أدخل التحالف الإماراتي السعودي في الحرب على اليمن البلاد في المرحلة القاتلة من الكارثة الإنسانية، في ظلّ سوق حياة الملايين من المدنيين إلى أسوأ سيناريوهات الجوع وفقدان سبل تأمين العيش.
وتقف ثلاثة أطراف على هرم المسؤولية عن الأزمة الإنسانية الشديدة في اليمن، تتقاذف الاتهامات وترسم الملابسات الأخيرة لسقوط البلاد، ويتقدم ذلك التحالف (السعودية – الإمارات) الذي يطوّق اليمن بحراً وجواً ويتحكم بملفاته المصيرية.
وقريباً منها، يأتي دور الحكومة الشرعية والتي تقف عاجزة هي الأخرى، بين فشلها أو إفشالها المعتمد من التحالف، وبين جماعة أنصار الله (الحوثيين)، التي تفرض سلطة “الأمر الواقع” في صنعاء ومحيطها وفيها تحصي مكاسبها من أشلاء دولة وتحشد لجبهات الحرب، فيما تذهب البلاد نحو حرائق الجوع، التي قد يصعب السيطرة عليها.
وعلى مدى الأيام الماضية، بدت الحياة العامة واحداً من شواهد المرحلة الجديدة من الكارثة، إذ أفاد سكان في أكثر من مدينة بما فيها صنعاء، بتراجع مستوى الحركة ومظاهر الحياة العامة بشكل كبير، على أثر أزمة المشتقات النفطية الخانقة، التي وصلت أسعارها إلى مستوى قياسي في محطات الوقود أو السوق السوداء، بالترافق من ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع بمختلف أنواعها بما يصل إلى 200 في المائة، كنتيجة للانهيار الكبير للريال اليمني، أمام العملات الأجنبية.
جرس الإنذار، الذي طرقته الأمم المتحدة، جاء مرعباً، ومفاده أن “اليمن يقترب من نقطة سيكون من المستحيل بعدها منع وقوع عدد هائل من الوفيات بسبب المجاعة”، وفقاً لمنسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة مارك لوكوك، الذي أضاف في تصريحات منذ أيام “إننا نخسر الحرب ضد المجاعة، الوضع قد تدهور بشكل مثير للقلق خلال الأسابيع الأخيرة. قد نقترب الآن من نقطة اللاعودة، سيكون من المستحيل بعدها منع وقوع خسارة هائلة في الأرواح نتيجة انتشار المجاعة بأنحاء اليمن”.
ومع تفاقم الأزمة وإلقائها بظلالها على الحياة العامة في مختلف المدن، وفي النداءات الإنسانية الدولية وسيطرة حالة من الذهول والرعب في أوساط اليمنيين، توجهت الأنظار نحو الأطراف المعنية بمنع الانهيار الكارثي، بمن في ذلك الحكومة اليمنية الشرعية، بوصفها “الجهة المسؤولة بصورة مباشرة عن الوضع الإداري المالي للبلاد، منذ نقل المصرف المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن، على الأقل”.
وفشلت مختلف القرارات التي اتخذتها “اللجنة الاقتصادية”، وما ترافق معها من توجيهات صادرة عن رئيس الحكومة أحمد عبيد بن دغر ومحافظ البنك المركزي اليمني محمد منصور زمام، في إيقاف تدهور أسعار الريال اليمني أمام الدولار، على مدى الأسابيع الأخيرة.
وبصرف النظر عن الملابسات المتعلقة بهذه الإجراءات، كان واضحاً أن الحكومة التي تتخذ قراراتها من عواصم بلدان خارجية وأغلب مسؤوليها موزعون بين الرياض والقاهرة، عاجزة عن تحويل قراراتها الطارئة، إلى واقع التنفيذ، وهو ما بدا واضحاً من تصريح رئيس اللجنة الاقتصادية، حافظ معياد، وهو قيادي في حزب المؤتمر، انضم إلى الشرعية أخيراً، حين اضطر إلى إلقاء المسؤولية باستمرار انهيار أسعار العملة، على البنك المركزي والجهات التنفيذية الأخرى، بالقول إن “اللجنة التي يترأسها، وتشكلت منذ أسابيع، معنية بتقديم الرأي وليست مخولة بالتنفيذ”.
وذهبت العديد من تعليقات اليمنيين، إلى اعتبار الفشل نتيجة طبيعية لحكومة تتخذ قراراتها من خارج البلاد، وتواجه عوائق من أطراف محلية مدعومة من التحالف (الإمارات على وجهٍ خاص)، تمثل ما يمكن وصفه بالسلطة الموازية التي تقف عائقاً أمام سلطة وقرارات الحكومة الشرعية.
في الأثناء، كان لافتاً، الصمت المثير للريبة من قبل دول التحالف، وفي المقدمة منها السعودية، الدولة الرابضة على أكبر احتياطي نفطي في العالم، وفي جنوبها، تفاقمت أسوأ كارثة إنسانية في العالم، حيث الملايين مهددون بالموت جوعاً ولا يعلمون من أين سيوفرون وجباتهم المقبلة. وهناك ملايين أخرى، لا تزال تعيش في أوضاع أقل كارثية، تجد نفسها، مهددة أكثر من أي وقتٍ مضى.
ووسط ذلك، تبرز التساؤلات: لماذا يسكت التحالف السعودي الإماراتي، عن وصول اليمن إلى مرحلةٍ قد لا يكون من السهل التحكم فيها أو إعادة الاقتصاد إلى نقطة سابقة منها؟.
هذا السكوت من التحالف إن لم يكن السماح بذهاب اليمن إلى الانهيار النهائي ونقطة اللاعودة، ضمن استراتيجية غير معلنة من التحالف، في ملفٍ، لا يمكن أن يُفصل عن أي من المسارات العسكرية أو السياسية، أو التمييز فيه بين المناطق الجغرافية، فجميع اليمنيين متضررون من انهيار العملة المحلية ووصول الاقتصاد إلى مرحلة متقدمة من الانهيار.
ولم يعد سراً، أن التحالف هو من يساهم بإضعاف الحكومة الشرعية ويعيق ممارسة مهامها في المناطق التي تُوصف بـ”المحررة” من الحوثيين، وتخضع إلى حد كبيرٍ، لأجهزة وسلطات محلية، متعددة الأقطاب، يجمع الكثير منها وقوعها تحت نفوذ أبوظبي أو بتمويل منها، بالنسبة للقوات العسكرية والأمنية الخارجة عن سلطة الشرعية، ومثلها “المجلس الانتقالي الجنوبي” الانفصالي، الذي يطالب بإسقاط الحكومة.
وتخضع منافذ اليمن وموانئه وأجواؤه، لسيطرة التحالف، وهو الذي يعطي التصريح للشحنات التجارية والسفن بالمرور من عدمه، كما أنه يضع العوائق، أمام تمكين الحكومة من إعادة تصدير النفط والغاز، في وقتٍ يؤكد فيه الخبراء الاقتصاديون، أنه “بدون هذه الخطوة، التي توفر دخل البلاد من العملة الصعبة، فإن انهيار الاقتصاد، قد يتواصل في أغلب الأحوال، وحتى مع افتراض وجود فساد وتقصير في جانب الحكومة الشرعية، فإن التحالف جهة مسؤولة أمام اليمنيين، بوصفه الطرف الأقوى في كل الأحوال”.
وهو ما بدا واضحاً خلال التظاهرات التي خرجت منذ أسبوعين، في عدن والمكلا، وأحرق خلالها المتظاهرون أعلام السعودية والإمارات، وهتفوا بالمطالبة برحيل التحالف، متهمين إياه، بتجويع اليمنيين.
الحكومة بدورها، بدت هذه المرة عاجزة، عن اللجوء المباشر إلى التحالف، كما فعلت منذ أشهر بطلب وديعة سعودية في البنك المركزي لإنقاذ العملة. وهو ما فعلته الرياض بإيداع ملياري دولار، إلا أنها لم تكن كافية لتمنع تجدد الانهيار أشهراً طويلة، في ظل حكومة مقيّدة في فرض سلطاتها والاستفادة من كافة مواردها.
وتبقى الرياض هي المعني الأول بمنع الانهيار كنتيجة لوقوع اليمن تحت تدخلها العسكري المباشر، ولا يقتصر الدور المفترض، على الوديعة، بل يتطلب تحركاً يدعم الحكومة بتنفيذ قراراتها وسرعة إعادة تصدير النفط، وغيرها من الخطوات، التي تأتي سياسات التحالف، على الضد منها، بتقويض الدولة اليمنية ومؤسساتها، وإنشاء جيوش وكيانات مناطقية جديدة.
وفي المحصلة، فإن اليمن يذهب نحو مرحلة، قد لا يمكن لأي الأطراف، التي تساهم أو تغض الطرف عن مآلاتها الكارثية، أن تتحكم بحدودها؛ خصوصاً إذا ما كانت أزمة العملة في الأشهر الأخيرة على الأقل، ليست سوى حلقة جديدة في وضع كارثي تفاقم منذ تصاعد الحرب في البلاد عقب اجتياح الحوثيين لصنعاء وتدشين التحالف السعودي الإماراتي حربه في مارس/آذار2015.
ويبقى السؤال الذي يشغل الغالبية العظمى من اليمنيين، عما ستؤول إليه أزمة “الريال اليمني”، وعما إذا كان التحالف الإماراتي السعودي على وجهٍ خاصٍ، سيواصل غض الطرف عن الانهيار الاقتصادي، الذي لا يمكن لأي من الأطراف الفاعلة يمنياً، أن يبقى بعيداً عن عواقبه الوخيمة.