“مستعدون لتحمل المزيد من عبء الأمن في محيطنا، فلم يعد بالإمكان الاعتماد على الولايات المتحدة”. بهذه الكلمات تحدث وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية للإعلان عن الدور المرتقب الجديدة لبلاده في منطقة الشرق الأوسط، الدور الذي بدأت تضطلع به الإمارات قبل سنوات بالفعل.
وألقى أنور قرقاش كلمةً في لندن يوم 26 يوليو/تموز الماضي، أشار فيها إلى أن بلاده مستعدة لتحمّل المزيد من العبء الأمني في الشرق الأوسط؛ لأنها لا تستطيع الاعتماد بعد الآن على العمليات العسكرية لحليفتيها الولايات المتحدة وبريطانيا.
وقال “نحن مستعدون لتحمُّل المزيد من عبء الأمن في محيطنا. نعلم أنه لم يعد من الممكن مواصلة الاعتماد على الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة لقيادة مثل هذه العمليات العسكرية”.
إعلان قرقاش قد يبدو مفاجئاً، إلا أن مضمونه ليس كذلك، فوفقاً لتقارير عربية وإعلامية متعددة، فإن الإمارات تسعى لتوسيع نفوذها الإقليمي عبر وسائل سياسية وعسكرية واستخباراتية ومالية، في منطقة الشرق الأوسط والقرن الإفريقي.
ما قد يكون مفاجئاً هو الصراحة في الإعلان عن طموح هذه الدولة العربية الصغيرة، والذي يبدو بمثابة إعلان رسمي عن الإمبراطورية التي بدأ العمل عليها فعلاً.
ولكن هل حقاً هناك إمبراطورية، وأين يمتد نفوذها؟
تنفي وسائل الإعلام الإماراتية أحياناً هذه الطموحات الإمبراطورية، بينما تؤكدها المصادر الغربية، بما فيها مسؤولون كبار بالجيش الأميركي، وصف أحدهم فيه الإمارات بأنها إسبرطة الصغيرة، الخاصة بالولايات المتحدة، مشيداً بقدرات طياريها في الحرب ضد داعش. ولكن الجغرافيا أصدق أنباء من النفي الإعلامي، فعلى طوال خريطة الشرق الأوسط والقرن الإفريقي وحتى المغرب العربي، يظهر الوجود الإماراتي بأشكال مختلفة.
اليمن نموذجاً
ولكن يبدو واضحاً في اليمن، حيث انخرط بقوة في الحرب، ولعب دوراً كبيراً في معارك عدن، وأدى فعلياً إلى سيطرة إماراتية على الجنوب اليمني، لاسيما عدن، الأمر الذي جُوبه باستياء من قبل الحكومة الشرعية، ممثلة في الرئيس المعترف به دولياً، والمفترض أنه حليف للتحالف العربي، عبد ربه منصور هادي. وظهر هذا الأمر جلياً في جزيرة سقطرى اليمنية، بعد أن استنكرت الحكومة اليمنية في مايو/أيار 2018، الإجراءات العسكرية، التي قامت بها القوات الإماراتية في الجزيرة اليمنية، واعتبرتها “أمراً غير مبرر”.
وقال مسؤول يمني إن الحكومة الشرعية تدرس إرسال رسالة إلى الأمم المتحدة، تطالب فيها بطرد الإمارات من التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، الذي تقوده السعودية، الأمر الذي أثار تساؤلات من وسائل إعلام غربية مرموقة مثل BBC، بشأن إذا ما كانت أبوظبي تتصرف من دون تنسيق مع التحالف، بعد أن أرسلت السعودية.
كما تلعب الإمارات دوراً كبيراً في معركة الحُديدة، إذ “تُعَد الحديدة أكبر عملية عسكرية تُنسِّقها الإمارات في أي مكانٍ في العالم، حسب قال لصحيفة Wall Street Journal الأميركية، مايكل نايتس، الزميل البارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، والذي درس تطوّر الجيش الإماراتي عن كثب.
ويضيف: “كان الناس يعتقدون أنَّ هذه النوعية من المهام لا يستطيع أن يؤديها سوى الأميركيين”. ولكن لم تثمر جهود الإمارات في معركة الحديدة عن نتيجة ملموسة حتى الآن.
ولكن الإمبراطورية تمتد حتى خارج الشرق الأوسط
وفي شرق إفريقيا، أقامت أبوظبي قاعدةً عسكرية في إريتريا، وتخطط لإنشاء قاعدةٍ أخرى في أرض الصومال، وهي منطقة صومالية تتمتع بحكم شبه ذاتي، وفكَّرت في القيام بإجراءٍ عسكري ضد قطر. وفي ليبيا، الدولة التي لا تصنف جزءاً من الشرق الأوسط، فإن الإمارات تدعم قائد ما يعرف باسم الجيش الوطني، المشير خليفة حفتر، بالتعاون مع مصر، وبوجود دور فرنسي، في ثلاثية تقوم على المال الإماراتي والسلاح الفرنسي والمقاتل المصري.
ولكن هناك دلائل على تخطّي دور الإمارات الدعم المالي، إذ تفيد تقارير بمشاركة الطيران المصري والإماراتي في قصف معارضي حفتر في درنة، وقبلها بنغازي، وارتكاب جرائم ضد الإنسانية؛ بل تأمين خروج مسلحي عناصر داعش من درنة، وصولاً إلى سرت قبل عامين.
ويرى الخبير العسكري سليمان بن صالح أن الدعم الذي يقدمه الثلاثي: فرنسا ومصر والإمارات، لقوات حفتر، كان الفيصل في صمود حفتر وقواته بحرب بنغازي.
من هم أعداء الإمارات وأصدقاؤها
إذا كان لكل إمبراطورية أعداؤها وحلفاؤها، فإن تحديد هذه التحالفات والخصومات ليس سهلاً بالنسبة للحالة الإماراتية، إذ يبدو أن الإسلاميين هم أبرز أعداء الإمارات، ولكن الواقع أنها تحالفت مع السلفيين في اليمن، وهو ما يبدو نكاية في الإخوان بالأساس، وأدت هذه السياسات إلى تعزيز تواجد القاعدة في بعض الأماكن، حسبما يعتقد.
ويبدو أن المواقف الإماراتية في المنطقة ترتبط بالقلق من الديمقراطية، وبالتالي فإنه إذا اجتمعت الديمقراطية مع الإسلاميين فتكون نقطة التقائهما هي محل ذروة العداء الإماراتي، مثلما حدث مع الرئيس المصري المعزول محمد مرسي، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وبينما ينظر للسعودية بأنها حليف أساسي للإمارات، إلا أنه سربت انتقادات وجهها رجل الإمارات القوي محمد بن زايد للسعوديين، وخاصة لولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف، وكذلك تحدثت تقارير سابقة عن إجراءات تتخذها الإمارات في اليمن ضد النفوذ السعودي، ولكن يبدو أن التضارب اختفى بعد أن انحازت الرياض لأبوظبي وبدأت حصارها لقطر.
ويفترض أن الإمارات التي تحتل إيران جزرها الثلاث معادية للمحور الإيراني، ولكن علاقتها بإيران لم تنقطع على الصعيد الاقتصادي، والأهم أن علاقتها بحليف طهران، الرئيس السوري بشار الأسد، ليست بنفس السوء الذي يفصل بينه وبين الرياض.
وفيما يبدو العسكريون والعسكريون السابقين هم الحلفاء الأبرز للإمارات، فإن الانفصاليين هم حلفاؤها المفضلون كما يظهر في الصومال، حيث تقيم علاقة وثيقة مع جمهورية أرض الصومال، التي لا يعترف بها أحد، وكذلك علاقتها الوثيقة مع الحراك الجنوبي في اليمن، وهناك الفيدراليين في شرق ليبيا الذين لديهم علاقات مع حفتر.
أما في الغرب فإن القوى اليمينية في الولايات المتحدة، خاصة تلك الصديقة لإسرائيل هي من أهم حلفاء الإمارات، وهو ما ظهر في العلاقة بين الإمارات وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، التي سبقت حتى توليه السلطة.
ولذا فإن الدور الإماراتي يتصاعد في ظل إدارة ترمب، التي تقدم دعماً عسكرياً للتحالف العربي في اليمن، يشمل عمليات سرية للكوماندوز الأميركي على حدود اليمن، لمساعدة السعودية والإمارات في مواجهة أكبر تحدياتهما بالحرب، حسب ما ذكرت صحيفة New York Times الأميركية.
ولكن يظل هذا الدعم يقدم بشكل محافظ، في وقت يبدو فيه أن الإمبراطورية الأميركية تتراجع عن تدخلاتها الفجة وباهظة التكاليف في الخارج، بعد أن وعت إدارة باراك أوباما خطورة أعباء الإمبراطورية على الدولة الأميركية، تاركةً العمل المكلف للحلفاء، خاصة أولئك الذين لا يعبأون بتكلفة إنشاء الإمبراطوريات، بعد أن بات من الممكن استيراد أبرز عناصرها
المرتزقة أدوات الإمبراطورية
لدعم طموحاتها العسكرية، فرضت الإمارات الخدمة العسكرية الإلزامية لمدة عام واحد على الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً في 2014. ومدَّدت في يوم الأحد 8 يوليو/تموز 2018، فترة هذه الخدمة العسكرية إلى 16 شهراً.
تمتلئ الإمارات بالمدن العصرية ذات السمات المستقبلية والاقتصاد المزدهر، التي بنيت بخبراتٍ أجنبية وعمالة تمولها الدولارات البترولية، ولا تختلف طريقة بناء الجيش عن ذلك، حسبما يشير موقع The Middle East Eye البريطاني.
فهم يختارون أفضل العناصر من السوق الدولية.. ومن هنا يأتون برجال الاستخبارات
توظف الإمارات ضباطاً سابقين من وكالة المخابرات المركزية الأميركية لبناء إمبراطورية تجسس في الخليج، وذلك حسب تقرير لمجلة Foreign Policy الأميركية.
وقال أحد الموظفين السابقين للمجلة، إن المال كان رائعاً “لقد كان 1000 دولار في اليوم، ويمكنك العيش في فيلا، أو في فندق 5 نجوم في أبوظبي”. إن اعتماد الإمارات على الأجانب لبناء مؤسساتها الأمنية ليس بالأمر الجديد، لكن الدولة الخليجية حاولت في العادة إبقاء تفاصيل تلك المساعدة بعيدة عن الرأي العام، وعندما يتعلق الأمر بتدريب عملياتها الاستخبارية الوليدة، يتم الحفاظ على التفاصيل بشكل خاص.
ومع ذلك فإن استخدام موظفي الاستخبارات الأميركيين السابقين لبناء قدرات التجسس للدول الأجنبية لا يزال يتجه إلى منطقة جديدة.
كما يثير هذا النوع من العمل الآن تساؤلات قانونية، في الوقت الذي تكافح فيه الحكومة الأميركية لتقرر كيف تنظم القوانين سبل نقل المسؤولين في المخابرات، المدربين تدريباً عالياً، مهاراتهم إلى الخارج، حسب ما ورد في تقرير المجلة الأميركية.
توظف جميع الجيوش الخليجية العديد من الأجانب، لكن هناك نتيجة عسكرية مختلفة، وأكثر فاعلية في الإمارات، حسب ديفيد روبرتس، الأستاذ المساعد بكلية كينغز كولدج في لندن والخبير في الشؤون الخليجية.
ويرصد تقرير The Middle East Eye العديد من الوقائع التي تؤكد على أن اعتماد الجيش الإماراتي على الأجانب ليس أمراً جديداً تماماً، ففي عام 2010، كُلِّف إريك برينس، مؤسس شركة Blackwater الأميركية للخدمات الأمنية والعسكرية الخاصة، بتشكيل جيش من المرتزقة في الإمارات، لمواجهة أي انتفاضات عُمَّالية محتملة، أو مؤيدة للديمقراطية. وتلقَّى وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس، قبل انضمامه إلى إدارة دونالد ترمب، الإذن من سلاح مشاة البحرية الأميركي، للعمل كمستشار عسكري للإمارات في عام 2015.
ولكن من أين يأتي الجنود؟
الجنود يأتون من دول أفقر، فقد أفادت تقارير بأن أبوظبي تجنِّد أبناء القبائل العربية في تشاد والنيجر، للزجِّ بهم في الحرب في اليمن. ولكن يظل المرتزقة الكولومبيين هم المفضلين بالنسبة للجيش الإماراتي، وفقاً لما كُشف في عدة تقارير، منها ما صرح به ضابطان سابقان وخبير أمني لوكالة فرانس برس عام 2015، بأن دولة الإمارات العربية المتحدة أرسلت سراً نحو 300 من المرتزقة الكولومبيين، للقتال نيابة عن جيشها في اليمن.
وقالت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها آنذاك، إن خبرة الجنود الكولومبيين السابقين في قتال الميليشيات اليسارية وتجار المخدرات في بلدهم، شجعت الإمارات على الاستعانة بهم، نظراً لقلة خبرة جيشها نسبياً. وقال ضابط سابق في الجيش الكولومبي لفرانس برس في بوغوتا: “الجنود الكولومبيون معروفون بمهاراتهم القتالية، نظراً لأنهم تدربوا على قتال الميليشيات”. وأضاف: “الكولومبيون لديهم سنوات عديدة من الخبرة في خوض الحروب”.
وغالباً ما تلجأ شركات الأمن الخاصة في العالم لتوظيف الجنود الكولومبيين في مناطق النزاع، ومن بينها العراق وأفغانستان والسودان.
والضابط المذكور يبلغ من العمر 48 عاماً، ترك الجيش الكولومبي في أواخر تسعينات القرن الماضي، وعمل في شركة “Blackwater” الأميركية، التي أثارت الجدل خلال فترة تعاقدها مع الجيش الأميركي في العراق، والتي غيَّرت اسمها إلى “أكاديمي”، وانتقل مؤسسها للإمارات.
وانضم الضابط إلى الشركة في العام 2004، وسط ما وصفه بـ”الطفرة في تجنيد الكولومبيين للقتال في العراق”، وعمل في أفغانستان والإمارات وجيبوتي.
وأضاف أنه ابتداء من 2010 تقريباً، بدأت الإمارات في تجنيد الكولومبيين لتشكيل جيش خاص في قاعدة وسط الصحراء، تدعى مدينة زايد العسكرية.
ويحصل الكولومبيون من قادة القوات الخاصة أو قائدي المروحيات في شركة “بلاك ووتر” على مبلغ 3300 دولار شهرياً، أي أقل بخمس مرات من المبلغ الذي يتلقّاه المتعاقدون الأميركيون، ولكنه يعتبر ثروة بمعايير كولومبيا.
وأضاف الضابط أنه “لم يتم تجنيدهم لخوض مهمات قتالية، بل للقيام بمهام الأمن والحماية. ولذلك فإنهم لا يعتبرون مرتزقة”.
ولكن تحول بعضهم لمرتزقة عندما قرَّر نحو 300 من بين هؤلاء الذين تجندهم الإمارات “التطوع” للمشاركة في القتال كمرتزقة في جنوبي اليمن، ونشروا في ميناء عدن، بحسب المصدر. وجاء ذلك بعد مقتل 30 جندياً إماراتياً في اليمن، في هجوم صاروخي، الذي ألقيت مسؤوليته على المتمردين الحوثيين.
وقال المصدر إن الإمارات خطّطت في البداية لإرسال 800 كولومبي، إلا أن المجندين رفضوا ذلك، واشتكوا من أن القتال في اليمن يتجاوز شروط عقودهم الأصلية.
وأضاف أن الإمارات حاولت إغراء هؤلاء المجندين من خلال اقتصار مناوباتهم على ثلاثة أشهر، وعرض مبلغ 120 دولاراً إضافية عن كل يوم قتال.