اعتبرت مجلة أمريكية أن أسس اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي تعرضت للزعزعة على خلفية تكرار تأجيل زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أبو ظبي.
وتناولت مجلة Foreign Policy الأمريكية جهود نتنياهو الدبلوماسية التي حاول استغلالها لصالح حملته الانتخابية، قبل أن تنقلب عليه.
وتحدّث تقرير للمجلة عن الأزمة التي أحدثها نتنياهو مع الإمارات وكيف أفشل الأردن محاولته الرابعة لزيارة أبوظبي.
وقالت Foreign Policy إن محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي كان يخطط مع نتنياهو للكشف عن مشاريع بنية تحتية مشتركة تقدر قيمتها بحوالي 10 مليارات دولار.
من شأنها أن تربط الشرق الأوسط بشبكة سكك حديدية تمتد على مسافة 1770 كم من ساحل البحر المتوسط حتى الخليج.
لكن الرحلة التي تستغرق ثلاث ساعات كانت قد أُوقفت ظهيرة يوم 11 مارس/آذار.
إذ رفض الأردن السماح للطائرة المتجهة إلى الخليج باجتياز مجالها الجوي، كردٍّ على القيود الإسرائيلية المفروضة على المرور إلى المسجد الأقصى.
وفي الواقع، كان الملك عبدالله يردّ على التجاهل الدبلوماسي الذي يلقاه من رئيس الوزراء الإسرائيلي منذ سنوات.
وتطورت الأزمة السياسية بعد أسبوع إلى “زعزعة أسس اتفاقيات التطبيع الإسرائيلية العربية الجديدة، المعروفة باسم اتفاقيات أبراهام” كما تقول المجلة الأمريكية.
وهذه المرة كانت الإمارات نفسها هي من رفضت محاولات نتنياهو اللاحقة لعقد القمة، واتهمته علناً بمحاولة استغلال الدولة الخليجية الغنية بالبترول في حملته المترنحة للفوز بانتخابات 23 مارس/آذار.
وكتب أنور قرقاش، المستشار الرئاسي ووزير الخارجية الإماراتي السابق، في تغريدة: “لن تشارك الإمارات في أي عملية انتخابية داخلية في إسرائيل، لا الآن ولا في أي وقت آخر”.
تصرفات محرجة
ورغم تصرفات نتنياهو المحرجة كما تصفها المجلة الأمريكية، يظل التقارب بين الخليج وإسرائيل كما هو على ما يبدو.
وذلك حتى لو كانت الاتفاقات التي توسط فيها ترامب بحاجة إلى التعديل لتنال دعم الرئيس الأمريكي جو بايدن.
إذ ترتكز علاقات التطبيع على صفقات بنية تحتية مربحة ومجموعة كبيرة من المشاريع المشتركة بين شركات إسرائيلية وعربية خاصة.
وبالتالي حتى لو فاز نتنياهو مرة أخرى ستمضي هذه الاتفاقيات بما يحقق مصلحة الطرفين، بحسب المجلة.
ويُقال إن من بين شركات البناء التي تفكر في تقديم عطاءات لمشروع السكك الحديدية بين إسرائيل والخليج، التي ستمر بالأردن والسعودية، شركات أمريكية وأوروبية وروسية وصينية.
وإسرائيل تدير بالفعل خط سكة حديد يمتد شرقاً من ميناء حيفا إلى الحدود الأردنية.
ويقوم مشروع “سكة حديد السلام” على جلب المنتجات الإسبانية أو الأجزاء الصناعية الألمانية من السفن الأوروبية التي ترسو في إسرائيل إلى دول الخليج.
وهذا المشروع سيعيد إحياء سكة حديد الحجاز العثمانية التي يبلغ عمرها 112 عاماً بربطها بشبكة قطارات جديدة يجري بناؤها في السعودية وتصل إلى موانئ الخليج.
مشاريع ضخمة
كان من المتوقع أيضاً أن تعطي قمة نتنياهو- بن زايد إشارة البدء لمشروع ميناء المياه العميقة، بتمويل من صندوق الثروة السيادي في أبوظبي الذي يبلغ حجمه 580 مليار دولار.
وتمكين الناقلات العملاقة من الرسو في إيلات، المجاورة لمدينة العقبة الأردنية المينائية.
وسيصبح بإمكان هذه السفن حمل النفط الخام من السعودية وضخه عبر خط الأنابيب الإسرائيلي إلى البحر المتوسط ومنه إلى أوروبا.
وفي الاتجاه الآخر، يمكن نقل النفط القادم من آسيا الوسطى وأوروبا عبر الجسر البري إلى السفن في ميناء البحر الأحمر التي ستبحر بعد ذلك إلى الصين أو اليابان أو كوريا الجنوبية.
وفي الوقت الذي كانت فيه المفاوضات جارية على مشاريع القطارات والموانئ أواخر العام الماضي، كانت شركة خطوط الأنابيب الأوروبية الآسيوية المملوكة لإسرائيل (EAPC) وشركة MED-RED Land Bridge Ltd في الإمارات قد وقعتا بالفعل مذكرة تفاهم في أبوظبي في حفل حضره وزير الخزانة الأمريكي آنذاك ستيفن منوشين.
وتعتمد الصفقة على قنوات الشركة الإسرائيلية الحالية التي يبلغ طولها حوالي 257 كم لنقل النفط الخام ومشتقات تقطير البترول.
وتقول شركة EAPC إنها تدرس أيضاً مشاريع لنقل الغاز الطبيعي بين محطاتها على البحر المتوسط والبحر الأحمر.
وكانت إسرائيل اكتشفت احتياطيات وفيرة من الغاز قبالة سواحلها على البحر المتوسط على مدار العشرين عاماً الماضية ووقعت اتفاقيات تصدير مع اليونان وقبرص، وقد تبدأ في التوريد لإيطاليا ودول أخرى في أوروبا.
وتم تنفيذ الحفر في حقل ليفياثان البحري للغاز على يد ائتلاف إسرائيلي أمريكي بقيادة شركة نوبل إنرجي التي يوجد مقرها في هيوستن.
وكان إيزيك ليفي، الرئيس التنفيذي لشركة EAPC، قد قال في تصريح لمجلة Foreign Policy قبل توقيع اتفاقيات أبراهام في سبتمبر/أيلول، إن التحالف المزمع مع الإمارات “يفتح الكثير من الأبواب والفرص” أمام الشركة الإسرائيلية.
وقال ليفي إن شركات أمريكية ودولية أخرى، بقيادة شركة شيفرون، تخلت عن إحجامها التاريخي السابق عن التعامل مع إسرائيل، خوفاً من انتهاك مقاطعة عربية بدأت منذ 75 عاماً.
وحتى بعد أن أعلن الكونغرس الأمريكي أن هذه العقوبات غير قانونية عام 1977، ظل التعامل مع إسرائيل حساساً لشركات النفط الكبرى.
وكانت إسرائيل تحصل على الجزء الأكبر من إمداداتها من الطاقة عن طريق صفقات أغلبها سرية مع دول مثل أذربيجان والمكسيك.
العلاقة بين الإمارات وإسرائيل بعد نتنياهو
ورغم “العجرفة السياسية” التي كشفت عن نفسها بوضوح في البيت الأبيض العام الماضي، من المستبعد أن يتغير التقارب بين الإماراتيين والإسرائيليين.
فموقع إسرائيل الاستراتيجي الذي يربط بين القارات وتقدير دول الخليج بأن التعامل مع عدوها السابق يوفر لها فرصاً تجارية وفيرة يعني ضرورة فتح الأبواب أمام المزيد من الصفقات الإسرائيلية العربية في الشرق الأوسط سريع التطور.
في غضون ذلك، يبذل نتنياهو، أطول من تولى منصب رئيس وزراء في إسرائيل، كل ما لديه للفوز بولاية جديدة، على أمل تمرير تشريع من شأنه تأجيل محاكمة فساد أنكر فيها الاتهامات الموجهة إليه في فبراير/شباط.
وهو يُقدّر أن أي إساءة لابن زايد في أبوظبي لخلطه بين العمل والانتخابات يمكن علاجها إذا فاز نتنياهو بولاية سابعة غير مسبوقة هذا الأسبوع.
لكن استطلاعات الرأي تتوقع طريقاً مسدوداً.
ومن سيصدق حينئذٍ أن نتنياهو، بعد قيادته لتحالف مع الخليج أحدث ثورة في وضع إسرائيل الاقتصادي والأمني في الشرق الأوسط، سيخسر الانتخابات لأنه أهمل وتجاهل شريكه العربي الفقير في عملية السلام المطل على نهر الأردن، بحسب وصف المجلة الأمريكية.