتزويده ببعض المصادر لقضية في المحكمة.
وفي المقابل، سيقوم ذلك المراسل بإجراء مقابلات مع عائلات المتوفين والمتابعة مهم، فوافقت. وبعد عودة المراسل إلى أوروبا، بعث لي بريدا الكترونيا يعتذر فيه عن مواصلة الكتابة عن الحادث لأن المحرر لدى مؤسسته يرغب فقط في العمل على قصص من الإمارات ذات بعد أوروبي. في حين أن جميع المتوفين كانوا من الهنود.
كانت عائلات الضحايا تأمل أن يقوم هذا المراسل بالمتابعة والكتابة عن القصة. وعندما أخبرتهم بتراجع المراسل، والأسباب وراء عدم المضي قدما في الكتابة والنشر، توقفت العائلات عن الحديث معي.
بعد شهرين من حادث الحريق، اكتشف عمال كانوا يقومون بتنظيف المكان وجود عظاما بشرية. عاود المصدر الذي تواصل معي في المرة السابقة الاتصال بي ليخبرني أن الشرطة كانت تزيل ما تبقى من الرفات.
لم تكن هناك جثة واحدة وإنما ثلاثة جثث لثلاثة من رجال الإطفاء. وبرغم الدليل الواضح، إلا أن المسئولين رفضوا تأكيد الوفيات.
كان أحد المحررين في الجهة التي أعمل لديها غاضبا عندما أطلعته على ذلك. وقال: “لقد كنا هناك يا ياسين من قبل، عندما تقول الشرطة لا يوجد شيئا، نحن لا نكتب شيئا. ما هو الشي الذي يصعب عليك فهمه هنا؟
كنت محتارا وأنا أرى تصميم المحرر على عدم “هز القارب”، الأمر الذي يعد تنصلا من مهمتنا الصحافية لكشف الحقائق وقولها للسلطات. حاولت إقناع المحررين لتغيير رأيهم، ومذكرا بأن منافسينا كانوا يتابعون القصة.
وكان الغريب في الأمر، أن السبب الوحيد وراء موقفهم هو الخوف من مواجهة مسئولي المؤسسة بشأن تدهور قاعدة قرائنا أكبر من الاهتمام بالمتطلبات الأساسية للصحافة الحرة.
أجاب المحرر: “حسنا، أمضِ في كتابة الموضوع”. لكن لم ينشر في الواقع سوى جزء بسيط من النسخة التي قدمتها للنشر.
اتصل زملائي ممن يعرفون الكم العاطفي الذي وضعته في تغطية هذه القصة، لتهنئتي، لكن ذلك لم يساعد في التخفيف من غضبي. فلو أن أصحاب الشركة، والشرطة والمحررين لم يستبعدوا القصة، لما ظلت رفات الضحايا مخفية لأشهر تحت أنقاض ذلك الحريق المروع.
بعد ذلك، أصبحت مهووسا بكل قصة تدور حول حالات وفيات رفض المحررون نشرها. كانت هناك قصص كثيرة عن حوادث انتحار غير مفسرة، وجرائم في حق عمال المنازل يتم التستر عليها، وحوادث سقوط لعمال من المباني الشاهقة في دبي والشارقة.
كان الحد الفاصل بين نشر هذه القصص من عدمه، هو الخوف من أن يؤدي النشر لتشويه الصورة العامة الإمارات وقيادتها.
وكان المتوقع من الإعلام أن يمارس دور الرقيب المستقل في المجتمعات المحلية ولكن في الإمارات تم تحوير هذا الدور إلى معنى مقلق، وهو القيام بوظيفة الشاشة الحامية للنخبة الحاكمة وشركاتهم.
بحثت عن بديل لنشر ما لديّ من قصص، فقمت بجمعها في كتابي الأول “المعاناة الطموحة The Ambitious Struggle”. وأثار الكتاب غضب المسئولين الحكوميين فور نشره، وكان انتقامهم سريعا.
فقد أجبروا المحررين على انهاء عقد عملي، وطردوني من البلاد التي كنت اعتبرها بيتي لأكثر من عقد من الزمان.
أمضيت السنتين التاليتين في أوغندا، قبل أن أصل إلى أمريكا، حيث تقدمت بطلب اللجوء. وعلى مدى خمس سنوات، في الوقت الذي كنت أسعى فيه للاستقرار وبدء حياتي هنا، لم أكن قادراً على نسيان الضحايا الذين لم تقال قصصهم كما ينبغي، والذين أُنكرت عليهم كرامتهم.