موقع إخباري يهتم بفضائح و انتهاكات دولة الامارات

تحقيق: خدمة لأطماعها.. موانئ دبي تأمرت لتخريب اقتصاد 3 دول أفريقية

667

كشف تحقيق تلفزيوني عن ممارسات دولة الإمارات وشركة “موانئ دبي” في التلاعب باقتصاد جيبوتي وإرتريا والصومال، وخططها في محاولة السيطرة على موانئ البلدان الأفريقية الثلاثة وبناء قواعد عسكرية.

وذكر التحقيق، الذي عُرض ضمن برنامج “المسافة صفر” على قناة الجزيرة الفضائية، أن شركة موانئ دبي رفضت استقبال سفن في ميناء دوراليه بحجة عدم وجود سعة، وحولتها إلى الإمارات.

قال أبو بكر عمر هادي، رئيس هيئة الموانئ في جيبوتي: إن “موانئ دبي تعمدت رفع سعر الخدمات في جيبوتي، وبعد مغادرتهم ارتفع عدد الحاويات”.

وفي 2014 رفعت حكومة جيبوتي دعاوى تتهم “موانئ دبي” بتقديم مبالغ مالية غير شرعية لرئيس هيئة الميناء والمنطقة الحرة في البلاد، عبد الرحمن بوريه، لتأمين الحصول على الامتياز الخاص بمحطة “دوراليه” للحاويات.

ووفق الإحصائيات الرسمية الجيبوتية فإن موانئ البلاد تشهد يومياً عبور تسعين سفينة، تمثل القادمة من آسيا 59% منها، في حين تمثل السفن القادمة من أوروبا 21%، ومن القارات الأخرى بما فيها أفريقيا 16%.

وتكتسب جيبوتي أهمية استراتيجية نظراً إلى أنها مطلة على باب المندب الذي يمثل طريقاً رئيسياً للتجارة البحرية من آسيا والخليج إلى أوروبا. وأقامت عدة دول- بينها الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا والسعودية واليابان والصين- قواعد عسكرية فيها.

ونشر التحقيق ذاته صور أقمار صناعية تكشف عدم وجود نشاط تجاري بموانئ إرتريا، وتحويلها إلى ثكنات عسكرية إماراتية جوية وبحرية، مشيراً إلى وجود سجن سري يضم غرفاً تحت الأرض ضمن النطاق المستأجر بواسطة الإمارات في إرتريا.

وبموجب اتفاق مع إرتريا حصلت شركة “موانئ دبي” على حق استخدام ميناء ومطار “عصب” المطل على ساحل البحر الأحمر لمدة 30 عاماً، وأنشأت فيه قاعدة عسكرية.

وينص الاتفاق على أن تدفع مؤسسة الموانئ والجمارك والمنطقة الحرة في دبي مقابلاً سنوياً للسلطات الإرترية، إضافة إلى 30% من دخل الموانئ بعد تشغيلها.

ومع الميناء حصلت الإمارات على المطار الذي يحتوي على مدرج بطول 3500 متر، يمكن لطائرات النقل الكبيرة استخدامه في الإقلاع والهبوط.

وكشف التحقيق أيضاً عن أن الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو ، طلب 3 مرات من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد شخصياً الاطلاع على عقد ميناء بربرة، لكنه لم يستجب.

وأشار التحقيق إلى أن “شبكة مكونة من رجال أعمال وشركة تحويل أموال بالإمارات ضالعة في دعم المشروع الإماراتي بالصومال”. وأوضح أن صوراً لأقمار صناعية أظهرت وجود قاعدة جوية وبحرية إماراتية في إقليم أرض الصومال الانفصالي.

وتواجه “موانئ دبي” أزمة أخرى في أفريقيا؛ بعد أن صوّت البرلمان الصومالي، في مارس الماضي، لحظر عمل الشركة في البلاد، ما يشكّل تهديداً لمصالحها في ميناء بربرة.

ودشّنت أبوظبي باتفاق مع “جمهورية أرض الصومال” (غير معترف بها دولياً) قاعدة بربرة العسكرية دون موافقة الدولة الاتحادية، إذ كانت أبوظبي تقدّم دعماً عسكرياً وأمنياً كبيراً للصومال على مدار سنوات طويلة.

لكن هذ الدعم لم يستمرّ، لا سيما بعد أن صدّق مجلس الشعب في البلاد على مشروع قانون حول حرمة سيادة الدولة ووحدة أراضيها، رداً على الوجود الإماراتي في ميناء بربرة.

أداة تخريب ونهب ثروات

خلال 21 سنة الماضية، ظلّت الاستراتيجية البحرية التي اتُّبعت في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن ثابتة بما فيها النواحي المتصلة بتطوير الموانئ.

في هذه الفترة، انكفأت إريتريا على نفسها وتجاهلت أمر شواطئها، فيما ازدهرت جيبوتي في هذا المجال نتيجة لاحتضانها التجارة الإثيوبية المربحة وتدفق الاستثمار الأجنبي عليها، إضافة إلى استضافتها للقواعد العسكرية الأجنبية على أراضيها.

أما في الجانب الصومالي، فقد تحوّلت الشواطئ إلى مرتع للقرصنة مما دفع الدول الغربية والآسيوية إلى القيام بمناورات بحرية في هذه الشواطئ، حفاظا على مصالحها بضمان سلامة المرور البحري إلى قناة السويس.

غير أن تلك الأوضاع الآن في سبيلها إلى التغيير، لا سيما بعد أن أصبحت موانئ القرن الأفريقي فجأة في دائرة الضوء.

تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن رئيس وزراء إثيوبيا خلال رحلته الرئاسية السريعة إلى دول الجوار كالصومال والسودان وجيبوتي شدّد في تصريحاته على أهمية موضوع تطوير الموانئ بالنسبة لبلاده.

وفي ذات السياق، من المرجّح أن يساهم التقارب الأخير بين إثيوبيا وإريتريا في إمكانية إعادة تأهيل الموانئ الإريترية المتوقفة في عصب ومصوع. والأمر نفسه بالنسبة لليمن، فقد منحت الحرب التي تدور على بُعد 25 كلم من الموانئ الأفريقية أهمية جيو-ستراتيجية لتلك الموانئ.

إن فهم هذه التطورات يستدعي طرح ثلاثة أسئلة رئيسية:

أولا: لماذا تقوم دول القرن الأفريقي بتطوير هذا العدد الكبير من الموانئ الجديدة؟

ثانيا: من الذي سيتولّى تمويل هذه المشاريع؟

ثالثا: هل للسيطرة على الموانئ في القرن الأفريقي علاقة بالحرب الدائرة في اليمن؟

لماذا هذا العدد الكبير من الموانئ الجديدة؟

يعتبر هذا السؤال الأكثر وضوحا ومباشرة من بين الأسئلة السابقة، وقد يجاب عنه ببساطة لأن القرن الأفريقي بحاجة إلى تحسين وضع الموانئ والبنية التحتية حتى تستطيع مواكبة الوتيرة الحالية للنمو الاقتصادي الإثيوبي، التي تعتمد عليها دعائم التكامل والازدهار الإقليمي الأوسع. ولهذا السبب، صارت مسألة الموانئ واحدة من أولويات رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، في زياراته الخارجية.

ففي زيارته لجيبوتي، دعا إلى القيام باستثمارات مشتركة في موانئ البلاد، وحصل الأمر نفسه في زيارته للسودان، حيث ناقش مع الرئيس عمر البشير خططا لتحديث ميناء بورتسودان. أما في الصومال، فقد أعلن آبي أحمد بأن بلاده ستعمل مع مقديشو في مسار تحديث أربعة موانئ صومالية.

يبدو جليا أن إثيوبيا كدولة غير ساحلية تسعى للخروج من ربقة الاعتماد الشديد على جيبوتي، التي تكفلت موانئها بمرور نسبة 90% من التجارة الخارجية الإثيوبية منذ اندلاع الحرب الحدودية مع إريتريا في 1998.

لكن -مع ذلك- علينا أن ندرك أن إثيوبيا لا تسعى من وراء ذلك للحدّ من استخدام موانئ جيبوتي، إنما تريد تنويع سبل وصولها إلى البحر، وبالتالي خفض تكاليف الشحن البحري من خلال زيادة روح التنافسية في هذا السوق.

وهذا يتسق مع التوقعات، لأن حجم التبادل التجاري بين البلدين سيواصل الصعود لا سيما وأن السلطات الإثيوبية والصينية والجيبوتية قد استثمرت بكثافة في تحديث وتعزيز القدرات المتعلقة بالبنية التحتية في جميع الممرات المائية بجيبوتي.

إن محور هذه الإستراتيجية يقوم على مشروع سكة حديد يربط أديس أبابا بجيبوتي، يبلغ طوله 750 كيلو مترا، وصلت تكلفته إلى نحو 3.4 مليار دولار، وتقوم الصين بتمويله وبنائه وإدارته، وقد دخل المشروع حيز التنفيذ بشكل كامل في وقت سابق من هذا العام.

أبرز إيجابيات هذا المشروع أنه خفض قيمة التكلفة والوقت المبذولين في نقل الحاويات بين العاصمة الإثيوبية ومناطق الصناعات الناشئة في البلاد وبين جيبوتي التي سيتم من خلالها تصدير تلك المنتجات.

إضافة إلى ذلك، فمشاريع النفط والغاز المتوقعة في إقليم أوغادين في إثيوبيا وفي الأقاليم الصومالية المجاورة والتي سيتم تصدير إنتاجها أيضا عبر جيبوتي، تؤكد من جديد مركزية هذه الدولة في مسألتي النمو والتكامل الإقليمين.

لكل ما سبق، يعتبر استمرار هذه العلاقة الاقتصادية أمرا حاسما لجيبوتي وإثيوبيا على حد سواء. وبما أن موارد الموانئ تمثّل الدعامة الأساسية لخزينة الدولة، فقد استثمرت جيبوتي بشكل كبير في تطوير البنى التحتية، حيث أُنشئت مرافق جديدة للحاويات والشحن في هيئة ميناء متعدد الأغراض في دوراليه، كلّف بناؤه نحو 590 مليون دولار.

وفي ذات السياق، قامت جيبوتي ببناء وتطوير الموانئ الصغيرة مثل ميناء تاجوراه، الذي سيكون مجهّزا بمنشآت تتوفر فيها مرافق تصدير المواشي والغاز الطبيعي.

إضافة إلى ذلك، فلجيبوتي خطة طموحة للتنمية الوطنية تُعرف بـ “رؤية 2030″، والتي ترى الموانئ مركزا أساسيا يوفّر الخدمات للمنطقة بأكملها بما في ذلك خدمات الشحن المتعلقة بآسيا.

في هذا السياق، فإن تطوير هذا العدد الكبير من الموانئ ومناطق التجارة الحرة مع الشركاء الصينيين من شأنه أن يجعل جيبوتي دولة بالغة الأهمية لإثيوبيا وللمنطقة كلها، باعتبارها ركيزة لتحسين آفاق التكامل الاقتصادي في الإقليم، بصرف النظر عن أي تطور يحصل في إريتريا أو الصومال في المستقبل.

ولهذا السبب، تسعى جيبوتي -من جانبها- للمحافظة على قدرتها التنافسية، خاصّة مع ممرّ “لابيست” الكيني، الذي يهدف إلى ربط سواحل كينيا في منطقة “لامو”، مع جنوب السودان وإثيوبيا.

من الذي يدفع؟

السؤال الثاني الذي يُثيره هذا النقاش حول الموانئ يتصل بالجهة التي تُموّل هذه المشاريع. بالنسبة لإثيوبيا وجيبوتي فالجهة الرئيسية للتمويل هي الصين.

معروف أن معظم مشاريع البنية التحتية في جيبوتي يجري تمويلها وإداراتها من قِبل الشركات الصينية.

على سبيل المثال، فإن الميناء متعدد الأغراض، الذي تقدّر قيمة منشآته بملايين الدولارات في دوراليه، تشرف على إدارته شركة ميرتشن الصينية ويعتبر مملوكا جزئيا لها.

وتمتلك الشركة نفسها، التي تتخذ من هونغ كونغ مقرا لها، نسبة 23.5% من حصص منطقة التجارة الحرة وميناء جيبوتي. وقد اشترت في أوائل 2017 حصّة أقليّة في خطوط النقل البحري الإثيوبي والذي تعتبر جيبوتي منفذه الأساس.

لكل ذلك، تعتبر شركة ميرتشن من أبرز الشركات الفاعلة في العديد من أنشطة الموانئ الموجودة على طريق الحرير البحري الصيني، الذي يربط الممرّات المائية مع مشروع بيجين المعروف بالحزام والطريق.

وكما أوضح الكاتب تييري بايولت، فإن دور شركة ميرتشن في جيبوتي يشابه تماما بقية أنشطة الصين المماثلة في أماكن أخرى بأفريقيا، سواء كان ذلك في الموانئ أو الخدمات اللوجستية.

مع ذلك، فتجربة جيبوتي تعتبر فريدة لسببين: أولا، لأنها مركز التقاء الاتصالات السلكية واللاسلكية، وتعتبر نقطة التقاء أجهزة كابلات الألياف البصرية العابرة للقارات.

ثانيا، منذ 2017، تعتبر جيبوتي مقرا لأول قاعدة بحرية دائمة للصين في الخارج، والتي تقع على بعد 12 كيلو مترا تقريبا من قاعدة أفريكوم الأميركية في معسكر ليمونير.

إضافة إلى ما سبق، تمتلك الشركات الصينية حصصا كبيرة في حقول النفط والغاز الإثيوبية في منطقة أوغادين. وقد توصل البلدان عام 2017 إلى مد خط أنابيب النفط من إقليم أوغادين إلى جيبوتي، كما اقترحا بناء مصفاة للغاز الطبيعي المسال في منطقة دامرجوج.

أما الجهة الثانية والفاعلة في قضية الموانئ فهي دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد كانت جميع حاويات الشحن الإثيوبية تنقل عبر محطة “دوراليه للحاويات” قبل افتتاح الميناء المتعدد الأغراض -المشار إليه آنفا- والذي تديره الصين منذ العام الماضي في جيبوتي.

وكانت هذه المحطة تديرها منذ عام 2008 شركة موانئ دبي العالمية وتعتبر في ذات الوقت مالكا جزئيا لها، إلى أن أنهت جيبوتي في فبراير/شباط من العام الجاري عقدها من جانب واحد وأممت حصتها البالغة 33%. هذا التصعيد في العلاقة بين الطرفين جاء عقب معركة قضائية شرسة دامت ست سنوات.

في الوقت الراهن، تسعى موانئ دبي العالمية للحصول على تعويضات عن أصولها المفقودة من دولة جيبوتي. وإلى أن يُفصل في هذه القضية في محكمة بلندن، ستواجه حكومة جيبوتي صعوبة في بيع أسهم متحفظ عليها بشكل قانوني.

مع ذلك، فمن المحتمل أن تدخل إثيوبيا في المشهد وتحصل على حصة أقلية في “محطة حاويات دوراليه”، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار مقترح آبي أحمد المفاجئ، الذي طرح فيه فكرة امتلاك كل من إثيوبيا وجيبوتي حصصا في موانئ وهيئات الاتصال السلكية واللاسلكية في البلدين.

وبالطبع يمكن أن يحدث هذا ضمن صفقة تدخل فيها قروض صينية، وإذا تم ذلك فستنال شركة ميرتشن الصينية نصيبا أكبر من أسهم هيئة الموانئ والمناطق الحرة الجيبوتية.

ورغم أن هذا الخلاف الأخير قد أدى إلى تراجع شراكة دولة الإمارات الطويلة مع جيبوتي، فإن شركة موانئ دبي استطاعت في الوقت نفسه تدارك الأمر، حيث قامت بتوسيع نطاق وجودها في الموانئ المجاورة بالدول الأخرى.

ففي مايو/أيار 2016، وقعت الشركة صفقة لمدة 30 عاما بقيمة 440 مليون دولار من أجل تطوير ميناء بربرة في “أرض الصومال/صومالي لاند”، الإقليم الذي أعلن عن استقلاله الذاتي عن الصومال.

غير أن شركة موانئ دبي عادت وخفضت سقف استثماراتها وأعلنت في مارس/آذار 2018 بأن إثيوبيا ستحصل على نسبة 19% من المشروع إلى جانب حصتها التي تبلغ 51% وحصة حكومة أرض الصومال التي تبلغ 30%. في ذات الوقت، تستثمر الشركة نفسها في مشروع بناء طريق سريع يربط ميناء بربرة بالحدود الإثيوبية.

وبموجب ذلك، أتاح الاتفاق لدولة الإمارات -التي باتت تلعب دورا مركزيا متزايدا في الحرب الدائرة في اليمن- فرصة تطوير قاعدة بحرية قريبة من ميناء بربرة.

وتعتبر صفقة موانئ دبي أول اتفاق دولي كبير تعقده حكومة “أرض الصومال/صومالي لاند”، منذ أن أصبحت تتمتع بالاستقلال الذاتي. وقد أثار الاتفاق غضب الحكومة الفدرالية في الصومال، خصوصا وأنها لا تعترف بسيادة حكومة “أرض الصومال/صومالي لاند” على ميناء بربرة.

في المقابل، أدى هذا الاتفاق إلى نشوب خلاف سياسي بين الصومال والإمارات، نتج عنه سحب أبوظبي إمداداتها ومستشاريها العسكريين وإغلاق مستشفى كانت تموله في مقديشو.

علاوة على ذلك، تسبب الخلاف بين البلدين في زيادة حدة الاتهامات التي تزعم بأن الحكومة الصومالية تُستغل من قِبل قطر وتركيا، لا سيما بعد رواج التقارير التي تزعم بأن قطر ساهمت في تمويل حملة الرئيس محمد “فرماجو” الانتخابية.

أما الاتهام الموجه إلى تركيا فجاء على خلفية أنها الشريك الاقتصادي الأساسي للحكومة الصومالية الراهنة.

ما خطط الإمارات لليمن ومنطقة القرن الأفريقي؟

مما لا شك فيه أن وصول الإمارات إلى بربرة قد ساعدها في إنشاء قاعدة بحرية هناك، وهذا الأمر يقودنا بدوره إلى طرح سؤالنا الثالث: ما علاقة المنافسة حول مشاريع الحاويات الجديدة وموانئ الشحن في القرن الأفريقي بالحرب الدائرة في اليمن؟

بالطبع هذا سؤال تصعب الإجابة عنه، لكن من الواضح أنه كلما تعاظمت الحرب في اليمن ازداد الوجود الإماراتي في القرن الأفريقي. نتيجة لذلك، حشدت الإمارات عام 2015 قواتها ومعداتها البحرية بالقرب من ميناء عصب الإريتري، وأنشأت فيه مرافق تدريب وسجونا سرية.

والأمر ذاته ينطبق على بقية المناطق، حيث أصبح للقوات الإماراتية وجود في كل من أرض الصومال/صومالي لاند، وفي جزيرة سقطرى وعند السواحل الجنوبية في اليمن.

والسؤال الذي يُطرح هنا هو: هل تعتبر الحرب سببا وراء هذه المساعي، التي أظهرت الإمارات وكأنها تعمل بحماس للاستثمار في مبادرات السلام الدبلوماسية بين إثيوبيا وإريتريا؟ ونتذكر في هذا السياق الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء، آبي أحمد، في شهر مايو/أيار الماضي إلى دولة الإمارات، ثم زيارة ولي عهد أبوظبي إلى أديس أبابا في شهر يونيو/حزيران الماضي والتي أعلن خلالها -حاكم الإمارات الفعلي- منح قرض للطوارئ بقيمة مليار دولار لتخفيف أعباء النقص الحاد الذي تعانيه إثيوبيا في النقد الأجنبي، إلى جانب ذلك وعد بمزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الطائرة التي أقلّت الوفد الإريتري إلى أديس أبابا في 26 يونيو/حزيران كانت في الواقع طائرة إماراتية، بل إن الإمارات استضافت الرئيس الإريتري في أبوظبي، قبيل زيارة آبي أحمد التاريخية إلى أسمرة في 8 يوليو/تموز، والتي أعلن خلالها عن مبادرة السلام المثيرة للإعجاب.

وهناك إشارات صدرت مؤخرا من السعودية والإمارات تفيد بأن البلدين يدعمان التقارب الإثيوبي/الإريتري الأخير بأموال طائلة.

ويزعم بعض المحللين أن تلك الأموال ستُستخدم أولا في عملية إعادة ترميم وتأهيل موانئ إريتريا في عصب ومصوع، وفي مرحلة لاحقة، يتم تمويل مشاريع بنية تحتية تربط ميناء عصب بأديس أبابا. ليس ذلك فحسب، بل يريدون ربط ميناء مصوع بمدينة ميقلي، عاصمة إقليم التيجراي في إثيوبيا.

قد يكون هذا من قبيل التمني أو الطموح المفرط، لكن المؤكد أن إثيوبيا لديها خطط بنية تحتية طموحة طويلة المدى ومحددة التكاليف تشمل تطوير خطوط السكك الحديد وتطوير الطرق بمختلف أنواعها، البرية والجوية والبحرية.

وإن كان الأمر كذلك، فمسألة تشجيع المستثمرين العرب والصينين على التنافس من أجل الحصول على نصيبهم من الأرباح المتوقع كسبها من ربط موانئ إريتريا ودمجها ضمن خطط أديس أبابا المعنية بتطوير البنية التحتية على المدى الطويل تبدو مسألة ممكنة.

مع ذلك، فمن غير المؤكد ما إذا كانت السلطات الإريترية بوضعها المتهالك ستكون قادرة على إجراء إصلاحات اقتصادية على الصعيد المحلي من شأنها تسهيل المناقصات التنافسية حول الموانئ والخدمات البحرية والوفاء في الوقت نفسه بالتزاماتها تجاه دولة الإمارات.

علاوة على ذلك، فإنه من غير الواضح حتى الآن مدى واقعية التنبؤات التي تقول إن المال العربي يقف وراء صفقة السلام الأخيرة بين إثيوبيا وإريتريا.

كما يصعب على المرء معرفة ما إذا كانت الحماسة الدبلوماسية الأخيرة لدولة الإمارات في منطقة القرن الأفريقي تعكس بحق إستراتيجية سياسية أم أنها مجرد ردة فعل انتهازية تستثمر في المتغيرات الجارية في القرن الأفريقي؟ أي مجرد تكتيك مؤقت لجأت إليه بسبب حالة الجمود السائدة في الحرب الدموية الجارية في اليمن.

بمعنى آخر، هل لدولة الإمارات خطة مرتبة ومنسّقة تعمل من خلالها في منطقة القرن الأفريقي؟ وهل تتوقع أن يتم نقل عقد إيجارها العسكري في ميناء عصب إلى شركة موانئ دبي بمجرد استسلام الحوثيين في الحرب في اليمن؟

من السابق لأوانه التنبؤ بما ستؤول إليه الأوضاع، لكن أضحى جليا أن الموانئ في القرن الأفريقي باتت تحظى بأهمية متزايدة لدى المستثمرين المتنافسين من الصينين والعرب، كما أصبحت سياسات الموانئ محورا أساسيا تتشكل حوله الأحلاف والعداوات السياسية في عموم المنطقة.