لا تكتفي دولة الإمارات في إطار حربها الإجرامية على اليمن المستمرة منذ أكثر من أربعة أعوام بما تنشر من قتل للمدنيين ونشر للفوضى والتخريب، بل تتعمد تقويض اقتصاد اليمن ودفعه للانهيار خدمة لمؤامراتها بالتوسع المشبوه.
ويدفع اليمن يدفع فاتورة ضخمة بسبب بقاء مواقع اقتصادية سيادية خارج سيطرة الدولة وتحت “الاحتلال” الإماراتي ما أدى إلى توقف شبه تام لإنتاج وتصدير النفط والغاز وخروج ميناء بلحاف الاستراتيجي عن الخدمة، بالإضافة إلى تعطيل الموانئ واستمرار عمل مطارات خارج الإطار الرسمي.
وبفعل حرب الإمارات ضمن التحالف الذي تترأسه السعودية، أصبح اليمن يغرق في كومة ديون ثقيلة وتراجع حاد للإيرادات المالية في البلاد.
وتكشف بيانات أوردها تقرير حكومي حديث، عن ارتفاع الدين الخارجي لليمن من 6 مليارات و765 مليون دولار عام 2014، إلى 9 مليارات دولار العام الحالي 2019، بينما ارتفع صافي الدين الداخلي من 3 تريليونات إلى نحو 6 تريليونات ريال، بما يمثل 94% من الناتج المحلي الإجمالي.
كما تآكل احتياطي اليمن من النقد الأجنبي، ولجأت الأطراف المتصارعة إلى تغطية عجز الموازنة من خلال السحب المباشر من البنك المركزي برأسيه في صنعاء وعدن، ما فاقم أزمة الديون.
وحسب بيانات التقرير الصادر عن قطاع الدراسات الاقتصادية في وزارة التخطيط اليمنية بالتعاون مع البنك الدولي ومنظمة يونيسف، فقد ارتفع صافي الدين العام المستحق (الداخلي والخارجي) على اليمن في النصف الثاني من العام الجاري 2019، بنسبة 41% إلى 10 تريليونات و401 مليار ريال، مقارنةً مع 6 تريليونات و563 مليار ريال في نهاية العام 2014.
وأصبحت الأزمة المالية العامة في اليمن واحدة من أخطر التحديات التي تواجه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في اليمن، وضمن أخطر تداعياتها استمرار أزمة في مرتبات الجزء الأكبر من موظفي القطاع العام المدني لأكثر من ثلاثة أعوام، بالإضافة إلى معاناة القطاع المصرفي من أزمة سيولة خانقة.
وتعجز الحكومة عن سداد خدمة الدين العام، ما يفاقم أزمة السيولة في القطاع المصرفي، إذ مراقبون اقتصاديون أن تراكم أعباء الدين العام مخاطر ليست فقط حالية، ولكن أيضا مستقبلية كون مزاحمة نفقاتها بقية النفقات العامة الاجتماعية والتنموية على الموارد المحدودة أصلاً.
ورغم استقرار القيمة المطلقة للدين العام الخارجي دون 7 مليارات دولار خلال الأعوام من 2014 إلى 2017، إلا أنه ارتفع بمبلغ ملياري دولار بسبب الوديعة السعودية عام 2018.
وبالتالي، زادت نسبة الدين العام الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي من 22% عام 2014 إلى 77% في يونيو/ حزيران الماضي 2019.
ونتيجة لذلك تدهورت الجدارة الائتمانية لليمن، بسبب صعوبة الوفاء بخدمة الدين العام الخارجي، الذي تضخم أكثر بسبب الوديعة السعودية المشروطة بالفوائد.
ومنحت السعودية دعمها للحكومة الشرعية بهدف إنقاذ الريال اليمني حين تعرضه لانهيار تجاوز حاجز 800 ريال للدولار الواحد في 2018.
لكن لم يكن هذا الدعم على شكل منحة بل جاء على هيئة وديعة، بل أن الدعم السعودي كان قرضا من النوع مرتفع الفائدة والذي ستكون أعباؤه كارثية في المستقبل القريب، وخاصة أن الحكومة غير قادرة على السداد، وكأن المطلوب هو تأجيل انهيار الريال وليس منعه.
ومن الملاحظ كذلك أن المساعدات المزعومة التي قدمها التحالف السعودي الإماراتي كانت كلها عبارة عن مساعدات مؤقتة لسد حاجة آنية لدى اليمنيين، بينما عمل التحالف على عدم تخصيص أي ميزانيات لتمويل مشاريع تنموية مستدامة ممكن أن تخدم اليمن على المدى الطويل وإنقاذ البلد الذي يغرق في الديون.
كما لم يعمل التحالف السعودي الإماراتي لمصلحة الاقتصاد اليمني، بل على العكس عمل على تقويضه عبر السيطرة على موارده التي كان من الممكن أن تتجاوز 50 مليار دولار خلال فترة الحرب الدائرة.
كما أن الديون الضخمة التي يغرق فيها اليمن على كل المستويات تقوض عودة الدولة وعقبة كبرى أمام أي حكومة توافقية قد تتشكل في الفترة القادمة بعد اتفاق الرياض، لأن العبث والدمار يطاول كل القطاعات الاقتصادية ولا تستطيع أي سلطة رسمية أن تضع يدها على موارد البلد السيادية.
وتقدر إحصائية حديثة الانكماش التراكمي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لليمن بحوالي 45%، بينما قدرت الخسائر التراكمية في النشاط الاقتصادي بحوالي 66 مليار دولار.
وفي وسط أزمة المالية العامة وشح النقد الأجنبي وتقييد التعاملات الخارجية وتنامي عجز الميزان التجاري وتشوه مناخ الاستثمار، يتأرجح سعر صرف الدولار صعودا وهبوطا خلال الفترة الأخيرة ما بين 560 و600 ريال للدولار.
وتسيطر الإمارات على تسعة مواقع استراتيجية ما يشكل سببا رئيسيا في تصاعد تقويض اقتصاد اليمن.
والمواقع التسعة التي تسيطر عليها أبو ظبي في المخا، وباب المندب، ومدينة عدن، وميناء العاصمة المؤقتة، ومطار عدن، ومطار الريان في المكلا، وسقطرى، وجزيرة ميون، وميناء بلحاف في محافظة شبوة جنوب اليمن.
وحسب تقديرات غير رسمية، فإن اليمن خسر ما يزيد عن خمسة مليارات دولار مباشرة، كان من الممكن أن تضخ إلى خزينة الدولة خلال السنوات الخمس الماضية جراء توقف تصدير النفط والغاز.
وغادرت اليمن مطلع 2015 نحو 10 شركات عالمية مستثمرة في قطاع النفط والغاز وتوقفت عشرات الشركات المحلية العاملة في هذا القطاع وقطاعات اقتصادية أخرى، وحلت الإمارات في مواقعها منذ منتصف 2016.
وتمنع الإمارات المورد الاقتصادي الأول لبلد مثل اليمن، فتعرقل كل جهود استئناف تصدير النفط الخام وإعادة الشركات الأجنبية لعملياتها.
ولم يعمل من الشركات اليمنية الناشطة في هذا المجال سوى شركتي بترومسيلة وصافر الوطنيتين في حدود التشغيل الدنيا رغم أن الحال لم يكن كذلك مع شركة “أو أم في النمساوية” المملوك ربع أسهمها للإماراتيين.
وهذه الشركة المرتبطة بالإماراتيين تم إقرار استئناف العمل فيها وتنفيذ ذلك وإعادة التصدير في مدة لم تتجاوز الأسبوع، ولأجلها ذللت كل العراقيل ومهدت كل الطرق.
بالتالي خسر اليمن ما يزيد عن خمسة مليارات دولار كان ممكناً أن تضخ إلى خزينة الدولة خلال السنوات الخمس الماضية، وهذا بحساب الأسعار السابقة في تعاقدات بيع الغاز المسال، أما لو تم تعديل الأسعار فإن المبلغ سيتضاعف عدة مرات.
ونفس الحال بالنسبة للمطارات اليمنية وشركة الطيران الوطنية التي تمنع طائراتها من المبيت داخل اليمن وتخضع لقيود غير منطقية تفرضها قيادة التحالف وتقيد حركة الناقل الوطني.
وبالنسبة للغاز المسال، فكلما كانت تلوح في الأفق جهود أو بوادر محاولات لاستئناف تصدير الغاز المسال من ميناء بلحاف النفطي، كانت هذه الجهود تعرقل بواسطة حوادث مفتعلة.
وتاريخيا يُعد ميناء “قنا” أو بلحاف حديثا من أهم الموانئ على الإطلاق في شبه جزيرة العرب، وكان البوابة الأولى لطريق الحرير الرابط بين أجزاء حواضر ومدن الجزيرة العربية وصولاً إلى موانئ غزة بفلسطين للانطلاق بعدها إلى شواطئ أوروبا، وكذلك مدينة شبوة التاريخية التي تقع في تخوم الصحراء على طريق الحرير التي تزمع الصين على إحيائه من جديد.
من جانبه، يؤكد وكيل وزارة النقل السابق عامر عوض البرعام، أن الإمارات وكيل لدول كبرى للتصدي لمشروع الصين الضخم لإحياء طريق الحرير، لهذا فإن بلحاف وميناءي عدن والمخا أهم أهدافها في اليمن.
ويضيف البرعام “لهذا كانت الصين الدولة الوحيدة من الدول الخمس الكبرى التي كان موقفها واضحا عقب أحداث عدن وشبوة في دعم الحكومة الشرعية ووحدة اليمن، عززته الأسبوع الماضي في تصريحات صحافية لوزارة الخارجية الصينية تدعو الحكومة اليمنية إلى الالتزام بالاتفاقيات الموقعة معها قبل الحرب بخصوص ميناء عدن”.
ويلفت إلى أن ميناء بلحاف الذي يقع عليه أكبر ميناء لتصدير الغاز المسال في الجمهورية اليمنية يعد المنطقة الأهم التي تلهث الإمارات خلفها ويسيل لعابها لأجلها وتصر على إبقائها تحت سيطرتها مهما كان الثمن.
بدوره يقول الباحث في المنظمة اليمنية للتنمية الاقتصادية عمار السماوي إن هدف الإمارات الأساسي في مشاركتها ضمن دول التحالف العربي الذي شكلته السعودية لدعم الشرعية في اليمن كان الانقضاض على موانئ اليمن وتعطيلها، وبسط نفوذها على مضيق باب المندب الاستراتيجي والاستحواذ على جزيرة سقطرى الاستراتيجية (شرق) وتفتيت اليمن ليسهل لها تحقيق هذه الأهداف المشبوهة.
كما أن الإمارات عملت على تقويض عمل الحكومة اليمنية في عدن منذ أن اتخذتها عاصمة مؤقتة في 2016 وإنشاء كيانات عسكرية خارج إطار الدولة اليمنية، بالإضافة إلى منعها من إنتاج وتصدير النفط والغاز وإدارة موارد الدولة نتيجة تحكم الإمارات بمواقع الإنتاج ومنافذ وموانئ التصدير.
وهذه التصرفات منعت الحكومة من إعادة تكوين احتياطي نقدي وإعادة الدورة النقدية إلى البنك المركزي في عدن، وتبديد الموارد العامة التي تجري في قنوات مالية غير رسمية.
ويجمع المسئولون اليمنيون على أن الإمارات تستهدف تدمير اليمن وتفتيته وإغراقه بالحروب والفوضى والفتن، ومنذ بداية الحرب تقوم بإجراءات وممارسات تعيق قدرة اليمن على استعادة اقتصادها وحمايته من مزيد من التهاوي والانحدار.